40/07/17
الموضوع:- حديث الرفع مسوق مساق الامتنان - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.
وأما جواب السؤال الثالث:- فيمكن أن تذكر ثمرات لنكتة الامتنان نذكر اثنتين منها:-
الثمرة الأولى:- إنه بناءً على فكرة الامتنانية نفرّق بين حالة الاكراه على البيع وبين حالة الاضطرار إلى البيع ، فمن أكره على البيع كان أكرهه الظالم على البيع فهنا لو باع نطبق حديث الرفع ونقول ( رفع ) ولازم الرفع التشريعي أنَّ هذا البيع لم يقع موضوعاً لأدلة نفوذ وصحة المعاملة ، فيقع باطلاً والبطلان يكون امتنانياً لأنه مكره ، وأما في حالة الاضطرار فإذا اضطر إلى البيع لمرضٍ مثلاً فبيع الدار نحكم بصحته ، فكيف نحكم بالصحة هنا أما عند اكراه الظالم نحكم بالبطلان ؟ إنَّ نكتة الامتنان هي الموجبة للتفريق ، لأنه مادام الرفع امتنانياً فالمناسب للامتنان حالة الاكراه الحكم بالفساد ، بينما المناسب للامتنانية في صورة الاضطرار هو الحكم بالصحة دون البطلان ، فعلى هذا الأساس نكتة الامتنانية هي التي توجب لنا التفرقة ، وهذه ثمرة من ثمرات نكتة الامتنان.
الثمرة الثانية:- لو شككنا في قيد ، أو بتعبير آخر لو شككنا في شرط للواجب مرة وللوجوب أخرى ، فإذا شككنا في قيدية شيء للواجب أو في قيدية شيء للوجوب فهنا نحكم بأنه إذا كان القيد المشكوك قيداً للواجب فنحكم برفع ذلك القيد وأن المطلوب هو الشيء دون القيد ، فيكفي الاتيان بأصل الشيء ، أما إذا شك في قيدية شيء لأصل الوجوب فلا يمكن رفع هذه القيدية بحديث الرفع ، مثلاً شككنا في أن الغسل شرط لصحة الصلاة إضافة إلى الوضوء للمستحاضة ، أو هل يلزم ايقاع هذه الصلاة في وقت معيّن كصلاة الغفيلة هل يلزم أن تقع ما بعد صلاة المغرب بحيث لا تصح بعد صلاة العشاء ، فشككنا في قيدية ذلك للواجب وأن الواجب هل هو الصلاة المقيدة بالغسل أو بالصلاة المقيدة بأن تكون بعد صلاة المغرب أو يكفي الاتيان بها بعد صلاة العشاء ، والمثال الحقيقي هو أننا شككنا أنَّ صلاة الغفيلة هل يلزم أن تكون بعد صلاة المغرب مباشرة أو انه يجلس ويتعشى وينام قليلاً ثم بعد ساعتين وهو لم يصل صلاة العشاء بعد فيصلي صلاة الغفيلة ثم يصلي العشاء فهل مطلوبية الغفيلة مقيدة بهذا القيد أو لا ؟ المناسب لامتنانية الحديث أن نقول بالتوسعة وأنه يكفيك أنه متى ما أتيت بها فلا علم بقيدية الغسل أو الفورية في صحة صلاة الغفيلة فإنَّ هذا هو الموافق للامتنان فنرفع هذا القيد للواجب بحديث الرفع ، وأما إذا شككنا في قيدية شيء لأصل الوجوب يعين بتعبير آخر شككنا أن أصل وجوب الشيء الفلاني مقيد بهذا القيد أو ليس مقيداً ، ومثاله لو شككنا أن البلوغ شرط أو ليس بشرط في وجوب صلاة الآيات مثلاً أو المستحاضة أو الحائض شككنا أنَّ الوجوب في حقها مشروط بأن لا تكون حائضاً - أي بالطهارة - فهنا هل يمكن تطبيق حديث الرفع ؟ ، ولو طبقناه فسوف تصير النتيجة هي أننا سوف نرفع هذا القيد يعني أن الوجوب ليس مقيدًا بها القيد يعني أن الوجوب ثابت ولو من دون هذا القيد وهذا خلف الامتنان ، يعني سوف يصير إذا كان الوجوب موجوداً فالامتنان يصير برفع هذا الوجوب لا بإثباته ، فهنا إذا طبقنا حديث الرفع وقلنا الطهارة من الحيض أو الاستحاضة ليس بقيد للوجوب فهذا معناه أنه حتى الحائض يجب عليها ، وهذا خلف المنَّة ، لأننا اثبتنا الوجوب والحال أنَّ المنَّة تصير بالتوسعة ورفع الوجوب لا أننا نثبته.
