40/11/03
الموضوع:- التنبيه الأول ( اشتراط عدم الأصل الحاكم ) - تنبيهات أصالة البراءة - مبحث الأصول العملية.
والذي نريد أن نقوله:- إنَّ استصحاب عدم تحقق التذكية إنما نرجع إليه بناءً على بساطة التذكية ، هذا كله إذا لم يكن لدينا عموم يثبت قابلية كل حيوان للتذكية وأن كلّ حيوان قابل للتذكية ، أما إذا كان يوجد عندنا هذا عموم فهو دليل اجتهادي فلا تصل النبة إلى الأصل بل نتمسّك بالعموم ، لأنَّ العموم يثبت لنا قابلية كل حيوان للتذكية ، وهل يوجد هكذا عموم أو لا ؟ إنَّ هذا بحث فقهي وليس أصولياً .
وباختصارٍ عاجل نقول:- إنَّ المسألة محل اختلاف ، فقيل بأن الذي قيل التذكية هو فقط وفقط ما كان محلّل الأكل أما محرم الأكل فلا تقع عليه التذكية كالأسد والنمر وما شاكل ذلك ، وقيل بل حتى غير محلّل الأكل يقبل التذكية أيضاً إلا المسوخ كالقرد والفيل على ما يقال وغير ذلك ، وقيل بأنه حتى المسوخ تقبل التذكية أيضاً إلا الحِشار[1] - الحشرات -.
والمناسب قابلية كل حيوان للتذكية إلا ما خرج بالدليل ، والمستند في ذلك صحيحة علي بن يقطين حيث يستفاد منها قابلية كل حيوان للتذكية ، ونصّها:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن لباس الفراء والسمّور[2] والفنك والثعالب وجميع الجلود ، قال:- لا بأس )[3] ، وتقريب دلالتها هو أنه قال إني سألته عن جميع الجلود فقال كلّه جائز ، فدلت الرواية على أنَّ كل الجلود لا مشكلة فيها ، لا أنَّ هذا الحيوان يقبل التذكية دون ذاك وإنما الكل قابل للتذكية بمقتضى هذه الرواية ، وإلا لو كان البعض قابل للتذكية دون بالعض الآخر للزم أن يقيّد الامام عليه السلام بجلود ما كان قابلاً للتذكية ، فعدم التقييد يدل على العموم فنتمسّك به إلا إذا ثبت من الخارج أنَّ هذا الحيوان غير قابل للتذكية ، فإذاً المناسب هو أنَّ كل حيوان يقبل التذكية ، وممن يظهر من البناء على ذلك صاحب الجواهر(قده)[4] .
وعلى هذا الأساس إذا جاءنا حيوان جديد من أفريقيا ولا نعرف أن قابل للتذكية أو لا فالمناسب بمقتضى العموم أنه قابل للتذكية ولا بأس بجلده ، هذا إذا كانت الشبهة الحكمية.وأما إذا كانت الشبهة موضوعية ، يعني لو ثبت من الخارج أن هذا الحيوان لا يقبل التذكية ولكن كان الجو مظلماً وأنا لا أعلم أن هذا الجلد الذي لبسته هو من الذي لا يقبل التذكية أو من الذي يقبل التذكية ، فهل هو جلد خروف أو جلد قرد مثلاً - إذا قلنا بأنه لا يقبل التذكية - فهذه شبهة موضوعية ، فلا يجوز التمسّك بالرواية ، لأنه تمسّك بالعام في الشبهة المصداقية ، وفي مثل هذه الحالة لابد وأن ننفي بالاستصحاب - ولو استصحاب العدم الأزلي - كون هذا جلداً للقرد ، ومن الواضح أنَّ استصحاب العدم المتعارف - وهو ما بعد الوجود - ليس بموجود لأنه لا توجد حالة سابقة فلابد أن تذهب إلى ما قبل وجود هذا الحيوان صاحب الجلد فنقول إنه قبلاً لم يكن القرد موجوداً ولا جلده وبعد ذلك نشك فنستصحب العدم ، فإذا استصحبنا العدم فحينئذٍ يثبت الجواز تمسكاً بالعموم.ولا يشكل مشكل ويقول:- إنَّ نفس الكلام يأتي في الشاة ، فيجري استصحاب العدم الأزلي لكونه جلد شاة ويتعارض كلا الاستصحابين.
