40/08/08
الموضوع:- استصحاب البراءة - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.
وفي مقام التعليق نقول:- إنَّ الشيخ(قده) لم يبيّن لنا لماذا عدم المنع ليس أمراً مجعولاً فإنَّ هذه قضية تحتاج إلى بيان وهو سكت عنها ولم يتعرض إليها من قرب ولا من بعد ، ولكن ربما تبرز احتمالات ثلاثة في توجيه ما ذكره:-
التوجيه الأول:- أن نقول إنَّ عدم المنع أمر أزلي ، لأنَّ عدم المنع ليس له بداية وإنما ثابت من الأزل والأمر الأزلي لا يمكن تعلق الجعل به ، وربما يلوح هذا التوجيه من كلمات الشيخ الخراساني(قده) في حاشيته على الرسائل.
ويردّه:- صحيح أنَّ الأمر الأزلي لا يمكن ان يتعلق به الجعل كما أفيد ولكن لا يمكن أن يتعلق به الجعل حدوثاً ، أما بقاءً فقطه وابقاؤه هو بيد الجاعل ، فالمولى الجاعل يمكن أن يقطع عدم المنع بإثبات المنع فصار قطعه امراً ممكناً وذلك بتشريع المنع كما ويمكن ابقاءه بعدم ترع المنع أو يجعل عدم المنع في مرحلة البقاء لا في مرحلة الحدوث فيقول جعلت في حقك يا غير البالغ عدم المنع ولكن في مرحلة البقاء لا في مرحلة الاحداث لأنَّ العدم أزلي ولكن في مرحلة الاحداث يمكن إبقاء هذا العدم من قبل المولى وذلك بجعله ويمكن له رفعه ، فإذا أمكن رفعه أمكن ابقاؤه ، وإلا إذا لم نرِد أن نقبل ما ذكرناه يلزم أن لا يجري الاستصحاب في الأعدام الأزلية ، لأنَّ العدم الأزلي هو أزلي وهو ليس بمجعول لأنه أزلي فيلزم أن لا يجري فيه استصحاب العدم الازلي ، والحال أنَّ المعروف جريانه ، ولعل الشيخ الأعظم(قده) أيضاً يبني على جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية ، فما يجاب به هناك يجاب به هنا ، فيقال إنَّ العدم الأزلي في مرحلة الإحداث هو خارج عن القدرة وأما في مرحلة الابقاء فهو داخل تحت القدرة فيمكن تعلّق الجعل به ولا محذور من هذه الناحية.
التوجيه الثاني:- إنَّ عدم المنع هو عدمُ منعٍ لا أنه منع ، فإذا كان هو عدمُ منعٍ فلا حاجة إلى جعلٍ له ، فإنَّ المجعول هو المنع أما عدم المنع فهو ليس شيئاً مجعولاً.
وربما يظهر هذا من الشيخ الخراساني(قده) في بعض مواضع الكفاية في مبحث الاستصحاب.وجوابه:- إنه لا يلزم في باب الاستصحاب أن يكون المستصحب مجعولاً ، بل غما أن يكون مجعولاً أو يكون مرتبطاً ومتلقاً بأمر مجعول ، وعدم المنع مرتبط بأمر مجعول فيمكن حينئذٍ تعلق الاستصحاب به.
التوجيه الثالث:- أن يقال إنَّ عدم المنع يكفي لتحققه عدم الجعل ، فبالتالي هو ليس أمراً مجعولاً إذ تحققه يكفي فيه عدم المنع ، فيكفي في تحقق عدم المنع أن لا يُجعَل المنع بلا حاجة إلى جعل عدم المنع ، فأنت غذا لم تجعل المنع فقد تحقق عدم المنع بلا حاجة إلى جعلٍ ، فبالتالي عدم المنع ليس أمراً مجعولاً لأنه يكفي لتحققه عدم جعل المنع.
والجواب:- صحيح أنه يكفي لتحقق عدم المنع عدم جعل المنع ، ولكن نقول إنه في باب الاستصحاب لا يلزم أن يكون مجرى الاستصحاب أمراً مجعولاً حتى يقال إنّ عدم المنع ليس أمراً مجعولاً فلا يجري فيه الاستصحاب فإنه لا دليل على ذلك ، بل المهم أن يكون المستصحب شيئاً قابلاً للتنجيز والتعذير ، فإنه بذلك يخرج التعبد الاستصحابي عن اللغوية مادام المستصحب شيئاً قابلاً للتنجيز والتعذير ، أما أنه يلزم أن يكون أمراً مجعولاً فلا دليل على ذلك.
إذاً الشيخ الأعظم(قده) ادّعى دعوى كبيرة وهي أنه يلزم في باب الاستصحاب أن يكون المستصحب أمراً مجعولاً أو له أثر مجعول ، ونحن نقول: بل يلزم أن يكون المستصحب قابلاً للتنجيز والتعذير فإنه بذلك يخرج عن اللغوية ، لأنه مادام الاستصحاب نجّز أو عذّر كفانا وإن كان المتعلق ليس أمراً مجعولاً ، وبناءَّ على هذا افترض أنَّ عدم المنع ليس مجعولاً ولكن حينما نستصحب عدم المنع إلى حالة الكبر استفدنا التعذير ، يعني إذا بلغت يجوز لك التدخين مثلاً ، وإذا تركت الدعاء عند رؤية الهلال فأنت معذور ، وهذا المقدار يكفي في جريان الاستصحاب ، فإنَّ شرط جريان الاستصحاب أن يكون قابلاً للتنجيز والتعذير ، أما أن يكون مجراه مجعولاً حتى يأتي هذا الكلام - وهو أنَّ عدم المنع ليس مجعولاً لأحد تلك التقريبات الثلاثة التي ذكرناها - فهذا كله أمر لا داعي إليه.والخلاصة من كل ما ذكرنا:- أنَّ ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) - من أن استصحاب عدم المنع لا يجري باعتبار أنَّ عدم المنع ليس أمراً مجعولاً وليس له أثر مجعول - مرفوض أشد الرفض ، فإننا نشترط في الاستصحاب أن يكون قابلاً للتنجيز والتعذير ، أما أن يكون المستصحب أمراً مجعولاً فلا ، وفي المقام استصحاب عدم المنع من زمان الصغر إلى زمان الكبر يفيد العذرية كفى ذلك في جريان الاستصحاب.
فإذاً ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) من التقريب بالأوّل لعدم جريان استصحاب عدم المنع حالة الصغر قابل للمناقشة بما أشرنا إليه.التقريب الثاني لإثبات عدم جريان استصحاب عدم المنع:- وهو ما جاء في منتقى الأصول[1] وحاصله:- إنَّ استصحاب عدم المنع يعبّدنا بعدم المنع ظاهراً ولكن احتمال المنع واقعاً يبقى موجوداً ، ومع بقاء احتمال المنع واقعاً لابد من نفيه، ونفيه لا يكون إلا بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وبذلك رجعنا وتمكسّنا بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فلنتمسّك بها من البداية ولا نطيل الطريق ، بل من البداية لا يجوز التمسّك باستصحاب عدم المنع لأنه يثبت لنا عدم المنع ظاهراً وتعبّداً ولا ينفي لنا احتمال المنع واقعاً ، فيبقى احتمال المنع واقعاً ثابت فلابد من نفيه ولا نافي له إلا قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وبهذا فلنتمسّك من البداية بقاعدة قبح العقاب بلا بيان من دون حاجة إلى استصحاب عدم المنع فإنه اطالة للطرق.