40/08/07
الموضوع:- استصحاب البراءة - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.
وقال الشيخ الأعظم(قده):- إنَّ استصحاب البراءة في حالة الصغر لا يجري.
وعبارته ليست واضحة في ذلك ، وبيان ما ذكره:- أنه قبل أن يذكر الجواب ذكر مقدمة ، وهي مقدمة صحيحة وواضحة ، وحاصلها: إنه حينما نجري الاستصحاب ونثبت البراءة لابد وأن نحصل على اليقين بانتفاء العقاب ، يعني يزول احتمال العقاب ، فيلزم أن نحصل اليقين بانتفاء العقاب إذ لو لم نحصل على ذلك وكان احتمال العقاب بَعدُ ثابتاً لاحتجنا آنذاك إلى وسيلة لنفي احتمال العقاب والوسيلة هي قبح القعاب بلا بيان فإذاً عدنا إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان ولم يصرّ هذا الدليل ديلاً ووجهاً مستقلاً بل من الأول نتمسّك بقاعدة قبح القعاب بلا بيان ولا نأتي بالاستصحاب ، فأنت حينما تذكر الاستصحاب فلابد أن تفترض أنك لا تحتاج إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان وإلا إذا احتجت إليها فمن الأول نتمسّك بها من دون حاجة إلى ضمّ الاستصحاب فإن ضم الاستصحاب إلى قاعدة قبح القعاب بلا بيان يكون لغواً.
ثم قال:- إنه حينما تستصحب البراءة فماذا تستصحب ، فهل تستصحب عدم المنع الشرعي أو تستصحب الترخيص الشرعي ؟ ، فهل تستصحب عدم المنع من التدخين الشرعي قبل البلوغ غلى ما بعد البلوغ أو الذي تستصحبه هو الترخيص الشرعي في التدخين قبل البلوغ إلى ما بعد البلوغ ؟ فإذا أردت أن تستصحب عدم المنع من التدخين فجوابه إن عدم المنع ليس أمراً مجعولاً شرعاً ، فإنَّ المنع مجعول أما عدم المنع فليس مجعولاً شرعاً لأنه عدم ، وشرط جريان الاستصحاب أن يكون المستصحب مجعولاً أو له أثر مجعول ، وهنا المستصحب ليس مجعولاً لأنه عدم - عدم المنع - والأثر هو نفي استحقاق العقوبة ونفي استحقاق العقوبة ليس أثراً شرعياً وإنما هو أثر عقلي ، فالاستصحاب لا يجري في عدم المنع ، لأنَّ عدم المنع ليس أمراً مجعولاً وليس له أثر مجعول ، وأما استصحاب الترخيص فنقول إنه قبل البلوغ كانت هناك رخصة فنستصحب الرخصة الشرعية ، فهنا يقول الشيخ إنَّ هذا مقبول وصحيح لو كان الرخصة الشرعية ثابتة وبذلك سوف تثبت لنا الرخصة الشرعية ، وهي أمر شرعي فالاستصحاب سوف يجري ، ولكن من قال إنَّ الثابت سابقاً هو الرخصة الشرعية بل لعل الثابت سابقاً هو عدم المنع لا الرخصة الشرعية ، وبتعبير آخر إن الدعاء عند رؤية الهلال أو التدخين قبل البلوغ إما أن يكون ممنوع منه شرعاً أو فيه رخصة شرعية ، ولعلَّ الثابت هو عدم المنع دون الرخصة ، والرخصة ليست أثراً شرعياً لعدم المنع فكيف تجري الاستصحاب في الرخصة وأنت لا تحرز ثبوتها سابقاً ، إذ لعل الثابت هو عدم المنع دون الرخصة ، فإذاً لا يمكن أن نقول إن الرخصة كانت ثابتة جزماً بل تسامحاً منا نقول إذا لم يكن المنع ثابتاً فإذاً الرخصة ثابتة ، كلا فإنَّ هذا تسامح ، بل الثابت إما عدم المنع أو الرخصة ، فلعله لا يوجد منع فاكتفى الشارع بعدم المنع ولم يثبت الرخصة ، وقد قلنا إنَّ عدم المنع ليس أمراً مجعولاً فلا يجري الاستصحاب إذاً ، فلا استصحاب عدم المنع يجري لأنه ليس أمراً مجعولاً وليس له أثر مجعول ، ولا الرخصة إذ لا نحرز ثبوتها كما أوضحنا.
قال(قده):- ( والمستصحب هنا ليس إلا براءة الذمة من التكليف وعدم المنع في الفعل ...... والمطلوب في الآن اللاحق هو القطع بعدم ترتب العقاب على الفعل ....إذ لو لم يقطع بالعدم واحتمل العقاب احتاج إلى انضمام حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان إليه حتى يأمن العقل من العقاب ومعه لا حاجة إلى الاستصحاب ....... ومن المعلوم إنَّ المطلوب المذكور لا يترتب على المستصحبات المذكورة لأنَّ عدم استحقاق العقاب ليس من اللوازم المجعولة حتى يحكم به الشارع في الظاهر ، وأما الإذن والترخيص في الفعل فهو وإن كان أمراً قابلاً للجعل ويستلزم انتفاء العقاب واقعاً إلا أنَّ الإذن الشرعي ليس لازماً شرعياً للمستصحبات المذكورة بل هو من المقارنات حيث إنَّ عدم المنع عن الفعل بعد العلم اجمالاً بعدم خلوّ فعل المكلف عن أحد الأحكام الخمسة لا ينفك عن كونه مرخّصاً فيه ، نظير اثبات وجود أحد الضدّين بنفي الآخر بأصالة العدم )[1] .