40/06/13
الموضوع:- هل حديث الرفع يعم الشبهات الحكمية ؟ - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.
وادّعى للشيخ العراقي(قده)[1] دعوى ثانية على عكس الدعوى المتقدمة:- فإنَّ الدعوى المتقدمة كانت تقول إنَّ كلمة ( ما ) الموصولة خاصة بالموضوع بقرينة السياق مثلاً ، وبكنه يقول هنا بل كلمة ( ما ) خاصة بالحكم ، وحاصل ما ذكره: هو أنه صحيح أنَّ السياق يقتضي أن نفسّر كلمة ( ما ) بالموضوع لأن المقصود منها في بقية الفقرات هو الموضوع فإنَّ الاضطرار لا يكون إلى الحكم وإنما يكون إلى الموضوع ، وكذلك الاكراه يصير على الموضوع ، والذي لا يطاع هو الموضوع ، فكل هذه العناوين تتعلّق بالموضوع لا بالحكم ، ولكن توجد قرينة على خلاف السياق تضطرنا إلى أن نخالف السياق المذكور ونحكم بأنَّ المقصود من ( ما ) الحكم ، والقرينة هي أنَّ عدم العلم في ( رفع ما لا يعلمون ) حيث نسب عدم العلم نسب إلى نفس ( ما ) ، فلابد وأن تفسّر ( ما ) بتفسيرٍ يقبل انتساب عدم العلم إليه ، فإذا فسّرت ( ما ) بالحكم - أي بالحرمة أو الوجوب - فيصح أن نقول لا أعلم بالحكم ، فعدم العلم يكون منتسباً إلى نفس ( ما ) ، أما إذا فسّرت ( ما ) بالموضوع فأنت وافقت سياق بقية الفقرات ولكن عدم العلم لا تصح نسبته إلى ( ما ) بناءً على تفسيرها بالموضوع ، لأنَّه إذا فسّرنا ( ما ) بالموضوع مثل ذات الخمر فلا معنى لأن يتعلّق عدم العلم بذات الخمر ولا يمكن أن يتعلّق بها ، وإنما يتعلق بوصفها بأن تقول هكذا ( رفع عن أمتي ذات الخمر الذي لا تعلمون بأن شربها شربٌ للخمر ) ، فبالتالي فسّرنا ( ما ) بمعنىً أما عدم العلم فقد تعلّق بشيءٍ آخر.
نكرر ما ذكره:- هو يدّعي عدم العلم حيث قيل ( رفع ما لا يعلمون ) فعدم لعلم منسوب إلى نفس ( ما ) فإذا فسّرت ( ما ) بالحكم فعدم العلم يمكن أن يتعلق بـ ( ما ) يعني رفع الحكم الذي لا يعلم ، وهذا صحيح فإنَّ الحكم يقبل أن ينتسب إليه العلم وعدم العلم ، فتقول علمت بالحكم أو لم أعلم بالحكم وهذا صحيح ، أما إذا فسّرت ( ما ) بالموضوع ومثال الموضوع ذات الخمر فعدم العلم لا معنى لأن يتعلّق بذات الخمر فلا معنى لأن تقول ( رفع ذات الخمر الذي لا أعلم ذات الخمر ) وإنما أقول ( لا أعلم باتصافها بأنها خمر ) فصار العلم بالاتصاف لا بذات الخمر ، فالعلم وعدم العلم لا يتعلّق بالذوات وإنما يتعلق بأوصاف الذوات ، وحينئذٍ يلزم مخالفة السياق من هذه الجهة ، فإنَّ السياق في كل الفقرات الصلة متعلقة بذات الموصول ، أما إذا فسّرنا ( ما ) بالموضوع في ( ما لا يعلمون ) فالصلة سوف تكون متعلّقة لا بنفس ( ما ) بل بشيءٍ آخر ، وهذه مخالفة للسياق ولكن من جهةٍ أخرى.
