40/06/27
الموضوع:- هل حديث الرفع يشمل الأحكام الوضعية أعنني مثل الطهارة والنجاسة ؟ - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.
السؤال الثالث:- هل حديث الرفع يشمل الأحكام الوضعية أعني مثل الطهارة والنجاسة ؟
إنه ينبغي الالتفات إلى أنَّ الأحكام الوضعية متعددة لا تنحصر بالطهارة والنجاسة ، بل تعم الزوجية والحرية والرقية وغير ذلك فإنها أحكام وضعية أيضاً ، ولكن المهم الذي ينبغي الحديث عنه هو الطهارة والنجاسة ، فنحصر الكلام في الطهارة والنجاسة.وسؤالنا:- هل يمكن رفع الطهارة أو النجاسة بحديث الرفع أو لا ؟
والجواب:- أما بالنسبة إلى الطهارة فلا يمكن ، لأنَّ رفع الطهارة يلزم منه المشقة وخلاف المنَّة ، والمفروض أنَّ الحديث الرفع حديث امتناني ، فإذا رفع الطهارة وقال إنَّ عباءتك ليست طاهرة فهذا سوف يخلق لي مشكلة فلابد وأن أغسلها ولا أصلي بها ، فإذاً حديث الرفع لا يرفع الطهارة إذ يلزم منه خلف المنة وهو وارد مورد الامتنان.
إنما الكلام في أنه هل يرفع النجاسة أو لا ؟ ، يعني لا أدري هل عباءتي نجسة أو طاهرة وأريد أن أرفع النجاسة فأشك هل هي نجسة أو لا فارفع النجاسة بحدث الرفع ، فأقول إنَّ النجاسة لا أعلمها وقد ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) ، فهل يمكن ذلك أو لا ؟
وقبل الجواب قد يقول قائل:- إنَّ هذا البحث غير مجدٍ ، لأنه يوجد عندنا أصل الطهارة ، ومع وجود أصل الطهارة ما الداعي إلى حديث الرفع ؟
وجوابه:- إنَّ هذه قضية علمية ، وهذا البحث يكفينا ، فيصير عندي رافعان للنجاسة أحدهما أصل الطاهرة والثاني حديث الرفع ، فالأمر ليس سفهياً وليس لغواً ، وإنما هي قضية علمية ، على أنه سوف نذكر بعض الثمرات فيما يأتي.
وفي الجواب عن السؤال نقول:- تارةً يكون الكلام في الشبهة الموضوعية كالعباءة أشك في كونها نجسة أو لا ، وأخرى يكون في الشبهة الحكمية كأن أشك هل الأرنب نجس أو لا فأرفع نجاسته بحديث الرفع ، فهل هذا ممكن أو لا ؟
ربما يقال:- إنه ليس بممكن ، وذلك للوجوه التالية:-
الوجه الأول:- إنَّ حديث الرفع يرفع الأحكام الشرعية الثابتة لفعل المكلف ، فكلّ حكم ثبات لفعل المكلف وتشك في ثبوته يرفعه حديث الرفع مثل حرمة التدخين ، فالحرمة حكم والتدخين فعلٌ للمكلف ، فالحرمة هي حكم ثابت لفعل المكلف ، فإذا شكك فيها أرفعها ، وذلك وجوب الدعاء عند رؤية الهلال فالوجوب حكم ثابت للدعاء والدعاء فعل للمكلف فأرفع هذا الحكم الثابت لفعل المكلف حينما أشك فيه ، فوظيفة حديث الرفع هو رفع الحكم الثابت لفعل المكلف ، والنجاسة وإن كانت حكماً شرعياً إلا أنها ليست ثابتة لفعل المكلف.
إن قلت:- إنَّ الملاقاة فعلٌ للمكلف ، فإني مثلاً أصبُّ الدم على الماء فهذه ملاقاة ، فحصلت نجاسة الماء ، فنجاسة الماء حكم ثابت لفعل المكلف الذي هو الملاقاة.
