40/11/04
الموضوع:- التنبيه الأول ( اشتراط عدم الأصل الحاكم ) - تنبيهات أصالة البراءة - مبحث الأصول العملية.
والجواب:- إنَّ هذا الأصل يجري إذا كنا نعرف المانع هو كذا ولكن لا ندري بذلك ، مثلما لو كنا نعلم بأنَّ الجلل مانع جزماً ولكن نشك هل صار الحيوان جلالاً أو لم لا ، كالدجاجة نشك أنها صارت جلّالة أو لا فهذا شك في تحقق المانع ، فهنا نستصحب عدم تحق المتع - أي أصالة عدم تحقق المانع - ، فإنه توجد حالة سابقة ، فإذا كنت تعلم بأن الجلل مانع ولا تعلم بأنَّ هذه الدجاجة أكلت النجاسة بالمقدار الذي يوجب الجلل أو لا فتستصحب عدم تحقق المانع - يعني عدم تحقق الجلل - ، وهذا متفقون عليه ، أما إذا فرض أني أعلم بأنها جلالة جزماً ولكن لا أعلم أن الجلل مانع من تحق التذكية أو ليس بمانع فهنا لا معنى لإجراء أصالة عدم تحقق المانع إلا بنحو المثبت ، أي نقول هكذا:- إنه سابقاً لم يكن هناك مانع جزماً وبعد ذلك حينما أكلت من النجاسة نشك أن المانع تحقق أو لم يتحقق فنستصحب عدم تحققه فإذاً الجلل ليس بمتحقق ، ولكن هذا لازم ليس شرعياً ، ونحن نريد الجلل وكلامنا في الجلل وأنَّ عنوان الجلل هل هو مانع أو ليس بمانع ، فالمهم أن تنفي مانعية الجلل وأنت بهذا الطريق لم تنفِ مانعية الجلل وإنما نفيت عنوان المانع ، وأنحن الذي نحتمل أنه جزء من أجزاء التذكية هو عدم الجلل وليس عدم المانع ، فإنَّ عدم المانع هي عبارة عن ألفاظ من عندنا ، فأنت لم تثبت أنَّ الجلل ليس بمانع ، فما صدر من السيد الخوئي(قده) واضح التأمل وهو غريب جداً.
وهناك كلام للشيخ الخراساني(قده)[1] في هذا المقام:- فإنه ذكر أننا نستصحب الحلية والطهارة ونقول هكذا:- إنَّ هذا الحيوان سابقاً قبل أن يأكل النجاسة كان يحلّ ويطهر إن ذُبِح مع التسمية السكين والقبلة والآن بعد أن صار جلالاً - ولكن نشك هل الجلل مانع من التذكية أو لا - نشك هل يطهر ويحل لو ذبح بالسكين مع التسمية أو لا فنستصحب الحلّية والطهارة.
ويرد عليه:- إنَّ هذا استصحاب تعليقي ، لأنَّ الحلّية والطهارة قبلاً ليست فعلية وإنما هي معلقة فهو يحل ويطهر إنَّ ذبح إلى القبلة فالحلية والطهارة حكم مشروط معلق على قطع الأوداج مع التسمية وغير ذلك من الشرائط فنقول إنَّ هذا الحكم المشروط كما كان ثابتاً سابقاً والآن بعد أن صار جلالاً نشك فنستصحب بقاءه ، فإذا بنينا على أنَّ الاستصحاب التعليقي يجري فهذا الاستصحاب يجري وإلا فلا ، وصاحب الكفاية(قده) لم يكن ملتفتاً إلى أنَّ هذا استصحاب تعليقي ، والقرينة على ذلك أنه لم ينبّه على ذلك ، ولو كان ملتفتاً إليه لكان يقول ( إنَّ هذا الاستصحاب وإن كان تعليقياً ولكن لا محذور فيه ، فعلى أي حال هذا الاستصحاب تعليقي مثل العصير العنبي ، فهو حرام إن غلى فنستصحب تلك الحرمة المعلّقة على الغليان إلى حالة الزبيبية فنقول إنَّ هذا يحرم إن غلى في حال عنبيته ، وفي حال زبيبيته نستصحب بقاء تلك الحرمة المعلّقة ، موردنا من هذا القبيل ، فهنا نقول إنه كان في حالة العنبية يحرم إن غلى والآن في حال الزبيبية هو كذلك ، وفي موردنا الأمر كذلك فنقول كان هذا الحيوان قبل أن يصير جلّالاً يحل ويطهر بقطع الأوداج والآن بعد أن صار جلّالاً نستصحب تلك الحلّية والطهارة ، فهذا الاستصحاب نفس ذاك الاستصحاب ولا فرق بينهما ، فهو استصحاب تعليقي ، وقد أطال الشيخ الآخوند(قده) في ذلك ، فهو قال هو يحل ويطهر إن قطعت أوداجه مع سائر الشرائط ، ونحن نقول إنَّ هذا طويل بلا طائل ، بل قل إنَّ هذا الحيوان قبل أن يصير جلّالاً يحل ويطهر بالتذكية والآن بعد أن صار جلالاً هل يحل ويطهر بالتذكية أو لا ؟ ، فعلى أي حال ما ذكره هو استصحاب تعليقي مبني على حجية الاستصحاب التعليقي ، فإذا قلنا بعدم جريانه ولم نقبل بما قاله السيد الخوئي(قده) من استصحاب عدم تحقق المانع فالنتيجة هي أنَّنا نرجع إلى أصالة الحل وأصالة الطهارة ، وحينئذٍ يشمله عموم ( كل شيء لك طاهر ) و ( كل شيء لك حلال ) بلا مانع ، وسواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية ، أما الحكمية بأن لا نعلم أنَّ الجلل يمنع أو لا يمنع من تحقق التذكية فنتمسك بأصالة الحل والطهارة ، أو موضوعية بأن نعلم بأنَّ الجلل مانع ولكن لا ندري أنَّ هذا الحيوان صار جلالاً أو لا ، فعلى كلا التقديرين نجري أصالة الحل والطهارة ، وإن كان في حالة تحقق الجلل - أي في الشبهة الموضوعية - المناسب عندنا استصحاب عدم تحقق الجلل فهو يكفينا المؤونة قبل أن تصل النوبة إلى أصالة الحل وأصالة الطهارة.
هذا كله فيما إذا لم يكن لدينا عموم - أو اطلاق - ننفي من خلاله مانعية الجلل ، مثل ما ورد في رواية عمر بن أذينة عن غير واحدٍ عنهما عليهما السلام:- ( إنَّ ذبيحة المرأة ّغا اجادت الذبح وسمّت فلا بأس بأكله وكذلك الصبي )[2] فإنه قد يتمسك بإطلاقها حيث قال الامام عليه السلام ( إذا أجادت الذبح وسمّت ) ولم يقل ( ولم يكن الحيوان جلّالاً ) ، فإطلاقه ينفي المانعية ، فإن كان هناك عموم في هذه الرواية فتنمسّك به.
والخلاصة كل ما ذكرناه:- إنه إذا شككنا في مانعية الجلل فإن كان هناك اطلاق في بعض الأدلة ولم يذكر اعتبار عدم الجلل فنتمسّك بالاطلاق لنفي مانعية الجلل ، وإذا لم يكن لدينا اطلاق فحينئذٍ إن بنينا على بساطة عنوان التذكية يجري استصحاب عدم تحقق التذكية وبالتالي نحكم بالحرمة ، وأما إذا بنينا على التركّب فحينئذٍ نقول كيف ننفي مانعية الجلل ؟ قلنا تمسّك السيد الخوئي(قده) بأصالة عدم تحقق المانع ، وأشكلنا عليه بما تقدّم ، وتمسّك صاحب الكفاية(قده) بالاستصحاب التعليقي بالبيان المتقدّم ، فإذا رفضنا الاستصحاب التعليقي ورفضنا ما بيّنه السيد الخوئي(قده) ولم يكن لدينا اطلاق نتمسّك به لنفي مانعية الجلل تصل النوبة إلى أصالة الحلّ والطهارة.