40/10/05
الموضوع:- الاستصحاب في الشبهات الموضوعية - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.
أدلة الاخباريين على وجوب الاحتياط[1] :-
ذكر الشيخ الأعظم(قده)[2] ما يمكن أن يستدل به على وجوب الاحتياط - سواء تمسك به الاخباري أو لم يتمسك به - وهي ثلاثة:-
الأول:- الكتاب الكريم.
الثاني:- السنَّة الشريفة.
الثالث:- العقل.
أما الدليل الأول:- فهو جملة من الآيات الكريمة من قبيل ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ ، ومن قبيل ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم ﴾ ، ومن قبيل ﴿ واتقوا الله حق تقاته ﴾ ، بتقريب أن حق التقوى يكون بالاجتناب عن الشبهات والاحتياط فيها ، وهكذا حينما قالت الآية الأخرى ﴿ ولا تقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ حينئذٍ لو كان مورد الشبهة حراماً فهو قد ألقى بنفسه في التهلكة بلا عذر فيكون ذلك محرّماً ، وهكذا آية ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم ﴾ أي لا تتبع ما ليس لك به علم نقول إنَّ الحكم بجواز ارتكاب الشبهة البدوية هو اقتفاء واتباع لغير العلم فلا يكون جائزاً بمقتضى النهي.
ويردّه:- إنه بعد ثبوت الدليل على البراءة الذي أشرنا إليه فيما سبق - لأنه فميا سبق ذكرنا عدة أدلة للبراءة - فبعد أن صحت تلك الأدلة ولو بمقدار دليل واحد فلا يمكن التمسك بهذه الآيات فلا يصدق عنوان الإلقاء في التهلكة بعد وجود المؤمن وهذا اقتفاء للعلم وليس اقتفاءً لما ليس به علم ، وهكذا ﴿ اتقوا الله حق تقاته ﴾ لا يشمل المورد لأنه لابد أن يكون المقصود منه في مورد الشبهة وعد وجود المجوّز وهو دليل البراءة لا يكون المورد من الشبهة وبالتالي لا يشمله قوله تعالى ﴿ واتقوا الله حق تقاته ﴾ ، فالتمسك بهذه الآيات الثلاث واضح الوهن كما أشرنا إليه.
وأما الدليل الثاني:- فنذكر لسانين من الروايات:-
اللسان الأول:- ( الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة )[3] فإنَّ مورد هذا العموم وإن كان مثلا هو في باب النكاح ولكن كما نعرف أنَّ المورد لا يخصص الوارد - أي القاعدة العامة الواردة فيه - فيتمسك بعموم القاعدة بلحاظ موردنا فيثبت بذلك المطلوب.
والجواب:- إنَّ الحديث قال ( خير من الاقتحام في الهلكة ) وبعد ثبوت ادلة البراءة لا يوجد احتمال الهلكة بل نكون في أمان من الهلكة بسبب الأدلة على البراءة.
هذا مضافاً إلى أنَّ الرواية قالت ( خير ) وهو يمكن التشكيك في استفادة الالزام منه فإنه بمعنى أحسن وأجدر ولا يدل على الالزام.اللسان الثاني:- ما دلّ على الأمر بالاحتياط:- من قبيل ( أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت )[4] فإنه دل على وجوب الاحتياط في مورد الشبهة.
والجواب:- إنَّ المقصود من قوله ( فاحتط لدينك ) يعني احتط في مورد الشبهة ، أما إذا لم تكن شبهة فلا معنى لـ( احتط لدينك ) وهذا واضح فإذا كان المقصود هو الاحتياط في مورد الشبهة فنقول إنه لا يصدق عنوان الشبهة بعد وجود المؤمِّن السابق أعني دليل البراءة بعد أن تمت بعض تلك الأدلة.
هذا مضافاً إلى أنَّ الحديث قال ( احتط لدينك بما شئت ) وهذا قد يتناسب مع الرجحان والاستحباب وإلا إذا كان المقصود هو الالزام فالتعبير ( بما شئت ) لا معنى له.
والشيخ الأعظم(قده) أطال الحديث في الدليل الأول والثاني فذكر أحاديث متعددة ونحن اختصرنا الكلام لأنه لا توجد نكات علمية تستحق التطويل وإنما توجد استظهارات فقط ، والمهم هو الدليل الثالث فإذا أردنا أن نطيل فهو في الدليل الثالث.الدليل الثالث:- وهو التمسك العقل.
