40/10/20
الموضوع:- أدلة الاخباريين على وجوب الاحتياط- مبحث الأصول العملية.
الجواب الثامن:- ما ذكره الشيخ عبد الكريم الحائري(قده)[1] ، وحاصله: إنَّ العلم - أعني القطع - إنما كان معتبراً عقلاً هل بما هو صفة نفسانية أو بما هو طريق إلى الواقع ؟ لا إشكال في أنَّ وجوب السير على طبقه هو من ناحية أنه طريق إلى الواقع ، فنحن نأخذ به فإذا علمنا بشيء فنحن نمتثل بسرعة لأنه طريق جلي إلى الواقع فحيثية الطريقية إلى الواقع هي التي تدعونا إلى التمسك به والأخذ به في مقام الامتثال وليست هي الصفة النفسانية ، وهذا من البديهيات ، فإذاً قبلنا هذا نقول إنَّ الأمارة تقوم مقام العلم لأنها أيضاً طريق إلى الواقع فتقوم مقامه ، عم هي ليست صفة نفسانية ولكن قلنا إن العقل إنما يحكم بلزوم الأخذ بالقطع من باب أنه طريق لا من باب أنه صفة نفسانية ، فإذا كان من باب أنه طريق الأمارة أيضاً طريق فيلزم الأخذ بها كما يلزم الأخذ بالعلم ، والنتيجة هي أنه إذا فرض أنه يوجد عندنا علم اجمالي بوجود محرّمات في الشريعة وقامت أمارات على المائة محرّم الذي هو المعلوم بالاجمال فهذه يلزم الأخذ بها كما يلزم الأخذ بالعلم ، وكما ينحل العلم الاجمالي إذا قام العلم على مائة محرّم فنأخذ بالعلم أما في الأطراف الأخرى نرجع إلى أصل البراءة يلزم أن نقول مثل هذا في المارات لأنها طريق كالعلم ونرجع في بقية الأطراف إلى الأصل العملي ، فعلى هذا الأساس انحلت المشكلة لأنه ينما حصلنا على مائة أمارة فكأنما حصل علم لأنها طريق إلى الواقع أيضاً أما في باقي الأطراف كما لو حصل علم نرجع إلى الأصل فهنا أيضاً في باقي الأطراف نرجع إلى الأصل ولا مشكلة حينئذٍ.
وقد يخطر إلى الذهن:- صحيح أنَّ الأمارة طريق إلى الواقع ولكن طريقيتها إلى الواقع أضعف من طريقية العلم ؟
وجوابه:- نحن الآن لسنا في صدد اثبات حجية الأمارة فلو كنا في صدد اثبات حجية الأمارة بهذا البيان فالإشكال يكون تاماً ، يعيني إذا أردنا أن نقول الأمارة حجة كالعلم ، فكما أنَّ العلم طريق إلى الواقع كذلك الأمارة طريق إلى الواقع ، فإذا كنا في صدد اثبات الحجية فالإشكال وارد حيث نقول إنَّ العلم طريق على مستوى مائة بالمائة ولا يلزم من حجيته حجية ما كان طريقا بدرجة سبعين بالمائة ، ولكن نحن الآن لسنا في صدد اثبات الحجية بل مسلّم عندنا حجية الأمارة فنقول بعدما سلمنا بحجية الأمارة لماذا هي حجة ؟ إنها طريق إلى الواقع وإن لم تكن لها صفة نفسانية ولكنها حجة من باب الطريقية ، فكما أن العلم يلزم الأخذ به عقلاً من باب الطريقية كذلك الأمارة ، فإنَّ العقل حينما يقول خذ بالعلم فهو يقول خذ به من باب أنه طريق لا أنه من باب كونه صفة نفسانية كذلك الأمارة يقول هي بعدما اعتبرت حجة فذلك من باب أنها طريق ، فإذا كانت طريقاً كالعلم فنرجع إلى بقية الأطراف للأصول العملية وبهذا انحلت المشكلة.
