40/10/13
الموضوع:- أدلة الاخباريين على وجوب الاحتياط- مبحث الأصول العملية.
الجواب الخامس:- ما أفاده الشيخ العراقي(قده)[1] وحاصله:- إنَّ هذا العلم الاجمالي بوجود مائة محرّم مثلاً في مجموع الشبهات الألف صحيح هو موجود ولكن هذا العلم الاجمالي ساقط عن المنجزية ، فهو ليس بحجة ، وذلك لأجل أن بعض أطرافه قد قامت الأمارة على ثبوت الحرمة فيه ، يعني نحن إذا فتشنا كتاب وسائل الشيعة نستطيع أن نحصل على مائة رواية تدل على مائة تحريم فتنجزت هذه الأطراف المائة بالأمارة ، فإذا عرفنا هذا فسوف نطبق قاعدة ( المنجَّز لا يتنجز ثانية )[2] ، فإذاً هذا العلم الاجمالي لا ينجّز هذه الأطراف المائة لأنها قد تنجزت بمنجّز سابق - أعني بذلك الأمارات المائة - ، أما التسعمائة الأخرى لا علم اجمالي لنا بها لوحدها ، فلا تنجيز ، فالمائة تنجّزت بمنجّز سابق ولا تتنجّز بالعلم الاجمالي ثانيةً ، والتسعمائة لا نعلم بوجود محرّم فيها لا المائة ولا بعض المائة ، نعم نحن نحتمل ذلك ولكن لا نعلم به ، فبلحاظ التسعمائة لا يوجد علم اجمالي حتى يكون منجّزاً ، فإذاً هذا العلم الاجمالي يكون ساقطاً عن المنجّزية ، فهو ساقط بلحاظ المائة لأنها قد تنجّزت بمنجّز سابق ، وهو ساقط بلحاظ التسعمائة لأنه لا علم اجمالي بوجود المحرّم فيها وإنما مجرّد احتمال والاحتمال لا ينفعنا لأنَّ كلامنا في العلم الاجمالي والعلم الاجمالي ليس موجوداً فيها.
وقد يقول قائل:- إنَّ المائة لا تتنجّز بالعلم الاجمالي لأنها قد تنجّزت بمنجّزٍ سابق أما التسعمائة فالشيخ العراقي(قده) قال لا علم اجمالي بها ولكنه لماذا لم يقل بجريان الأصل فيها بلا معارض فهل هذا الكلام صحيح أو لا ؟
نقول:- إنَّ الشيخ العراقي(قده) يرفض هذا لأنه يبني على مسلك عليّة العلم الاجمالي للتنجيز فلا يمكن الترخيص في بعض أطرافه ، فإذا كان العلم الاجمالي موجوداً في التسعمائة فلا يمكن أن يجري الأصل ، لأنَّ العلم الاجمالي يمنع من جريان الأصل على مبناه ، فلذلك حاول أن يزيل العلم الاجمالي وبعد أن أزاله أمكن الرجوع إلى الأصل ، فإذا أردت أن ترجع إلى الأصل فلابد أن يكون الرجوع إليه بعد ازالة العلم الاجمالي ، أما إذا أردت أن ترجع إليه قبل ازالة العلم الاجمالي فمع وجود العلم الاجمالي يستحيل الترخيص في بعض أطرافه بالأصل ، فلذلك حاول أن يقول إنَّ الباقي من الأطراف لا يوجد فيها علم اجمالي.