قلت:- إنَّ الملاقاة ليست دائماً هي التي تثبت النجاسة وتكون فعلاً للمكلف ، بل أحياناً يتسّرب الدم إلى الماء فحصلت ملاقاة وتنجّس من دون فعل مكلف في البين ، فالملاقاة التي هي فعل المكلف تتحقق أحياناً لا دائماً ، وفي بعض الأحيان ليست النجاسة ثابتة للملاقاة ، فإنَّ الملاقاة الحاصلة بسبب فعل المكلف هي سبب لحدوث التنجّس ، لا أنَّ التنجّس ثابت للملاقاة بحيث تكون الملاقاة هي الموضوع ، بل موضوع النجاسة هو الماء ، فالماء نجس لا أنَّ الملاقاة هي نجسة أو متنجّسة ، بل الملاقاة هي سبب النجاسة لا موضوع النجاسة ، فلا ينبغي الخلط بين سبب النجاسة وموضوعها.
فحديث الرفع يختص بالأحكام الشرعية الثابتة لعفل المكلف والنجاسة هي كم شرعي ولكنها ليست ثابتة لفعل المكلف كما أوضحنا ، وهذا ما ذكره السيد الخوئي(قده) في مصباح الأصول[1] .
وفيه:- إنَّ حديث الرفع يقول ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) أي الذي لا يعلمون ومن المناسب أن يكون المقصود من اسم الموصول هنا هو الحكم لأنه من الشارع والمناسب للشارع أنه يرفع الأحكام المرتبطة به ، أما أنه يلزم أن يكون ذلك الحكم ثابتاً لفعل المكلف فهذا لا دليل عليه.
إنَّ قلت:- ما دمت قد سلمت أن كلمة ( ما ) يرد منها الحكم الشرعي فنقول آنذاك إنَّ الحكم الشرعي لأيّ شيء يكون ثباتاً ؟ إنه يكون ثابتاً لفعل المكلف ، فإنَّ الأحكام الشرعية عادةً منصبَّة على فعل المكلف ، فإذاً ما ذكره السيد الخوئي(قده) من قبيل قضايا قياساتها معها ولا يحتاج إلى دليل.
قلت:- صحيح أن الحكم بشكل عام هو ثابت لفعل المكلف ، ولكن بعض الأحكام ربما أحياناً ليست ثابتة لفعل المكلف ، مثل النجاسة فإنَّ النجاسة حكم ولكنها ليست ثابتة لفعل المكلف فإنَّ النجاسة تثبت للثوب والماء والثوب والماء ليس فعلاً للمكلف ، فأيّ مانع في أنَّ حديث الرفع يرفع مطلق الأحكام سواء موضوعه هو فعل المكلف أو لا يكون ، فمن هذه الناحية لا بأس بالتمسّك بالإطلاق؟
التقريب الثاني:- ما أفاده الشيخ النائيني (قده)[2] وحاصله: إنَّ النجاسة من الأمور الواقعية التي تتحقق من دون مدخلية لإرادة المكلف ولاضطرار ولعدم الاضطرار وللإكراه وعدم الاكراه ، فلو فرض أنَّ النجاسة اصابت الثوب فقد تنجس الثوب حتى إذا لم أعلم وحتى لو كان ذلك اضطرارً أو اكراها ، فيه امر واقعي تتحقق بأسبابها الواقعية والعلم الارادة والاختيار والاكراه والاضطرار كل هذه الأمور لا مدخلية لها ، وإذا اتضح هذا نضم قضية أخرى وهي أنَّ ظاهر حديث الرفع هو رفع ما يكون لإرادة المكلف وعلمه واختياره مدخلية في ثبوت الشيء ، فالحكم الذي للإرادة وللعلم مدخلية في ثبوته هو يرتفع إذا لم يكن هناك علم فعُبِّر بـ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) فمادام للعلم مدخلية ولكن اتفاقاً لا يوجد عندك علم فحينئذٍ يرتفع ، وهكذا إذا كان الشخص مضطراً أو مكرهاً فهو يرتفع ، فالحديث ناظر إلى دائرة ضيقة يعني ما يترتب ثبوته على العلم والارادة والاختيار ، أما ما يثبت من دون مدخلية للعلم الاختيار فلا يرفعه الحديث ، فمثلاً التصرف في مال الغير حرام ولكنه مشروط بعلمك واختيارك وعدم اكراهك ففي حالة عدم العلم أو الاكراه يأتي حديث الرفع ويرفع ، أما ما كان ثابتاً بشكل مطلق مثل النجاسة فإنها ثباتة حتى لو نزلت قطرة الدم من السماء ولاقت إناءً فيه ماء سواء كنت أو لا تعلم مختار أو غير مختار فالنجاسة سوف تثبت فالحديث لا يشمل مثل هذا المورد.