40/07/04
الموضوع:- هل حديث الرفع يشمل الأحكام الوضعية أعنني مثل الطهارة والنجاسة ؟ - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.
الثمرة الثانية:- ما إذا كانت الطهارة بعنوانها شرطاً فهنا تظهر الثمرة ، أو كانت النجاسة بعنوانها مانعاً فهنا تظهر الثمرة أيضاً ، يعني إذا كانت الطهارة بعنونها شرطاً ، كما إذا فرض أنَّ الماء إنما يجوز شربه إذا كان طاهراً لا أنَّ النجس لا يجوز شربه وإنما جواز الشرب مختصّ بالطاهر ، فهنا لابد من احراز طهارة الماء ، ، وطهارة الماء أحرزها بأصل الطهارة ، وهو ( كلّ شيء لك نظيف حتى تعلم أنه قذر ) ، أما حديث الرفع فلا ينفعنا ، لأنه يرفع النجاسة ولا يثبت لنا الطهارة إلا بنحو الأصل المثبت ، فإنَّ الطهارة والنجاسة ضدّان والتعبّد بأحد الضدّين لا يلازم عدم الثاني تعبّداً ، فلعل الشرع يعبّدني بالطهارة ولا يعبّدني بعدم النجاسة فإنَّ هذا ممكن ، فالملازمة بين التعبّدين ليست شرعية.
وهكذا بالعكس إذا فرض أنَّ النجاسة كانت مانعة ولم تكن الطهارة شرطاً[1] فأصل الطهارة لا يجري ، لأنه يثبت لي الطهارة والمفروض أنَّ الطهارة لا تنفعني بل لابد أن أثبت رفع النجاسة ، واثبات الطهارة لا يلازم رفع النجاسة تعبّداً ، وإنما يلازم ذلك عقلاً لا تعبّداً وشرعاً ، فإذاً المهم تطبيق حديث الرفع ، فظهر الأثر حينئذٍ ، لا أنه كلما جرى أصل الطهارة يجري حديث الرفع أو كلما جرى حديث الرفع يجري أصل الطهارة ، بل قد يجري أصل الطهارة إذا كانت الطهارة شرطاً من دون أن يجري حديث الرفع ، وقد يكون الأمر بالعكس فقد يجري حديث الرفع إذا كانت النجاسة مانعة ولا يجري أصل الطهارة ، ولا يخفى لطف هذه الثمرة.
إن قلت:- هناك مشكلة تمنعنا من دعوى شمول فقرة ( رفع ما لا يعلمون ) للنجاسة وهي لزوم التفكيك في السياق الواحد ، فإنا قد عرفنا أنَّ بقية الفقرات لا تشمل النجاسة فإنَّ النجاسة لا تتأثر بالإكراه والاضطرار وبعدم الاطاقة وما شاكل ذلك ، فإذا فرضنا أنَّ النجاسة لا تكون مشمولة للفقرات الأخرى يلزم أن لا تكون مشمولة لفقرة ( ما لا يعلمون ) أيضاً تحفظاً على وحدة السياق الواحد.
والنتيجة هي أنَّ فقرة ( رفع ما لا يعلمون ) لا تشمل النجاسة وإلا يلزم التفكيك في السياق الواحد.
قلت:- إنه لا يلزم التفكيك المرفوض للسياق ، فإنه إذا كان تفكيك في البين فهو تفكيك غير مرفوض ، والوجه في ذلك أنه في بقيّة الفقرات الرفع واقعي وليس عند الجهل ، بل بحسب الواقع عند الاكراه يرتفع الحكم ، ولذلك قلنا إنَّ النجاسة لا تدخل في فقرة ( ما اضطروا ) أو ( ما استكرهوا ) لأنَّ الرفع واقعي والنجاسة لا ترتفع واقعاً بطروّ الاضطرار والنسيان والاكراه وغير ذلك ، وهذا بخلافه في فقرة ( رفع ما لا يعلمون ) فإنَّ الرفع ظاهري ، يعني عند عدم العلم ، ولا محذور في كون النجاسة مشمولة لفقرة ( رفع ما لا يعلمون ) بعدما كان الرفع رفعاً ظاهرياً - يعني عند عدم العلم - ولا تكون النجاسة مشمولة لفقرة ( ما استكرهوا ) أو ( ما لا يطيقون ) أو ( ما اضطروا ) ، لأنَّ الرفع هناك واقعي.