والجواب:- إنَّ عنوان جلد الشاة ليس هو مركز الأثر ، وإنما مركز الأثر هو كل جلد بمقتضى الرواية هو جائز ونفترض أنه خرج منه جلد القرد ، فالاستصحاب يجري لنفي جلد القرد فقط ، أما جلد الشاة فليس محطاً للأثر ، إذ العموم قال كل جلد وليس فيه جلد شاة أو غير ذلك ، فلا تتحقق معارضة بين الاستصحابين.
والخلاصة:- إننا نتمسّك بهذا العموم في كل شبهة حكمية ، ، وأما إذا كانت الشبهة موضوعية - بأن فرضنا خرج من هذا العموم جلد القرد - فحينئذٍ إذا شككنا في أنَّ هذا جلد قرد أو جلد شاة بنحو الشبهة الموضوعية ففي مثل هذه الحالة لا يجوز التمسك بالعموم ، لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، فلابد أن ننفي كونه جلد قرد باستصحاب العدم الأزلي وآنذاك يصح التمسّك بالعموم بلا مانع.
الصورة الثالثة:- ما إذا شك في حليّة الحيوان بعد تذكيته بسبب طروّ الجلل عليه مثلاً ونحن نحتمل أنَّ الجلل من موانع التذكية ، ففي مثل هذه الحالة نشك في تحقق التذكية لو ذبحناه بسائر الشرائط بسبب مانعية الجلل.
والجواب:- إنه في مثل هذه الحالة نتمسك باستصحاب عدم تحقق التذكية بناءً على أنها عنوان بسيط ، فإذا كانت التذكية عنوناً بسيطاً وليس مركّباً فنعلم أنَّ التذكية لم تكن موجودة حال الحياة وبعدما ذبحناه بسائر الشرائط نشك هل حصلت التذكية أو لم تحصل ، فبناء على بساطة عنوان التذكية نستصحب عدم تحقق عنوان التذكية ، فيثبت أنَّ هذا الحيوان لم تحصل تذكيته من دون فرقٍ بين أن تكون الشبهة حكمية أو موضوعية فنتمسّك باستصحاب عدم تحقق التذكية ، ومثال الشبهة الحكمية أن نعلم بأنَّ هذا الحيوان صار جلالاً جزماً ونحتمل أنَّ الجلل مانع فهذه شبهة حكمية ، فنستصحب عدم تحقق التذكية بناءً على أنها عنوان بسيط ، إذ هذا العنوان البسيط لم يكن موجوداً سابقاً والآن هو ليس بموجود أيضاً ، وأخرى بنحو الشبهة الموضوعية بأن نفترض أنه يوجد عندنا حيوانان أحدهما جلّال والآخر غير جلّال وذبحت أحدهما ولكن بسبب الظلام لم أعرف أنه الجلال أو غير الجلّال وأنا أعلم أن الجلّال لا تقع عليه التذكية وأنَّ الجلل مانع ، فهذه شبهة موضوعية ، وحينئذٍ سوف أشك هل تحققت التذكية أو لا فأستصحب عدم تحقق التذكية.
وأما إذا بناءً على أنها عنوان مركّب فهل يجري استصحاب عدم تحقق التذكية أو لا ؟ كلا لا يجري ، لأنَّ التذكية ليست عنواناً بسيطاً حتى تقول إنها لم تكن سابقاً موجودة والآن هي كذلك ، وإنما التذكية هي عبارة عن الأجزاء فلابد من ملاحظة كل جزء جزء ، فأقول مثلاً إنَّ قطع الأوداج حصل جزماً وهكذا التسمية ... إلى أن أصل إلى أنه من الشرائط أن لا يكون جلالاً لأني احتمل أنَّ الجلل مانع ، فكيف ننفي أو نثبت المانعية ؟ إنه في مثل هذه الحالة بناءً على أنَّ عنوان التذكية مركّب لا يكن اجراء الاستصحاب ، لأنه إذا كان مركباً فسوف لا تلاحظ عنوان التذكية فتقول هو لم يكن سابقاً والآن لم يكن أيضاً بالاستصحاب ، وإنما هو عبارة عن نفس الأجزاء ، فحينما تصل إلى الجلل فنشك أنَّ الجلل مانع أو ليس بمانع ، ففي مثل هذه الحالة ماذا نصنع ، فإذا أردنا أن نجري الأصل فلابد أن نجريه في أصل الجلل بأن ننفي مانعيته.وهل يوجد أصل يثبت عدم مانعية الجلل ؟ذكر السيد الخوئي(قده)[5] :- أننا نجري أصالة عدم تحقق المانع.