40/06/19
الموضوع:- هل حديث الرفع يشمل الأحكام التكليفي الضمنية ؟ - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.
ذكرنا في المحاضرة السابقة أنَّ الشيخ الخراساني(قده) أثار اشكالاً:- وهو أننا لوبقنا حديث الرفع لنفي وجوب الأكثر يبقى الأقل كيف تثبت وجوبه وحديث الرفع هو حديث رفع لا اثبات ، وأجاب بما نقلناه سابقا وهو أنَّ حديث الرفع إذا ضممناه إلى أدلة الأجزاء فهو يرفع لنا الجزئية غير المعلومة - أي المشكوكة - والنتيجة سوف تصير يه وجوب الأقل ولكن اثبتنا وجوب الأقل ليس بحديث الرفع بل بأدلة الأجزاء التي ضممنا إليها حديث الرفع ، فوجوب الأقل سوف يثبت بأدلة الاجزاء لا بحديث الرفع ، نعم ضممنا حديث الرفع إلى أدلة الاجزاء حتى نستفيد منه الرفع للجزء المشكوك مثل السورة فإنه مشوكة الوجوب فيرفعها أما وجوب الباقي فهو ثبات بأدلة الأجزاء لا بحديث الرفع فارتفع الاشكال.
ونحن علّقنا وقلنا:- إنَّ الاجزاء لا يوجد لكل واحد منها وجوب وإنما يوجد عندنا أمر واحد ولكن لا نعلم أنه متعلق بماذا وبحديث الرفع نفينا تعلقه بالأكثر فكيف تثبت تعلقه بالأقل والمروض أنَّ حديث الرفع لا يثبت التعلق بالأقل فهو يرفع لا أنه يثبت ، فعاد الاشكال من جديد.
ثم قلنا إنه ربما يفسَّر كلام الشيخ الخراساني بشيء آخر:- وحاصل التفسير هو أننا يوجد عندنا أمر لا نعلم بتعلّقه بالأكثر أو بالأقل ، فيوجد عندنا علم اجمالي بأن هذا الأمر إما أن يكون متعلقاً بالأكثر أو بالأقل والشيخ الخراساني يبني في باب العلم الاجمالي على مسلك العلّية ومسلك العلية يقول إنَّ الأصل لا يجري في كلا الطرفين بل حتى في طرفٍ واحد ، فمن لوازم ملك العلّية عدم إمكان الترخيص حتى في طرف واحد ، فبناء على مسلك العلّية في باب العلم الاجمالي الذي يقول به الشيخ الخراساني لا يمكن نفي تعلقه بالكثر بحديث الرفع وهو يريد أن يرفعه والطريق إلى رفعه منحصر بأن يثبت أن الأقل واجب جزماً ومعلوم الوجوب تفصيلاً جزماً فانحلّ العلم الاجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي ، وآنذاك نتمكن من اجراء البراءة عن وجوب الأكثر بلا مانع ، من هنا حاول الشيخ الخراساني(قده) أن يثبت وجوب الأقل تفصيلاً بحيث يحصل علم تفصيلي فقال إنه الأجزاء التي يوجد عندنا ليل عليها هي التسعة أما العاشر فلا دليل عليه فنضم حديث الرفع إلى أدلة الأجزاء حتى يرفع لنا الجزئية المشكوكة ، ولا تقل يرفع لنا وجوب الأكثر ، لأنَّ وجوب الأكثر هو طرف والمفروض أنَّ حديث الرفع لا يمكن أن يجري لنفي وجوب الأكثر ، فقل نطبق حديث الرفع لرفع الجزئية المشكوكة يعني جزئية الجزء العاشر المشكوكة ، وجزئية الجزء العاشر ليست طرفاً للعلم الاجمالي - فإن طرفي العلم الاجمالي إما هو جوب الأكثر أو وجوب الأقل - فإذا ضممنا حديث الرفع الذي يرفع لنا الجزئية المشكوكة إلى أدلة الأجزاء الباقية صارت النتيجة هي أنه صار عندنا علم تفصيلي بوجوب الأقل وهي التسعة ولكن عُلِم بوجوب التسعة بأدلتها ، وأما الجزئية المشكوكة فنفيناها بحديث الرفع ، فصار عندنا علم تفصيلي بوجوب الأقل ، وبعدما صار عندنا علم تفصيلي بوجوب الأقل يجري أصل البراءة عن وجوب الأكثر بلا مانع ، لأنَّ العلم الاجمالي قد انحل ، فالشيح الخراساني(قده) يريد بيان هذا لا ما أشرنا إليه وفهمناه أولاً ، فالذي فهمناه أولاً هو أنَّ مقصوده الأساسي هو أنه يريد أن يقول إنَّ تلك الأجزاء جزئيتها ثابتة بأدلتها الخاصة وحينئذٍ بضم حديث الرفع يثبت أنَّ الواجب هو التسعة فقط فثبت وجوب التسعة بالأدلة الخاصة ، فكأن المشكلة عنده هي أنه كيف نثبت وجوب الأقل بعد رفع وجوب الأكثر وحديث الرفع هو حديث رفع لا حديث اثبات ، فنحن كنا نتصوّر أنَّ المشكلة هي هذه وهو قال أنا أثبت وجوب الأقل لا بحديث الرفع وإنما بالأدلة الجزئية الخاصة منضمّاً له حديث الرفع وسوف يثبت وجوب الأقل ، فوجوب الأقل ثبت بأدلة الأجزاء منضمّاً إلى حديث الرفع ، فنحن كنا نتصوّر أنّ المشكلة عنده هي أنه بعد رفع وجوب الأكثر كيف نثبت وجوب الأقل.