وله بيان معروف في الكتب العلمية كالرسائل والكفاية ، وهو التمسك بالعلم الاجمالي ، أما بأيّ بيانٍ فذلك سيأتي لأنَّ الكلام فيه طويل.وهناك بيان ثانٍ لحكم العقل سمعته مرّةً من السيد الشهيد(قده) في مجلس درسه ثم تركه ولم يبين ذلك وقد رأيت الاشارة إلى هذا الدليل في بعض الكلمات كالسيد الخميني(قده)[5] ، وكذلك ذكره السيد الروحاني(قده)[6] من دون مناقشة كأنه بنظره لا يستحق الذكر ، وحاصل هذا الوجه أن يقال:- إنه لا يجوز ارتكاب الشيء المشكوك في كل شبهة كشرب السيجارة نحتمل أنها حرام فحينئذٍ يقال لا يجوز التدخين باعتبار أنَّ هذا تصرف في ملك الله عزّ وجل فإنَّ كل مخلوق هو ملك لله تعالى ، فالتبغ هو ملك لله عزّ وجل وكذلك الوقة التي يوضع فيها التبغ ملك له أيضاً وكذلك الشفتان والأصابع كلها ملك لله والشيء الذي لا تحرز رضا مالكه فيه قبيح وهو لا يجوز لأنه تصرف من دون احراز رضا المالك وهو الله.
والجواب عنه أن يقال:- إنَّ هذه الملكة هي ملكية حقيقية ليست اعتبارية وإنما كانت ملكية حقيقية لأنَّ الاصبعين والشفة ملك لله بمعنى أنه هو الموجد لها فهو مسبّب الأسباب ، وجميع الأشياء هي مملوكة لله عزّ وجلّ بالملكية الحقيقية بمعنى أنه ينتهي سبب الايجاد إليه لأنه هو الذي أعطى القدرة فينتهي الأمر إلى الله عزّ وجلّ فالملكية هنا ملكية حقيقية ، لا ملكة اعتبارية كملكيتي أنا للسيجارة فإنَّ ملكتي لها اعتبارية بأنَّ أشتريها من صاحب السجائر ولست ملكية حقيقية لني لست أنا الموجد الحقيقي لذلك وإنما الموجد الحقيقي هو الله عزّ وجل ، فإذا كان الأمر كذلك نقول إنه لا معنى لتطبيق قاعدة ( لا يجوز التصرف في مال الغير من دون احراز إذنه ) لأنَّ موردها خاص بالملكية الاعتبارية ولا يعم الملكية الحقيقية إذ إذا نظرنا إلى الملكية الحقيقية فجميع الموجودات هي مملوكة لله عزّ وجلّ بالملكية الحقيقية ولا معنى لأنَّ يقال إنَّ هذا المملوك الحقيقي لله لا يجوز أن يتصرف في المملوك الحقيقي الآخر ، فلكها مملوكة لله عزّ وجل والحكم بعدم الجواز لا معنى له فإنه خاص بالمملوك الاعتباري ، ولعل السيد الشهيد ذكره ثم تركه فيما بعد لوضوح وهنه.
هذا بالنسبة إلى أحد البيانين لدليل العقل وهو ليس بمهم وإنما المهم ابيان الثاني.البيان الثاني:- التمسّك بفكرة العلم الاجمالي ، وذلك بأن يقال إنَّ لكل مكلف علم اجمالي بوجود محرّمات[7] في الاسلام ولكن لا نشخّص تلك المحرّمات بشكلٍ جزمي ، فيجب حينئذٍ الاحتياط بالترك في كلّ مشكوك الحرمة.
إن قلت:- من أين يحصل العلم الاجمالي بوجود محرمات ؟
قلت:- إنَّ ذلك يحصل إما من ناحية أنَّ الاسلام هو ريعة والشريعة يعني أنَّ فيها محرمات ، وهل يحتمل أنَّ شريعة كل ما فيها هو مباحات فقط ؟!! إننا لا نحتمل وجود شريعة من هذا القبيل ، ولا نريد أن نقول هذا غير ممكن ولكن لا نحتمله ، مضافاً إلى ذلك نفهم من آيات وروايات وجود محرّمات ، فالكثير من الآيات الكريمة والروايات الشريفة تشير إلى محرمات ، فجزماً هناك محرَّمات في الشريعة ولكن نشك في عددها فيحصل علم اجمالي فيجب الاحتياط في جميع الشبهات.