40/06/07
الموضوع:- هل الرفع واقعي أو ظاهري - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.
أجاب الشيخ النائيني (قده)[1] [2] بما حاصله:- إنَّ المقصود من الرفع هنا هو الدفع ، فإن كل رافع هو دافع حقيقةً لا مجازاً ، فمادام كذلك فيقصد حينئذٍ من الرفع هنا الدفع ، أما كيف كل رافع هو دافع ؟ أجاب وقال: نحن نعرف أنَّ الممكن يحتاج في كل آنٍ إلى تأثير المقتضي فالمقتضي لابد وأن يؤثر في آنٍ في المقتضى لا أنه يؤثر مرة في البداية يعني مثلاً النار هي دائماً في كل آنٍ آن تؤثر في الاحراق لا أن تأثيرها الأول في البداية يكفي في تحقق الاحراق إلى الأبد كلا بل الاحراق في كل آن يحتاج إلى امداد فلابد أن يؤثر المقتضي في المقتضى في كل آن وبشكل مستمر ويقف أما تأثير المقتضي الماء - الرطوبة - فالماء والرطوبة إذا هي في كل آن تدافع وتمنع من هذا التأثير في الاحراق ، فهي تمنع من تحقق الاحراق فالرطوبة إذاً سوف تصير دافعة لأن النار تريد أن تؤثر في هذا الآن في الاحراق والماء يمنع من تأثيرها ، وكذلك في الآن البعدي النار تريد أن تؤثر في الاحراق والماء يمنع من تأثيرها أيضاً ، لأننا قلنا إنَّ الممكن في تحققه يحتاج دائماً في تحققه إلى المقتضي في كل آنٍ ولا يكفي تحقق المقتضي في البداية ، فالنار في الآن الأوّل تريد أن تؤثر والرطوبة تمنع ، فصارت الرطوبة إذاً دافعة لا رافعة ، وفي الآن الثاني تريد النار أن تؤثر فتقف الرطوبة أمامها ..... وهكذا ، فإذاً الرافع هو دائماً يرجع في حقيقته إلى الدافع بهذا البيان.
ويردّه:- إنَّ هذا يمكن أن نعبّر عنه بإثبات اللغة من خلال الدقة الفلسفية ، فإنَّ الشيخ استعان لتصحيح استعمال كلمة ( الرفع ) المقصود منه الدفع بهذه الدقة الفلسفية - وهي أنَّ الممكن في كل آنٍ يحتاج إلى المقتضي ومادام يحتاج في كل آنٍ إلى المقتضي فالرطوبة سوف تصير دافعة فهي تمنع من تأثير هذا المقتضي في الاحراق فهي دافعة - وهذا اثبات لصحة هذا الاستعمال وثبات للغة من خلال الدقة الفلسفية.
ولك أن تقول بعبارة أخرى:- ما دام اللغة تشترط في صحة استعمال كلمة الرفع تحقق المقتضى وأن المقتضى - وهو الاحراق في موردنا - لابد أن يتحقق آنذاك يقال للرطوبة أنها رافعة ، أما إذا لم يتحقق الاحراق فيقال لها دافعة ، فمادام اللغة قد فرّقت بهذا الشكل فحينئذٍ لا معنى لأن يقول الشيخ النائيني(قده) هناك جهة اشتراك بين الرافع والدافع وأن كلّ واحدٍ هو يمانع الآخر ، فالرطوبة مثلاً تمانع من تأثير المقتضي ، فصحيحٌ أنهما يشتركان من هذه الناحية ولكن اللغة تشترط في صحة استعمال كلمة الرفع أن يفترض تحقق الأثر ثم يقال للرطوبة أنها رافعة وإلا لا يقال هي دافعة ، فبالتالي يبقى الاشكال متوجهاً على الشيخ النائيني(قده) وأنه لغةً هذا لا يقال له رافع ، لأنَّ الأثر لم يتحقق أوّلاً حتى يصدق عنوان الرفع ، فإذاً يبقى الفارق موجود بين الرافع والدافع ولم يحل لنا الاشكال.
والخلاصة:- إنَّ مجرّد اشتراك الدافع والرافع في ناحية - وهي أنَّ كل واحد منهما يدافع المانع - لا يكفي في استعمال الرفع مكان الدفع أو بالعكس بعدما اشترطت اللغة في استعمالهما أنَّ الرفع يكون في موارد وجود الأثر وتحققه في المرتبة الأولى وإلا فلا يصدق الرفع وإنما يصدق الدفع ، وبالتالي بقي الاشكال على حاله.
والأجدر في مقام الجواب أن يقال:- إنَّ كلمة الرفع تستعمل لغةً في المعنى المتقدم - يعني حالة وجود الأثر فإذا تحقق الاحراق يقال آنذاك الرطوبة رافعة - كذلك تستعمل في موارد لا يكون الأثر فيها متحققاً في المرحلة السابقة فإنه عرفاً هكذا ، يعني يكتفى بتحقق المقتضي فيقال مثلاً رفع الله العذاب عن تلك الأمة من الأمم - كأمة يونس عليه السلام - بسبب الدعاء ، فنقول هنا رفعٌ ، صحيح هو دفعٌ ولكن في نفس الوقت قولنا هو رفعٌ يكون صحيحاً ، فالإطلاق العرفي كما تستعمل كلمة الرفع في موارد تحقق الأثر ايضاً ، نقول مجيء الضيف رفع عنّا مشكلة والحال أنَّ المشكلة لم تطرأ فهو رفعها أيضاً ، فالرفع أيضاً يستعمل عرفاً بمعنى الدفع وهذه التفرقة إما تفرقة دقية أو أنها عرفية ولكن في نفس الوقت عرفاً يستعمل كلمة الرفع في مورد الدفع كما في الأمثلة التي ذكرناها ، فإذا كان هنا اطلاق عرفي في استعمال كلمة الرفع في موضع الدفع فنقول هنا في الحديث الشريف الأمر هكذا ، فنقول إنَّ ( رفع ما لا يعلمون ) يقصد منه هذا المعنى ، فإذاً لا إشكال ، فإن قبلت بهذا فبها ونعمت ، وإن لم تقبل به فقل إنَّ هذا استعمال مجازي ، فسلّمنا أنَّ كلمة الرفع قد استعملت في الدفع مجازاً ، إذ لا يحتمل أن يراد الرفع بمعناه الحقيقي ، فبالتالي أريد الدفع مجازاً.
فإذاً إما أن نقول هذا استعمال حقيقي عرفي وإذا أنكرنا هذا قل إنه استعمال مجازي.