40/10/08
الموضوع: الأصول العملية/أصل البراءة /لاستصحاب في الشبهات الموضوعية
الجواب الثالث:- وقد أشار إليه صاحب الكفاية(قده) [1] ، وقد ذكره آخرون ، وحاصل ما ذكره أنه قال: إنَّ هذا العلم الاجمالي موجود ولكن يوجد لدينا علم اجمالي ثاني وهو أنه لو رجعنا إلى الأمارات المعتبرة شرعاً - من آيات وروايات واجماعات – نتمكن أن نعلم اجمالاً بحقانية ومطابقة بعضها للواقع ، يعني توجد محرّمات تدل عليها هذه الآيات والروايات المعتبرة موجودة ضمن هذه الآيات والروايات لأنَّ هذه الروايات معتبرة ولا يحتمل كذبها كلّها ، فهي معتبرة وتدل على محرّمات كحرمة الزنا وحرمة شرب الخمر وغير ذلك ، وهي آيات وروايات كثيرة وتدل على أنَّ هذه المحرّمات هي بقدر الحرمات الموجودة في العلم الاجمالي الأوّل ، فينحلَّ العلم الاجمالي الأول بالعلم الاجمالي الثاني ، وتصير النتيجة هي أنَّ المدار على العلم الاجمالي الثاني - يعني على الأمارات المعتبرة - فما دلت أمارة معتبرة على حرمته يكون حراماً وإلا فلا ، إذ العلم الاجمالي الأول قد انحلّ بالعلم الاجمالي الثاني ، ففي العلم الاجمالي الأول قلنا إنه يوجد علم اجمالي بوجود محرّمات كمائة محرم مثلاً ، وإذا رجعنا إلى الأمارات المعتبرة من آيات وروايات نحصل على مائة محرّم أيضاً أما أكثر من المائة فلا علم لنا بوجوده ، فلدينا علم كبير وعلم صغير ، والعلم الكبير هو في مجموع الشبهات والوقائع - ومقصودنا من الوقائع الأشياء المحرّمة - حتماً يوجد فيه مائة محرّم والوقائع هي ألف أو مليون ، وبعد ذلك لو رجعنا إلى الأمارات المعتبرة فسوف نعثر على مائة محرّم فيها ، فينحل ذلك العلم الكبير بهذا العلم الصغير في دائرة الأمارات ويكون المدار آنذاك على العلم الصغير ، فكل ما دلت أمارة معتبرة على حرمته حكمنا بحرمته وإلا فلا ، وبالتالي سوف لا يثبت وجوب الاحتياط الذي أراده الاخباري حيث قال نحكم بحرمة التدخين فنحن نقول له لا يمكن أن نحكم بحرمة التدخين لأنه لا توجد فيه آية ولا رواية معتبرة والعلم الكبير قد انحلّ وهذا العلم الصغير لا توجد آية أو رواية معتبرة تدل على حرمته ، فلا نحكم بحرمة التدخين.
والنتيجة:- هي أنَّ كل شيء تحتمل حرمته لا يجب تركة والاحتياط فيه ، لأنَّ العلم الكبير قد انحل والمدار يكون على العلم الصغير في دائرة الأمارات المعتبرة لا أكثر ، وهذا نلتزم به ، فكلّ ما دلت أمارة معتبرة على حرمته نحكم بحرمته ، والذي لم تدل أمارة معتبرة على حرمته نجري فيه البراءة فإنه لا يوجد علم إجمالي أكثر من العلم الاجمالي الصغير.
وفي مقام التعليق نقول:- إنَّ الأمارات الموجودة عندنا هي على نحوين أمارة معتبرة وأمارة غير معتبرة ، والمعتبرة نعلم بأنها ترشدنا إلى محرّمات كثيرة ، ولكن نسأل ونقول: إنَّ الأمارات غير المعتبرة كأخبار غير الثقات التي لم تثبت حجيتها ليست بالشيء القليل ، فإنه توجد أخبار كثيرة لم تثبت حجيتها من ورايات وشهرات ، وهذه الأمارات تدل على بعض المحرّمات أيضاً ولكن هل كلّ هذه الأخبار والشعرات كاذبة أو تتمكن أن تقول إنه من البعيد أن تكون كلّها كاذبة بل بعضها - ولو البعض القليل - مطابق للواقع ؟ الصحيح هو الثاني ، فإنه لا يحتمل أن تكون كل هذه الشهرات الفتوائية وكلّ هذه الروايات غير المعتبرة ليست مصيبة للواقع ، بل بعضها مصيبٌ للواقع حتماً غايته أنه بمقدارٍ قليل ، وبناءً على هذا سوف يثبت لزوم الأخذ بالأمارات المعتبرة وبالأمارات غير المعتبرة أيضاً ، لأن الأمارات غير المعتبرة أيضاً يوجد فيها علم اجمالي بوجود محرّمات فيما مطابقة للواقع والعلم الاجمالي لا ينحصر في دائرة الأمارات المعتبرة ، ولا يكون لك مخلص من هذا الاشكال إلا أن تقول إنه لا يوجد علم اجمالي بمطابقة بعض الأمارات غير المعتبرة للواقع بل كلّها كاذبة ، ولكن هذا شيء صعب ، بل بعضها - ولو القليل - هو صادق ، فإذا كان صادقاً صار العلم الاجمالي كما هو ثابت في الأمارات المعتبرة ثابت أيضاً في الأمارات غير المعتبرة ، وبذلك يلزم محذور أنه يلزم أن تأخذ حتى بالأمارات غير المعتبرة أيضاً ، فكلّ شيء دلت رواية غير معتبرة على حرمته يلزم أن تأخذ به وتحكم بالحرمة حينئذٍ ، وهل تلتزم بهذا ؟ إنه أمرٌ صعب.
وقد أشار الشيخ الأعظم(قده) إلى جذور هذا الاشكال في الرسائل في مبحث حجية خبر الثقة وليس في موردنا ، فهو لم يبحثه في مبحث البراءة والاحتياط في الشبهات البدوية وإنما ذكره في مبحث حجية خبر الثقة.