إذاً بسبب كون الرفع واقعياً في بقية الفقرات لم تكن تلك الفقرات شاملة للنجاسة ، ولكن حيث إنَّ الرفع في فقرة ( رفع ما لا يعلمون ) ظاهري - أي عند عدم العلم - فلا محذور في شمول الفقرة المذكورة للنجاسة بعدما كان الرفع هناك واقعياً وهنا كان ظاهرياً ، إنَّ هذا ليس تفكيكاً في السياق الواحد ، وإذا كان تفكيكاً فهو تفكيك غير مرفوض ، وبالتالي لا مانع منه.
والنتيجة لحد الآن هي أنَّ حديث الرفع يشمل النجاسة لرفعها بفقرة ( رفع ما لا يعلمون ) ، لأنَّ الرفع هنا ظاهري - عند العلم - فلا مانع من شموله للنجاسة ، ولا يشمل النجاسة بفقرة ( ما اضطرا ) أو ( ما استكرهوا ) وما شاكلهما ، لأنَّ الرفع هنا واقعي.
هذا كله في هذين التقريبين اللذين ذكرهما السيد الخوئي والشيخ النائيني(قده).التقريب الثالث:- وهو للسيد الروحاني(قده)[2] حيث ذكر أنَّ حديث الرفع يرفع الأحكام الخاصة بهذا الفرد وذاك الفرد وذاك الفرد ..... ، فمثلاً هذا الشخص اضطر إلى أكل الميتة فيكون له حكم خاص وهو أنه يجوز لك أكل الميتة للاضطرار أو لرفع الاكراه ، وهكذا بقية الموارد التي نطبق فيها حديث الرفع.
يعني بعبارة أخرى:- إنه من البداية واقعاً الحكم بحرمة أكل الميتة ثابت في حق غير المضطر وغير المكرَه ، وأما المكرَه والمضطر وأمثالهما فحرمة أكل الميتة ليست ثابتة في حقه ، وأما النجاسة فهي عامة في حق الجميع ، فهي ثابتة في حق المضطر والناسي والذي لا يطيق وغير ذلك ، فهي من الأحكام العامة وحديث الرفع لا يشمل الأحكام العامة الثابتة في حق الجميع وإنما يشمل الأحكام الخاصة كأكل الميته ، فواقعاً أكل الميتة حرام في حق غير المضطر وغير المكره وهو حلال في حق المضطر والمكره ، أما مثل النجاسة فهي عامة وحديث الرفع لا يرفع الأحكام العامة وإنما يرفع الأحكام الخاصة.ويردّه:- إنَّ هذه مجرّد دعوى لا مثبت لها ، إلا أن يقصد بتقريبه هذا ما أفاده الشيخ النائيني(قده) ، فيعود بذلك إلى مطلب الشيخ النائيني(قده)[3] فيرد عليه ما أوردناه على كلام الشيخ النائيني(قده) من أنَّ هذا الكلام تام إذا أردنا التمسّك بفقرة ( رفع ما استكرهوا ) أو ( رفع ما اضطروا ) ، أما إذا أردنا التمسك بفقرة ( رفع ما لا يعلمون ) لرفع النجاسة ظاهراً لا واقعاً فهذا لا محذور فيه.
والخلاصة من كل ما ذكرناه:- إنه لا مانع من التمسك بحديث الرفع لرفع النجاسة فيما إذا كانت النجاسة مانعاً ولم تكن الطهارة شرطاً وإلا يلزم محذور الأصل المثبت ، كما أنه نلفت النظر إلى أنَّ الرفع ظاهري - يعني عند عدم العلم - وليس واقعياً ، فالواقع يبقى كما هو.
وعلى هذا الأساس لو فرض أني طبّقت حديث الرفع ورفعت النجاسة ظاهراً فأكلت وشربت وغير ذلك وبعد ذلك اتضح الخلاف وأن النجاسة ثابتة واقعاً فنحكم آنذاك بثبوت النجاسة من البداية ، فمن البداية هي ثابتة واقعاً وجميع آثار النجاسة نطبقها من ذلك الحين فإنَّ الرفع رفع ظاهري وليس واقعياً ، نعم إذا أكلت وشربت فهذا معذور فيه ، ولكن ملابسك التي أصابها ذلك الأكل لابد من تطهريها ، خلافاً لصاحب الحدائق(قده) فإنه يبني على أنَّ مسألة الطهارة والنجاسة عليمة وليست واقعية ، بمعنى أنه مادمت لا تعلم فأصلاً لا توجد نجاسة واقعاً ولكن حينما تعلم فآنذاك يصير نجساً واقعاً ، ويتمسّك لهذا بظاهر الحديث ( كل شيء لك نظيف حتى تعلم أنه قذر فإذا علمت فقد قذر ) ، أي من حين العلم ، فيأخذ العلم بنحو الموضوعية لا بنحو الطريقية[4] .