الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

40/10/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- أدلة الاخباريين على وجوب الاحتياط- مبحث الأصول العملية.

ولعل قائلاً يقول:- إنَّ هذه المائة لو كانت في غير مورد الأمارات - يعني في بقية الشبهات التي ليس فيها أمارة - نحن قلنا تتنجز بالعلم الاجمالي ورب قائلاً يقول إنَّ العلم الاجمالي على رأي العراقي مادامت بعض أطرافه قد تنجزت بالأمارات فلا يكون هذا العلم الاجمالي حينئذٍ منجّزاً ، فهذا العلم الاجمالي مادام بعض أطرافه قد تنجز بمنجّز آخر فلا يكون هذا العلم الاجمالي منجّزاً ونافعاً ، إنه قد يشكل بهذا الاشكال.

وقد يجاب:- بأنّا نقدّم علماً اجمالياً جديداً غير الأول ونقول إنَّ المحرمات هي إما في دائرة الأمارات المائة فقد تنجّزت بالأمارات أو تكون موجودة في بقية الأطراف فقد تنجّزت بهذا العلم الاجمالي الجديد.

ولكن من حق الشيخ العراقي(قده) أن يقول:- بالتالي هذا العلم الجديد إن كان جديداً فقد تنجّزت بعض أطرافه بالأمارة ، فعاد الاشكال من جديد.

إذاً على مبنى الشيخ العراقي(قده) حتى لو حاولنا أن نصوّر علماً اجمالياً جديداً يمكن للشيخ العراقي(قده) أن يقول إن هذا العلم الاجمالي الجديد حيث تنجّزت بعض أطرافه بمجٍّز آخر وهو الأمارات - يعني على تقدير جود المحرمات في دائرة الأمارات - فقد حصل التنجّز بالأمارة ، فحينئذٍ هذا العلم الاجمالي لا يكون منجّزاً.إذاً اتضح من خلال ما ذكرناه أنَّ الحواب الثاني الذي ذكرناه نتراجع عنه ونقتصر على الجواب الأول ، فنذكر الجواب الأول فقط دون الجواب الثاني فإنه لا يصلح رداً على مبنى الشيخ العراقي(قده) ، نعم هو يصلح رداً على من يقول بأنَّ المنجّز لا يتنجّز ، ولكن المفروض أننا نريد أن نردّ الشيخ العراقي(قده) على مبناه ، فنتراجع عن هذا الجواب ويوجد عندنا الجواب الأول فقط وهو أننا لا نسلّم بقاعدة المنجّز لا يتنجّز.

الجواب السادس:- وقد ذكره غير واحد وحاصله أن يقال : إنه إذا عثرنا على مجموعة من الأمارات تدل على تحريم بمقدار المعلوم بالاجمال - كأن تدل على حرمة مائة مشتبه - حينئذٍ نقول إنَّ هذا العلم الاجمالي يسقط عن الحجية ، وذلك لأنَّ الأصل لا يجري في مورد الأمارات لوجود الأمارة التي هي دليل اجتهادي حاكم على الأصل ، فيجري الأصل في بقية المشتبهات بلا معارضة ، فينحل العلم الاجمالي ، ويعبّر عن هذا الانحلال بالانحلال الحكمي وليس الحقيقي ، لأنه حقيقيةً العلم الاجمالي بَعدُ موجود ولكن حكمه – وهو التنجيّز – يزول لأجل أنَّ الأصول ليست متعارضة في أطرافه وتنجيز العلم الاجمالي فرع تعارض الأصول في الأطراف ، فإذا لم تتعارض الأصول في الأطراف انحل انحلالاً حكمياً ، وهنا صحيح أنَّ المشتبهات قد فرضنا فيما سبق أنها ألف والمعلوم بالاجمال مائة وعندنا مائة أمارة تدل على مائة تحريم ولا نعلم بأنَّ هذه الأمارات مصيبة ولكنها حجّة فحينئذٍ الأصل – أي أصل الاباحة أو البراءة أو الحلّية - يجري في التسعمائة الباقية من دون معارضة بجريان الأصل في المائة ، لأنه في المائة توجد أمارة تحكم على الأصل فالأصل لا يجري فيها ، فتجري الأصول في الأطراف التسعمائة بلا معارضة ، فتزول المنجّزية عن العلم الاجمالي ، وهذا ما يعبر عنه بالمصطلح الأصولي بالانحلال الحكمي ، يعني يزول حكم العلم الاجمالي - وهو التنجيز - فالعلم الاجمالي موجودٌ ولكن يزول التنجيز.