وعلى هذا الأساس يدور الأمر بين مخالفتين للسياق ، السياق الأوّل هو أنَّ كلمة ( ما ) في الفقرات السابقة يراد منه الموضوع ، فمقتضى السياق يلزم أن نفسّر ( ما ) في ( رفع ما لا يعلمون ) بالموضوع أيضاً ، فإذا فسّرناها بالحكم فهذه مخالفة لسياق بقيّة الفقرات ، فإنَّ بقية الفقرات يراد منها الموضوع ، ولكن يوجد سياق ثانٍ وهو أنَّ ( لا يعلمون ) متعلّق بنفس ( ما ) ، مثل اضطروا فهي أيضاً كذلك ، واستكرهوا أيضاً هي كذلك متعلّق بنفس ( ما ) ، مثلاً ( رفع ما استكرهوا ) وأنت مثلاً أكرهت على شرب النجس فـ( ما ) هي شرب النجس و ( استكرهوا ) تعلّق بـ( ما ) فالصلة متعلّقة بنفس ( ما ) ، و ( رفع ما اضطروا ) فأنت تضطر إلى السفر مثلاً أو إلى شرب النجس أو أكل الميتة ، فحينئذٍ رفع ما اضطررت إليه يعني أكل الميتة الذي هو الموضوع ، فإنَّ ( اضطررت ) منسوب إلى نفس ( ما ) وهو أكل الميتة ، فهنا أيضاً السياق في فقرة ( ما لا يعلمون ) أنَّ عدم العلم منسوب إلى نفس ( ما ) ، يعني نقول أنَّ نائب الفاعل هو نفس ( ما ) ، أي اضطروا إلى نفس ( ما ) ، فمتعلّق الاضطرار هو نفس ( ما ) ومتعلّق الاكراه هو نفس ( ما ) ، وحينئذٍ في فقرة ( ما لا يعلمون ) عدم العلم متعلّق بنفس ( ما ) ، وهذا سياق ثانٍ ، فلو فسّرنا ( ما ) بالحكم فعدم العلم سوف ينتسب إلى ( ما ) وهو الحكم وهو وجيه ، فإنَّ الحكم يقبل تعلّق العلم وعدم العلم به ، فالحرمة مثلاً أعلم بها أو لا أعلم بها ، وبذلك وافقت السياق الثاني لكن خالفت السياق الأوّل ، لأنَّ السياق الأوّل هو أن يكون المقصود من ( ما ) الموضوع ، والآن فسرناها بالحكم فخالفت السياق الأوّل ، ولكن حافظت على السياق الثاني ، أما إذا فسّرنا ( ما ) بالموضوع يعني بذات الخمر فمن المعلوم أنَّ ذات الخمر لا يمكن أن يتعلّق العلم وعدم أعلم بها ، وإنما العلم وعدم العلم يتعلّق بوصفها يعني أن شربها هو شربٌ للخمر ، أما أنه أعلم ذات الخمر أو لا أعلم بذات الخمر فهذا غير صحيح ، بل قل لا أعلم بالوجود أو لا علم بأن شربها شربٌ الخمر ، فالعلم وعدمه يتعلّق بالأوصاف أما الذات فلا تقبل أن يتعلق بها العلم وعدم العلم.
فإذاً يوجد عندنا سياقان ، والمناسب أن نفسّر كلمة ( ما ) بالحكم حتى يمكن تعلّق عدم العلم بنفس ( ما ) ، يعني نحافظ على السياق الثاني ونخالف السياق الأوّل ، والدليل على ترجيح السياق الثاني هو أنَّ العرف يرى ذلك ، يعني أنه عند الدوران بين سياقين من هذا القبيل فالعرف يحافظ على السياق الثاني الذي تكون فيه الصلة مرتبطة بنفس ( ما ) ، فيلزم أن نفسّر ( ما ) بالحكم حتى يمكن تعلّق عدم العلم بنفس ( ما ) فإنَّ العرف يصنع هكذا.ثم ذكر بعد ذلك شيئاً وقال:- إننا سوف نفسّر ( ما ) بالحكم ولكن الحكم إما أنه لا يعلم به لاشتباه الأمور الخارجية أو لا يعلم به لفقدان النص أو اجماله أو تعارض النصّين ، وبذلك يصير الحكم أعم من الحكم الجزئي الذي يصير الشك فيه ناشئاً من اشتباه الأمور الخارجية - والذي نعبّر عنه بالشبهة الموضوعية - أو الناشئ من فقدان النص أو تعارض النصّين - والذي نعبّر عنه بالحكم الكلي وتصير الشبهة حكمية - ، ومن هذه الجهة فلنعمّم ، لأنَّ ( ما ) بالتالي بقيت هي الحكم ولكن منشأ الشك في الحكم مختلف.
وهذا معناه أنّ الشيخ العراقي(قده) جعل الرواية شاملة للشبهة الحكمية والموضوعية معاً ، فتوصل إلى العموم ولكن بهذا الطريق.ويردّه:- إنه قال: لو فسّرنا ( ما ) بالموضوع فلا يمكن تعلّق العلم وعدم العلم بنفس ( ما ) ، ولكن نقول:- بل يمكن ذلك ، فأنت فسّرت الموضوع بذات الخمر ، ولكن نقول بل فسَّره بشرب الخمر ، لأنَّ شرب الخمر موضوع أيضاً ، فـ( رفع ما ) أي شرب الخمر الذي لا يعلم ، فالشرب صفة فيتعلّق به العلم وعدم العلم ، ولا توجد آية أو رواية تقول ( إذا كان يقصد من ما هو الموضوع فالموضوع فإذاً هو الذوات دون الأوصاف والأفعال ) ، بل الأفعال والأوصاف هي موضوع من الموضوعات ، يعني أنا أشك الآن في أنَّ الذي أشربه الآن هو شربُ الخمر أو شربُ الحرام أو لا ؟ ، فإذا قلت أنا أشك بأن شربي هذا هو شرب الحرام أو لا أليس هذا شبهة موضوعية ؟ نعم هي شبهة موضوعية ، فالشبهة الموضوعية لا يلزم أن تتعلّق بالذوات ، بل لنفسّر ( ما ) بالفعل أو بالوصف ، وحينئذٍ عدم العلم يتعلّق به ، فيرتفع الاشكال حينئذٍ.