ونحن نناقش الشيخ العراقي(قده) بمناقشتين:-المناقشة الأولى:- إنه قال إنَّ المنجّز لا يتنجّز ، ولكن نقول: إنَّ هذا قياس للأمور الاعتبارية على الأمور التكوينية وهو ليس بصحيح ، فالأبيض لا يصير أبيضاً ثانيةً هذا في الأمور التكوينية ، أما في الأمور الاعتبارية فلا محذور في أن يصير الشيء واجباً من ناحيتين ، فمثلاً أنا نذرت أن أصلي صلاة الصبح فسوف تصير صلاة الصبح واجبة عليَّ بالأصالة وواجبة بالنذر بحيث إذا لم أصلِّ في يومٍ من الأيام فلابد أن أدفع الكفارة ، وأيضاً إذا خالفت ذلك الوجوب عن عصيانٍ فهنا تصير مخالفة ، فإذاً هو يصير واجباً من ناحيتين وهذا ممكن ، فالتنجّز والوجوب نفس الشيء ، فيمكن أن يكون الشيء واجباً من ناحيتين فإنَّ الأمور الاعتبارية لا تقاس بالأمور الحقيقية ، فلا بأس أن يصير الشيء واجباً من نواحٍ متعددة ، وهو معنى التنجّز من نواحٍ متعددة ، فإنَّ التنجّز والوجوب تقريباً من وادٍ واحد ، فإذا قبلت أنَّ الشيء الواحد يصير واجباً من ناحيتين فاقبل بأن يصير منجّزاً من ناحيتين ولا مانع من ذلك.
ولو أشكلت عليَّ بالنقض وقلت:- إنه إذا كان يمكن اجتماع الوجوب من ناحيتين فيلزم أمكان اجتماع الوجوب مع عدم الوجوب.
قلنا:- إنك بالوجدان هل تقبل صيرورة الشيء واجباً من ناحيتين لأنه اعتبار ؟ إنك تقبل بذلك ، فنقول إذا قبلت بهذا فاقبل التنجز من ناحيتين ، أما مشكلة أنه دعنا نعتبره واجباً وغير واجب فلنفترض أنا لا نعرف حلّها ولكن هذا لا يجعلنا نرفع يدنا عن الوجدان.
مضافاً إلى أنه يمكن حل هذه المشكلة حيث نقول إنَّ اعتبار عدم الوجوب بعد اعتبار الوجوب هو لغو وسفه ولا يمكن أن يصدر من الحكيم ، لأنك لو اعتبرته واجباً كيف تعتبره ليس بواجب أيضاً فإن هذا سفه ، أما أنك تعتبره واجباً من ناحية ثانية فهذا لا محذور فيه.المناقشة الثانية:- سلّمنا أنَّ المنجّز لا يتنجّز وأنَّ ذلك العلم الاجمالي الكبير - وهو أن نعلم اجمالاً بوجود محرّمات في الشريعة - قد سقط عن الاعتبار لما أفاده من أنه سقط بالنسبة إلى المائة لقاعدة ( المنجّز لا يتنجز ) وسقط بالنسبة إلى التسعمائة لأنه لا نعلم بوجود مائة محرّم فيها.
ولكن يمكن أن نكوّن علماً اجمالياً ثانياً منجّزاً وذلك بأن نقول:- إنَّ المحرّمات المائة إما أن تكون موجودة في دائرة المائة أمارة فقد تنجّزت بالأمارة ، أو أنها موجودة في التسعمائة ، فهي موجودة إما في المائة أو في الأطراف التسعمائة ، فالحرام موجود في أحد هذين الطرفين ، وهذا علم اجمالي جديد غير العلم الاجمالي السابق ، فإنَّ العلم الاجمالي السابق هو وجود مائة محرّم في مجموع الألف ، أما في هذا العلم الاجمالي فنحن لا ننظر إلى الألف طرف وإنما ننظر إلى المائة من جانب وإلى التسعمائة من جانب آخر فنقول إنَّ المحرّم إما هو موجود في المائة فقد حصل تنجّز بسبب الأمارات ، وإما أنَّ هذه المائة موجودة في الأطراف التسعمائة فقد تنجّزت بسبب علمنا الاجمالي الجديد ، فهناك علم اجمالي جديد موجود في أحد هذين الطرفين والتنجّز يثبت من خلال هذا العلم الاجمالي الجديد ، فإذا كان العلم الاجمالي الأوّل عاجزاً عن التنجيز فهذا علمٌ اجماليٌ جديد ينجّز الطرفين.