ونبيّن شيئاً:- وهو أنه يوجد كلام بين الشيخ العراقي(قده) وبين الشيخ النائيني(قده) ، وهو أنَّ العلم الاجمالي حينما ينجّز فهل هو ينجّز بذاته بقطع النظر عن معارضة الأصول في الأطراف ، أو بشرط معارضة الأصول في الأطراف والتساقط ؟ بنى الشيخ النائيني(قده) على الثاني ، وأما الشيخ العراقي(قده) فقد بنى على الأول حيث قال إنَّ العلم الاجمالي منجّز بنفسه.

ويوجد كلام آخر نقوله من باب الفائدة:- وهو أنَّ العلم الاجمالي حينما صار منجّزاً نفسه لا بسبب تعارض الأصول نسأل الشيخ العراقي سؤالاً ثانياً ونقول:- إنَّ العلم الاجمالي حينما ينجّز بذاته المعلوم بالاجمال فهل ينجّزه بنحو العلّية أو بنحو الاقتضاء ؟ ، ومعنى بنحو العلية يعني لا يجوز الترخيص حتى في طرفٍ واحد ، بخلافه بنحو اقتضاء فإنه يمكن للمولى أن يرخّص في أحد الطرفين فإنه لا بأس بذلك ، فإذا قلنا يجوز الترخيص في طرف واحد فهذا معناه أنه ينجّز بنحو الاقتضاء ، وإذا قلنا إنه لا ينجّز حتى الطرف الواحد فهذا معناه أنَّه ينجّز بنحو العلية ، والشيخ العراقي(قده) يبني أولاً على أنَّ العلم الاجمالي منجّز بذاته لا بسبب تعارض الأصول خلافاً للشيخ النائيني ، كما يبني ثانياً على أنه منجّز بنحو العلّية يعني الترخيص لا يجوز الترخيص حتى في الطرف الواحد.

وهذا المطلب الثاني الذي بيناه - وهو أنَّ التنجيز بنحو العلية أو بنحو الاقتضاء - ليس مهماً لنا الآن ، وإنما المهم أنا عرفنا أنَّ الشيخ العراقي(قده) يبني على أنَّ العلم الاجمالي يقتضي التنجيز بذاته لا بسبب تعارض الأصول ، بينما الشيخ النائيني(قده) يبني على أنه يقتضي التنجيز تبعاً لتعارض الأصول وتساقطها.وهذا الجواب السادس مبني على مبنى الشيخ النائيني(قده) لأنَّ تنجيز العلم الاجمالي عنده فرع المعارضة ، وحيث لا معارضة فلا تنجيز ، أما بناءً على رأي الشيخ العراقي(قده) فحتى لو لم تكن هناك معارضة وتساقط فالعلم الاجمالي منجّز بذاته ، فعلى هذا الأساس هذا الجواب مبني على رأي الشيخ النائيني(قده) في كيفية تنجيز العلم الاجمالي وأنه منجّز بسبب تعارض الأصول ، في مقابل الشيخ العراقي(قده) الذي يقول هو منجّز بذاته لا فرع تعارض الأصول.فإذاً الجواب السادس مبني على أنَّ منجزية العلم الاجمالي هي بسبب تعارض الأصول.

ونذكر مطلباً:- وهو أنه في الجواب الخامس أجرى الشيخ العراقي(قده) الأصل في المقدار الذي ليس فيه أمارات فقال إنه في المقدار الذي توجد فيه أمارات فقد تنجّز العلم الاجمالي بسبب الأمارة ، أما في المقدار الباقي فقد أجرى البراءة وقال نحن لا نعلم بوجود المحرّم.

وقد يشكل عليه ويقال:- كيف أجرى الشيخ العراقي(قده) الأصل في بقية الأطراف التي ليس فيها أمارات والحال أنه يبني على أنَّ العلم الاجمالي منجّز بذاته وبنحو العلّية بحيث لا يجري الأصل حتى في بعض الأطراف ، فكيف هنا أجرى الأصل في بقية الأطراف ، أوليس هذا تهافتاً مع ذكره هناك ؟!!

والجواب:- إنَّ الشيخ العراقي(قده) أسقط العلم الاجمالي من الأساس عن الحجية لقاعدة ( المنجّز لا يتنجّز ثانية ) ، يعني قال إنَّ هذا العلم الاجمالي كلا علم اجمالي ، فأصلاً لا تنجيز له ، لأنَّ بعض أطرافه قد تنجّز بالأمارات فهو لا يكون منجزاً ، وحينما لا يكون منجّزاً ووجوده كعدمه فلا مانع من جريان الأصل في بقية الأطراف.

فإذاً هو أجرى الأصل في بقية الأطراف بسبب أنه أسقط العلم الاجمالي عن الاعتبار لقاعدة أنَّ المنجّز لا يتنجّز ثانية.