40/06/24
الموضوع:- هل حديث الرفع يشمل الأحكام الضمنية ؟ - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.
هذا مضافاً إلى أنه لو قطعنا النظر عن قاعدة الاشتغال اليقيني ما هو الدليل الشرعي على لزوم الاتيان ؟ فنقول سابقاً أنا حينما كنت أقرأ سورة الحمد لم ائت بالسورة بعدها فأشك هل أتيت بالسورة أو لم ائت بها فاستصحب عدم الاتيان بها.فإذاً يوجد مثبتان بمقتضى القاعدة للإتيان بالسورة عند الشك ، الأول هو قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، والثاني أنه لو قطعنا النظر عن قاعدة الاشتغال فالمثبت هو الاستصحاب.أما أنه هل يجري الاثنين معاً أو لا ؟قد يقال:- إنه لا يمكن جريانهما معاً ، لأننا إذا طبقنا قاعدة الاشتغال فسوف نقطع بلزوم الاتيان بالسورة ، فإذاً الشك قد ارتفع ، فلا موضوع للاستصحاب.
ولكن حينما يساق دليلان فالمقصود أننا نجري هذا الدليل بغض النظر عن الآخر أو بالعكس.فإذاً قاعدة الاشتغال موجودة ، وبقطع النظر عنها يكون الاستصحاب جارياً ، هذا فميا إذا كان الشك في الجزء أو الشرط ولم نتجاوز المحل ، أما إذا تجاوزنا المحل فهناك دليل شرعي قال لا تعتن للشك ، ولولا الدليل الشرعي لكان المناسب تطبيق قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب ، ولكن مع وجوده نرفع اليد عنهما.وأما إذا كان الشك في المانع:- يعني شككت أنَّ هذا الحزام من أجزاء ما لا يؤكل لحمه أو لا - وعادة الشك يصير قبل الصلاة أو في اثنائها - ، ومن الواضح أنه لو شككت أنَّ هذا الجلد صناعي أو من جلد حيوان فأجري البراءة ، ولكن إذا كان من جلد حيوان جزماً ولكن لا ندري هل هو مما يؤكل لحمه أو لا يؤكل فهنا نريد أن نقول بالبراءة وليس الاشتغال.
وما هي النكتة في ذلك ؟والجواب:- إنَّ مانعية لبس ما لا يؤكل لحمة انحلالية بعدد الأفراد ، فلو فرض أنه يوجد عندنا مائة فرد فإذاً توجد مائة مانعية ، فإذا كان هذا الحزام الذي أهدوه لي أيضاً هو من جلد ما لا يؤكل لحمه فسوف تصير المانعية مائة وواحد ، وهذا شك في مانعية جديدة فتكون مجرى لأصل البراءة ، لأننا نشك هل توجد مانعية أو لا فنجري البراءة عن هذه المانعية ، وبذلك يثبت أنه لا مانعية هنا فيجوز لبسه ، وعلى هذا فتوى الفقهاء.
ولا تقل:- إذاً أين قول الفقهاء أنه إذا كان من بلد اسلامي فابني على كونه طاهراً ؟قلت:- إنَّ ذاك يكون فيما إذا كان الشك في التذكية وعدمها فيفصّل حينئذٍ بأنه إذا كان من بلد إسلامي فهذا أمارة على التذكية ، وكلامنا ليس في التذكية وعدمها وإنما هو في أنه هل هذا جلد حيوان أو هو جلد صناعي ، وهذا لا ربط له بالبلد الاسلامي ، فهذا شك في مانعية جديدة فنجري أصل البراء.
