40/08/16
الموضوع:- استصحاب البراءة - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.
هذا وربما يقال في مناقشة ما أفاده العلمان:- من أنَّ موضوع الاستصحاب هو الشك فلابد من فرض الشك أولاً حتى يجري الاستصحاب وإذا لم يكن شكٌّ فلا استصحاب.
وإذا قبلنا بهذا نقول: إنه مادمنا قد افترضنا لابدية وجود الشك في المرتبة الأولى يعني اعترفنا بجريان البراءة العقلية لأنَّ موضوع البراءة العقلية هو الشك ، فإذا كان الاستصحاب فرع الشك ويلزم فرض الشك أولاً فمعنى ذلك أنَّ البراءة العقلية قد فرضت أولاً وصار الاستصحاب في طول الشك وبالأحرى في طول البراءة العقلية ، فكيف يكون نافياً لها بعدما كان في طولها ؟!ويمكن أن يقال في نصرتهما:- إنَّ الاستصحاب صحيح هو في طول الشك ولكن في مرحلة الحدوث لا بقاءً ، ويلزم التفرقة بين ذهين المطلبين ، فالاستصحاب في البداية لا يجري إلا إذا كان الشك موجوداً ولكن إذا جرى فسوف يرفع الشك ويجعل العلمية فهو بقاءً يرفع الشك وحدوثاً فرع الشك ، فإذا فرض هكذا فحينئذٍ نقول إنه في مرحلة البقاء ارتفع الشك بسبب جريان الاستصحاب ، لأنَّ الاستصحاب هو جعل العلمية ورفع الشك فإذا ارتفع الشك يعني ارتفعت البراءة العقلية وبالتالي يبقى الاستصحاب وحده ، وهذا الكلام انتصار للعلمين في مقابل الشيخ النائيني(قده).
بيد أنه يمكن أن يقال:- إنه ذكر العلمان إنَّ موضوع البراءة العقلية هو الشك ، ونحن نسأل ونقول: هل الشك وحده هو موضوع البراءة العقلية أو أنه إذا ترقّى وتبدّل الشك في التكليف إلى الظن بعدم التكليف فهنا هل تجري قاعدة قبح القاب بلا بيان أو لا ؟ فهل موضوعها هو الشك فقط – أي بدرجة خمسين بالمئة - أو أنَّ موضوعها حتى إذا صار عندنا ظن بعدم التكليف فحينئذٍ البراءة العقلية تجري أيضاً ؟
والجواب:- إنَّ البراءة العقلية أولى بالجريان في حالة الظن بعدم التكليف ، لأنه في حالة الشك في ثبوت التكليف العقل يقول يقبح عقابك ، فإذا ظننت بدرجة سبعين بالمائة أنه لا يوجد تكليف فمن الأولى أن يحكم العقل بجريان البراءة العقلية ، وهذا من الواضحات ، ولكن قد يغفل عن ذلك ، لأننا من البداية لقنّا أنَّ موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان هو الشك وذهب ذهننا أنَّ الشك خمسين بالمائة ، كلا بل إذا صار سبعين أو ثمانين أو تسعين بالمائة بأنه لا يوجد تكليف فهنا أولى بجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان.فإذا سلّمنا بهذا نقول للعلمين إذا جرى استصحاب عدم التكليف وحصل بسبب الاستصحاب ظن – بدرجة سبعين بالمائة أو ثمانين بالمائة - بعدم التكليف فجريان البراءة العقلية يصير أولى حينئذٍ ، فإذا صار أولى عاد إشكال الشيخ النائيني(قده)حيث يقول إنَّ البراءة العقلية هي ثابتة حالة الشك بهذا المعنى الوسيع الشامل للظن بعدم التكليف والاستصحاب يثبت لي ظنٌّ بعدم التكليف وحينئذٍ البراءة العقلية لا يزول موضوعها لأنَّ موضوعها ليس هو الشك بدرجة خمسون بالمائة كما ظنَّه العلمان حتى نقول إنَّ الاستصحاب يزيل الشك - بمعنى خمسون بالمائة - فيزول موضوع البراءة العقلية ، كلا بل نقول إنَّ موضوع البراءة العقلية هو الشك بالمعنى الأوسع فهو باقٍ رغم الاستصحاب ، وإذا كان باقياً فحينئذٍ يصدق ما قاله الشيخ النائيني(قده) من أنَّ البراءة العقلية ثابتة بالوجدان ورغم ثبوتها بالوجدان نريد اثباتها بالتعبّد.والنتيجة:- إنَّ ما أفاده الشيخ النائيني(قده) تام ولا يرد عليه اعتراض العلمين ، نعم يرد عليه ما اعترضنا به من الاعتراضين.