والجواب:- صحيح أنَّ الأمارة وجب العمل بها من باب أنها طريق إلى الواقع كما هو الحال في العلم ، ولكن الذي نقوله هو إنه بالتالي عندنا أمارة وعندنا علم اجمالي موجود وكلاهما طريقان وأنت قد أخذت بالأمارة وطرحت العلم الاجمالي جانباً ، ونحن نقول لماذا طرحت العلم الاجمالي ومادام العلم موجوداً بوجود أحكام واقعية فيلزم الاحتياط في جميع الأطراف ، نعم إذا لاحظنا الأمارة نقول حينئذٍ لا يوجد علم اجمالي حتى يجب الاحتياط في جميع الأطراف فقد حصلنا على مائة محرم فنجري أصل البراءة في الباقي ولكن العلم بعدُ موجود فأنت لابد وأن تفني العلم وتسقطه عن الاعتبار بشكل من الأشكال وتحصر الأمر والأخذ بالأمارة بأن ندّعي مثلاً انحلال العلم حقيقةً أو تعبداً أو حكماً وإلا فمن دون الانحلال يبقى العلم على حاله فيجب الاحتياط وتبقى المشكلة على حالها فلابد وأن نرفع الحجية عن العلم ، يعني اثبات الحجية للأمارة هذا المقدار فقط لا ينفع بعدما كان العلم باقٍ على حاله فإنَّ العلم يقول يلزم أن تحتط في جميع الأطراف فلابد أن نسقطه عن الاعتبار ونقول بفكرة الانحلال الحقيقي أو الحكمي أو التعبّدي أو غير ذلك ، فإذاً لابد أن تأتي بشيء تسقط به العلم عن الاعتبار وهو لم يسقط العلم عن الاعتبار ، فإذاً المشكلة بَعدُ باقية ولم تنحل.
ولو قيل:- إنَّ مقصوده هو هذا.
فنقول:- إذا كان هذا هو مقصوده فلا يحتاج إلى هذا التطويل ، بل عليه أن يقول من البداية إنه بقيام الأمارة يحصل انحلال تعبدي فيجري الأصل لا أنه يقول إنّ العلم قد حكم العقل بلزوم الأخذ به لا لأنه صفة نفسانية بل لأنه طريق والأمارة كذلك هي طريق فتقول م مقام العلم فإنَّ هذا كله لا نحتاج إليه.
والخلاصة:- إذا كان مقصوده دعوى الانحلال التعبّدي فهذه المقدمات الأول لا نحتاج إليها ، وإذا لم يكن مقصوده هذا الانحلال العبّدي فلا ينفعه مثل هذا الكلام وحده.
الجواب التاسع:- ما ذكره السيد الخميني(قده)[2] ، وما ذكره ربما هو روح ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل[3] فإنه حينما أراد أن يستدل للإخباريين بالعقل استدل بالعلم الاجمالي وحاول أن يحلّه بهذا الطريق ، وحاصل الجواب: إنَّ الشرع المقدس شرّع لنا أحكاماً واقعية يعني شرّع محرّمات واقعية أما ما هي المحرّمات فتلك ليست معلومة لنا بالتفصيل هذا شيء ، يوجد شيئاً ثانياً وهو أنه نصب لنا طرقاً وأمارات إلى تلك الأحكام والمحرّمات ، والنتيجة هي أنَّ المطلوب منّا هو امتثال الأحكام من خلال الأمارات فالمطلوب مقيدٌ أعني الأحكام التي أدت إليها الأمارات ، وبالتالي إذا لم تقم الأمارات فتلك الأحكام لا يلزم امتثالها وإذا قامت الأمارات لزم الامتثال وحيث قامت الأمارات في المائة لزم الامتثال وما سواها نرجع فيه إلى البراءة ولا مشكلة ، يعني بالصراحة أنَّ ذاك العلم الاجمالي حيث إنه علم اجمالي بالأحكام من دون أمارة فلا يجب امتثاله وليس بمنجّز ، فإنَّ المطلوب منا هو امتثال الأحكام من خلال الأمارات والطرق لا أكثر.
وهذا الكلام من الغرائب فنحن نسلّم أنَّ الشارع نصب طرقاً ولكن ليس لازم الطرق حصر الامتثال بما أدت إليه هذه الطرق والأمارات بل معناها جعلها حجة إلى جانب العلم لا أنَّ المدار إلى ما أدت إليه الأمارة وإلا يلزم أن يكون العلم بالحكم ليس نافعاً ، لأنَّ العلم بالحكم لا ينفع بل المهم أن يكون هناك طريق ، وهذا من الغرائب ، فإنه لا يوجد أحد يقول إنَّ العلم بالحكم ليس بحجة ولا ينفع ، كما أنه يلزم لو قامت الأمارات بقدر مائة ففي الباقي لا نحتاج البراءة أصلاً لأنه لا توجد فيه أمارات وحينئذٍ هو ليس مطلوباً منّا ، وهذا لا يمكن الالتزام به.ومن تمام ما ذكرناه اتضح وجود تسعة أجوبة لحل العلم الاجمالي ، وأوجه ما ذكرناه هو الانحلال الحكمي ، بمعنى أنه حينما قامت الأمارات بقدر المعلوم بالاجمال فالأصل لا يجري في مورد الأمارات فيعود الأصل في بقية الأطراف بلا معارض ، فإذاً لا مشكلة من هذه الناحية.