أما على ضوء هذا البيان فالمشكلة عنده هي أنه كيف ننفي وجوب الأكثر لا أنه كيف نثبت وجوب الأقل ، فهو ليس في صدد اثبات أنه كيف نثبت وجوب الأقل بل كيف ننفي وجوب الأكثر والحال أنه يوجد عندنا علم اجمالي إما بوجوب الأكثر أو الأقل ، فأبدى هذه الطريقة التي بيّناها حيث قال إن الأقل نعلم بوجوبه تفصيلاً فيجري الأصل لنفي الأكثر بلا مانع حتى بناءً على مسلك العلّية لأنَّ العلم الاجمالي قد انحلّ ، أما كيف نثبت وجوب الأقل ؟ قلنا إننا نثبت ذلك بأدلة الجزئية للأجزاء التسعة زائداً حديث الرفع ، وحديث الرفع لا نأتي به لأجل رفع وجوب الأكثر بل لرفع الجزئية المشكوكة ، فصار الأقل معلوم الوجوب وانحل العلم الاجمالي ، فيجري الأصل عن وجوب الأكثر بلا مانع ، هذا بيان ثانٍ لتفسير عبارة الشيخ الخراساني(قده) ، وهو أوجه من البيان الأوّل ، ولكن الفارق الأساسي بين الفارقين أنه في البيان الأوّل كأن المشكلة بعد رفعه وجوب الأكثر كيف نثبت وجوب الأقل ، أما في هذا البيان نريد أن نقول إنَّ المشكلة ليست هي هذه وإنما هي أنه كيف ننفي وجوب الأكثر والحال أنه يوجد عندنا علم اجمالي بوجوب إما الأكثر أو الأقل والعلم الاجمالي منجّز بنحو العلّية ولا يمكن تطبيق حديث الرفع لنفي وجوب الأكثر ؟ ، ولذلك حاول أن يثبت وجوب الأقل تفصيلاً حتى ينحل العلم الاجمالي وحتى يطبق حديث الرفع لنفي وجوب الأكثر بعدما انحل العلم الاجمالي ، وهذا فارقٌ مهم بين البيانين يلزم الالتفات إليه.ويرد عليه:-أوّلاً:- أنت قلت نضم حديث الرفع لنفي الجزئية المشكوكة إلى أدلة الأجزاء التسعة فصار الأقل معلوم الوجوب ، ونحن نقول: إننا لا نحتاج إلى ضم حديث الرفع لرفع جزئية الجزء العاشر المشكوكة فإنَّ هذا شبيه ضم الحجر إلى الانسان فإنَّ هذه المقدمة لا نحتاج إليها ، لأنه بقطع النظر عن حديث الرفع نعلم بوجوب التسعة - يعني الأقل – تفصيلاً ، فضم حديث الرفع لا داعي إليه ، يعني أنَّ انحلال العلم الاجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي حاصل من دون حاجة إلى ضمّ حديث الرفع لرفع الجزئية المشكوكة منضمّاً إلى أدلة الأجزاء التسعة ، لأنَّ صاحب الكفاية(قده) قال نحن نضم حديث الرفع إلى أدلة الأجزاء - يعني التسعة - وحينئذٍ يثبت وجوب التسعة ، فإذا صار الأقل معلوم الوجوب انحل العلم الاجمالي ، ونحن نقول له: نحن لا نحتاج إلى ضمّ حديث الرفع ، لأنَّ العلم الاجمالي قد انحلّ قبل ضم الحديث ، لأنَّ التسعة يوجد عندنا علم تفصيلي بوجوبها جزماً.
فإذاً هو قد أخذ مقدمة زائدة لا حاجة إليها ، وهذا إن دلّ على شيءٍ فإنما يدل على أنه ناظر إلى البيان الأوّل دون البيان الثاني ، لأنه لو كان ناظراً إلى البيان الثاني فسوف يرد عليه هذا الاشكال - وهو أنَّ ضم حديث الرفع إلى أدلة الاجزاء لا داعي إليه لأنَّ الأقل معلوم وجوبه تفصيلاً بلا حاجة إلى ضم حديث الرفع - ، فهذا كاشف عن كونه ناظراً إلى البيان الأوّل دون البيان الثاني.ثانياً:- إنه قال: نحن نضمّ حديث الرفع إلى وجوب الأقل لنفي الجزئية المشكوكة - أي جزئية الجزء العاشر - ، ونحن نقول:- إنه حتى لو قبلنا بهذا ولكن نقول إنه حينما نرفع الجزئية المشكوكة فهل نرفع معها الأمر بالأكثر - أي العشرة - أو أنَّ الأمر بالأكثر باقٍ ؟ فإن فرض أنك قلت أني أنفي وجوب الأكثر أيضاً فهذا خلف مسلك العلّية ، فإنه بناءً على مسلك العلّية لا يمكن نفي وجوب الأكثر إلا بعد أن يحصل علم تفصيلي بوجوب الأقل ، والعلم التفصيلي لا يحصل إلا بضم بحديث الرفع على نظره ، فإذاً حينما ترفع الجزئية المشكوكة لا يمكن أن ترفع وجوب الأكثر على مسلكك الذي هو مسلك العلّية ، وإن قلت أنا لا أرفع وجوب الأكثر ولكن أرفع الجزئية المشكوكة فهذا تناقض ، إذ كيف ترفع جزئية الجزء العاشر والحال أنَّ وجوب الأكثر باقٍ فإنَّ هذا تناقض وغير ممكن ؟!!