40/07/10
الموضوع:- ما هو المرفوع بحديث الرفع ؟ - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.
وبعد أن عرفنا أنَّ الاحتمالات ثلاثة فالأرجح منها ما هو ؟والجواب:-أما الاحتمال الأوّل:- فحيث إنه يحتاج إلى تقدير فهذا بنفسه مخالف للظاهر ، فإن ظاهر كل كلام ينفي احتمال التقدير ويحتاج إلى قرينة ودللي ومع عدم الدليل لا يصار إلى التقدير فإنه مخالف للظاهر فإذاً هذا الاحتمال لابد وأن يحذف من الحساب لهذه النكتة.
ولا تقل:- نحن مضطرون إلى التقدير ، لأنَّ المعنى من دون تقدير باطل والمضمون باطل ، وهذا قرينة ، فإنه حينما يقال رفع النسيان إذا لم تقدّر شيئاً هنا فالكلام سوف يكون باطلاً.
فنقول:- إنه على الاحتمال الثاني والثالث لا نحتاج إلى تقدير ، ولا يلزم محذور الكذب إذا كان المقصود هو تنزيل الشيء الموجود منزلة المعدوم ، أو كان المقصود هو الرفع التشريعي ، فالمعنى تام ولا يلزم مشكلة من دون تقدير ، فعند الدوران بين الاحتمال الأول والاحتمالين الأخيرين يكون الاحتمالان الأخيران أرجح ، لأنهما لا يحتاجان إلى تقدير.
وأما الاحتمال الثاني:- فهو وإن كان جيهاً بيد أنه توجهه مشكلة وهي أن الاحتمال الثاني لا يمكن تطبيقه في موارد الترك والعدم ، كما إذا اضطر المكلف إلى ترك الصوم أو إلى ترك الحج أو لم يطق شيئاً فتركه أو نسى شيئاً فتركه أو أخطأ فتركه فهنا لا يمكن تطبيق الحديث ، وإنما يلزم أن يختص الحديث بموارد الفعل أما موارد الترك فلا يمكن تطبيقه ، والسبب في ذلك هو أنَّ حديث الرفع على الاحتمال الثاني ينزّل الوجود منزلة العدم والترك لا شيء وليس وجوداً حتى ينزّل منزلة العدم.
وإذا قلت:- لنفل إنَّ حديث الرفع ينزّل الفعل منزلة العدم وأيضاً ينزّل العدم والترك منزلة الوجود.
قلت:- إذاً صار حديث الرفع حديث اثبات لا حديث رفع ، ونحن بالوجدان حينما يترك المكلف الصوم لاضطرار لا نفهم من حديث الرفع أنه إذاً هذا المكلف صائم ، فلا يوجد أحد يفهم من حديث الرفع أنه إذا تركت أنا الصوم بالإكراه أو الاضطرار ف بحديث الرفع أثبت أني قد صمت لأنه ينزّل الترك منزلة الوجود ؟!! ، كلا فإنه لا يمكن الالتزام بذلك ، فالإنسان العرفي لا يفهم ذلك ، ولو كان كذلك فهذا معناه أنَّ حديث الرفع صار حديث اثبات لا حديث رفع.
فإذاً هذا خلل في هذا الاحتمال ، فإنَّ لازم هذا الاحتمال عدم إمكان تطبيق حديث الرفع في موارد الترك الناشئ من الاضطرار أو الاكراه أو ما شاكل ذلك ، وبالتالي إذا لم يمكن تطبيق حديث الرفع في مورد الترك الناشئ من الاضطرار فيلزم أنك فاعل للمحرّم إذاً وتستحق العقوبة وعليك الكفارة لأنك لم تصم ففعلتَ حراماً وعليك القضاء والكفارة بعد فرض أنَّ حديث الرفع لا يشملك ، لأنه لا ينزّل العدم منزلة الوجود ، وحينئذٍ الحرمة لا يمكن رفعها ، كما لا يمكن رفع الكفارة ، بل تبقى عاصياً وفاعلاً للمحرّم وعليك الكفارة من دون أن يرفع حديث الرفع هذا عنك ، وهذا شيء باطل جزماً ، فإننا من حديث الرفع نفهم أنَّ الشخص الذي ترك الصوم لنسيانٍ لا شيء عليه وأنه ليس بعاصٍ ، وإذا تركه عن اكراه أو اضطرار نقول له أنت لست فاعلاً للمحرّم لحديث الرفع ، وهذا أمرٌ واضح ومن الأوّليات ، بينما بناءً على الاحتمال الثاني يلزم أن لا يمكن رفع الحرمة أو الكفارة وما شاكل ذلك بحديث الرفع ، لأنك تارك للصوم فحديث الرفع لا يشملك فالحرمة موجودة والعصيان موجود والكفارة موجودة ، وهذا لا يمكن الالتزام به.بل يلزم في الشبهة التحريمية مثل التدخين وأنه حرام أو لا فهل نتمسّك بحديث الرفع أو لا ؟ نعم نتمسّك به لرفع حرمة التدخين ، ولكن على الاحتمال الثاني لا يمكن رفع الحرمة ، لأنه في الحقيقة حديث الرفع ينزّل الوجود منزلة العدم ، وهنا لا وجود للتدخين حتى ينزّل منزلة العدم ، بل بادئ ذي بدء نريد أن نعرف حكم التدخين من حديث الرفع ولم يتحقق التدخين ، فإذا لم يتحقق التدخين فأي شيء ينزّل منزلة العدم ؟! إنه لا جود حتى ينزّل منزلة العدم ، نعم يلزم أن ننتظر إلى أن يدخّن شخص وبعد أن يدخن ينزّل هذا التدخين منزلة العدم وآنذاك يشمله حديث الرفع ، وأما قبل أن يتحقق التدخين فلا تدخين فلا رفع وبالتالي لا يمكن أن نقول إنَّ التدخين جائز لحديث الرفع ، لأنه لا يوجد شيء ، لأنه لا يوجد شخص يدخّن.إذاً الاحتمال الثاني لا يمكن الالتزام به لأجل أنه يختص بموارد الفعل والوجود ، فإنَّ الفعل والوجود هو الذي ينزّل منزلة العدم ، أما في الموارد التي لا يوجد فيها فعل ووجود فالتنزيل لا يمكن ، فلا يمكن تطبيق حديث الرفع.وهكذا في الشبهة الحكمية:- فإنه قبل أن نعرف حكم التدخين مثلاً إذا لم يتحقق معرفتنا لحكم التدخين فالتدخين بعدُ لم يصدر فلا يمكن تطبيق حديث الرفع لأنه عدم فبالتالي لا يمكن أن نستفيد رفع حرمة التدخين من حديث الرفع إلا بعد أن يدخّن الانسان فحينذاك نرفع عنه الحرمة والالتزام بهذا صعب وهو شيء واهٍ جداً.
فتعين بذلك المصير إلى الاحتمال الثالث لأنه لا يواجه هذه المشاكل وهو يقول كل شيء من الأشياء إذا تحقق عن اضطرار أو اكراه أو ما شاكل ذلك فهو لم يقع موضوعاً أو متعلقاً في عالم التشريع للحكم بالحرمة والكفارة وغير ذلك ، ولو كان عدماً عن اكراه أو عن اضطرار لم يقع موضوعاً أو متعلقاً في عالم التشريع للحكم بالحرمة أو الكفارة أو غير ذلك ، فحينئذٍ المطلوب يكون متحققاً ، وما نفهمه بوجداننا يكون تاماً ومتطابقاً مع الاحتمال الثالث ، فيكون الاحتمال الثالث هو المتعيّن.نعم بعد أن تعيّن الاحتمال الثالث نوجه مشكلة:- وهي أنَّه سلّمنا أنَّ حديث الرفع يرفع هذا الفعل عن كونه موضوعاً للأحكام الالزامية في عالم التشريع ، وسلمنا أيضاً أنَّ العدميات يرفعها عن كونها موضوعاً في عالم التشريع ، ولكن هل يرفع الوجود أو العدم في عالم التشريع بلحاظ خصوص المؤاخذة أو بلحاظ جميع الآثار أو بلحاظ الأثر الظاهر ؟ ، فعادة المشكلة بشكلٍ آخر ، فصحيح أنه تعيّن عندنا الاحتمال الثالث ولكن يبقى هذا التساؤل لابد من الجواب عنه.
والجواب:- أما التخصيص بخصوص المؤاخذة فهذا تضييق لا مبرر له ، ولا أقل يخالف بعض الروايات التي استدل بها المعصوم عليه السلام بحديث الرفع على سلب الآثار الأخرى غير المؤاخذة ، من قبيل ( عن أبي الحسن:- سألته عن الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك ؟ فقال: لا ، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما اخطأوا " )[1] ، إنه دل بوضوح على أنّ حديث الرفع - أو حديث الوضع - يراد منه الأعم لا خصوص رفع المؤاخذة.
وإذا قلت:- إنَّ الحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك باطل عندنا.
قلت:- صحيح أنه باطل ولكن الامام عليه السلام في مقام سؤال السائل أنَّه بناءً على صحة هذا اليمين هل يلزمه ذلك والحال أنه قد أكره على ذلك فالإمام عليه السلام استشهد بحديث الرفع على أنه يشمله حديث الرفع ويرفع عنه الكفارة ولا يلزمه الاستمرار على هذا اليمين وتطبيق هذا اليمين ، فإذاً هذا يدل على أنَّ حديث الرفع حديث أعم وإن كان مورد السؤال باطل في حدّ نفسه إلا أنَّ استشهاد الامام عليه السلام بحديث الرفع دل على أنَّ حديث الرفع أعم.
والخلاصة من كل هذا:- إنَّ المؤاخذة بخصوصها لا يمكن أن نقول إنَّ الرفع بلحاظ خصوصها ، يبقى الأمر دائراً بين أن نقول إنَّ المقصود هو الأثر الظاهر أو جميع الآثار ، وحيث إنَّ جميع الآثار لا مثبت له فيتعيّن أن يكون المراد هو الأثر الظاهر.