إذاً متى ما شككنا في قيدية قيد لأصل الوجوب فالمناسب عدم تطبيق حديث الرفع ، لأنه لو طبقناه تكون النتيجة هي أنَّ الوجوب ثابت حتى في حالة عدم ثبوت هذا القيد وثبوت الوجوب خلف المنَّة ، فإنَّ المنَّة تحصل بالتوسعة ورفع الوجوب لا بإثباته ، وهذا بخلاف ما إذا علمنا بأصل الوجوب وشككنا في قيدية شيء للواجب ، فهنا يكون تطبيق حديث الرفع مناسباً لأجل أنها سوف تثبت التوسعة في حق المكلف ، إذ المفروض أنَّ أصل الوجوب ثابت جزماً ولكن هذا الواجب هل هو مقيد بالفورية أو ليس مقيداً بالفورية فبحديث الرفع نرفع الفورية ، فحينئذٍ تثبت بذلك الوسع وهذا موافق للامتنان.هذا وقد ذكر الشيخ العراقي(قده) كلاماً حاصله:- إنه هل يشترط في تطبيق حديث الرفع أن يكون في الرفع امتنان ؟ الجواب:- نعم ، فإنه يلزم ذلك جزماً ، وهذه نقطة اتفاق ، ولكن الذي ذكره هو أنه هل يلزم أن يكون وضع ذلك الشيء وعدم رفعه خُلف المنَّة فآنذاك يصحّ الرفع أو لا يلزم ذلك ؟ اشترط في صحة رفع الشيء امتناناً بحديث الرفع أن يكون في وضعه خلف المنَّة ، فإذا كان اثباته على المكلف يلزم منه خلف المنَّة يكون رفعه ممكناً أما وضعه إذا لم يلزم منه خلف المنَّة فرفع الحديث لا يمكن.
وقبل أن ذكر دليله الذي استند إليه نقول أين تظهر الثمرة:- إن ذكر ثمرتان لهذا البحث:-
الثمرة الأولى:- نحن بحديث الرفع نتمكن أن نرفع وجوب الاحتياط تجاه الحكم المشكوك ، فمثلاً الدعاء عند رؤية الهلال نرفع وجوب الاحتياط بحديث الرفع جزماً وبلا إشكال ، وفي وضعه اثبات وجوب الاحتياط في حالة الشك وعدم العلم وجوب الدعاء عند رؤية الهلال يوجد تضييق على المكلف وهو خلف المنَّة ، فإذاً يمكن تطبيق حديث الرفع لرفع وجوب الاحتياط ، لأنَّ في عدم الرفع - يعني وضع وجوب الاحتياط - هو خلف المنَّة ، لأنَّ المكلف يلزم أن يحتاط ويدعو عند رؤية الهلال ، وبالتالي هذا فيه كلفة ، وهذا واضح بالنسبة إلى وجوب الاحتياط.
ولكن سؤالنا بالنسبة إلى الحكم الواقعي ، فواقعاً لعل وجوب الاحتياط موجود ، فوجوب الاحتياط هذا هل يمكن رفعه فالرفع يكون منَّة أو لا يوجد في الرفع منَّة ؟قال:- إنه لا يمكن رفعه ، لأجل أنَّ رفعه وإن كان فيه منَّة ، فأنت ترفع حتى هذه الدرجة من الوجوب الواقعي فيه شيء من المنَّة ، ولكن في وضعه واثباته واقعاً لا يلزم خلف المنَّة ، فافترض أنَّ الوجوب الواقعي ثابت واقعاً ولكنه مجرّد ثبوت واقعي ولا يلزم الاحتياط ، فثبوته الواقعي ليس خلف المنَّة ، فلا يمكن رفعه بحديث الرفع.فلذلك الشيخ العراقي(قده) أثبت هذه الثمرة حيث قال:- إنه بحديث الرفع يمكن أن نرفع رفعاً ظاهرياً ولا يمكن أن نطبق الحديث لإثبات الرفع الواقعي ، والمقصود من الرفع الظاهري رفع وجوب الاحتياط ، والمقصود من الرفع الواقعي الرفع واقعاً ، أما بالنسبة إلى الرفع الظاهري ممكن ، فلأجل أنَّ رفع وجوب الاحتياط منَّة وفي الوضع خلف المنَّة فيمكن تطبيق الواقعي ، أما بالنسبة إلى الثبوت الواقعي فالثبوت الواقعي هو موجود في الواقع فقط لا اكثر وهو لا يلزم خلف المنَّة ، فعلى هذا الأساس لا يمكن رفعه لأنَّ شرط الرفع أن يكون في الوضع خلف المنَّة.الثمرة الثانية:- إذا نسي المكلف أو أخطأ أو اضطر عن تقصير ، فهو قصّر فنسي أو قصر فأخطأ أو قصّر فاضطر فحينئذٍ هل يمكن تطبيق حديث الرفع لرفع الخطأ والنسيان في حال التقصير ؟ قال:- كلا ، لأجل أنه مادام مقصراً فوضع التكليف عليه لا يكون مخالفاً لمنَّة فلا يمكن تطبيق حديث الرفع لرفع التكليف عنه في حالة التقصير ، فالذي ينسى عن تقصير ولا يصوم شهر رمضان كأن كان يعيش في بلد يحتاج فيه إلى أن يتابع أموره فلم يجعل علامة ولم يتابع التقويم عن تقصيرٍ فلا ينظر ولا يسأل ولا غير ذلك فحينئذٍ ينسى أو يخطئ أو يضطر عن تقصير فلا يمكن تطيق حديث الرفع في حقه ، لأنَّ الوضع في حقه ليس مخالفاً للمنَّة إذ ما حصل له كان عن تقصير ، فالرفع حينئذٍ لا يمكن تطبيقه في حقه.