فإذاً نحن علمنا بأنه جلد حيوان جزماً ولكن لا ندري هل هو من حيوان يؤكل لحمه أو لا لكنه مذكّى جزماً ولكن لا ندري أنه من أسد أو من حيوان آخر يؤكل لحمه فهنا نقول إنَّ البلد الاسلامي لا دور له ، لأنَّ الشك ليس في التذكية وإنما الشك في كونه مما يؤكل لحمه أو لا فنجري أصالة البراءة عن المانعية.وقد تسأل وتقول:- ما الفرق بين الشك في السورة حيث قلنا بالاشتغال أما عند الشك في المانعية أجرينا أصل البراءة؟
والجواب:- هناك اشتغال جزمي ، فجزماً يوجد اشتغال للذمة بالصلاة المقيدة بالسورة وأنا أشك هل حققته أو لم أحققه فقاعدة الاشتغال تحكم بلزوم تحققه ، والاستصحاب أيضاً يقتضي بأنك لم تأتِ بهذا الواجب ، فيلزم تفريغ الذمة جزماً ، أما في باب ما لا يؤكل لحمه فالذمة قد اشتغلت بالصلاة ولكن هل المقيدة بعنوان كلّي - أي بعدم لبس ما لا يؤكل لحمه – فإذا كان الأمر هكذا فلابد من احراز ذلك وأنَّ صلاتي ليست مع لبس ما لا يؤكل لحمه ، وهذا صحيح فإنه لابد من الاحراز ، ولكن الصلاة لم تقيّد بعدم لبس ما لا يؤكل لحمه بنحو العنوان الكلّي ، وإنما الصلاة تقيدت بعدم لبس هذا الذي لا يؤكل لحمه وبعدم لبس ذاك الذي لا يؤكل لحمه .... وهكذا ، لأننا قلنا إنَّ المانعية انحلالية ، فهذا الفرد أشك أنه لا يؤكل لحمه أو لا ، فأشك بتقيّد الصلاة بعدم لبسه ، فأجري أصل البراءة.
وقد تسأل وتقول:- لماذا صار المانع انحلالياً بعدد الأفراد ؟
والجواب:- إنَّ المطلوب في الحقيقة ليس هو العنوان الكلّي ، وإنما العنوان الكلّي هنا أخذ بنحو المشيرية إلى الأفراد ، لا أنَّ الذمة مشتغلة بالصلاة المقيدة بالعنوان الكلّي ، إذ المانع حقيقةً هو هذا الفرد الخارجي لا لبس ما لا يؤكل لحمه الكلّي ، فالصلاة مقيدة بعدم هذا المانع وعدم ذاك المانع وليست مقيدة بعدم لبس ما لا يؤكل لحمه بنحو العنوان الكلّي ، إذ العنوان الكلي ليس مانعاً وإنما هو مشير إلى الأفراد ، وعلى هذا الأساس المانعية انحلالية بعدد الأفراد ، وهذا بخلاف الصلاة مع السورة فإنَّ المطلوب هو الوجود الواحد للسورة ، فعلى هذا الأساس ليست هناك تقيّدات متعددة بل تقيّد واحد وهو الصلاة مع السورة ، فالمطلوب واحد وهو الصلاة مع السورة ، أما هنا فالمطلوب ومتعدد وهو الصلاة مع عدم لبس هذا ومع عدم لبس ذاك ومع عدم لبس ذاك ..... ، فهذه تقيدات متعددة بعدد أفراد ما لا يؤكل وليس تقيداً واحداً ، أما التقيّد برقم مائة وواحد فهو مشكوك ، فهنا أشك في تقيّد الصلاة بعدم لبس هذا ، إذ التقيد بالصلاة بلحاظ المانعية انحلالي إذ الوجود الخارجي لهذا والوجود الخارجي لذاك هو المانع لا العنوان الكلّي ، بخلاف السورة فإنَّ المطلوب فيها هو الوجوب الواحد فلا يصير تعدد ، أما هنا فيوجد تعدد ، وهذه نكتة دقيقة ، وعلى هذا الأساس إذا شككت أنَّ هذا من جلد حيوان لا يؤكل لحمه أو لا فهذا شك في تقيّد الصلاة بعدم لبس هذا فنجري أصل البراءة عن أصل التقيّد بعدم لبس هذا ، وحينئذٍ تقع الصلاة من دون محذور.