40/05/23
الموضوع:- أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.
وعلى هذا الأساس نسأل ونقول:- إنه بناءً على هذا هل يصح التمسّك بإطلاق الآية الكريمة آنذاك ؟ نعم ، فإن فائدة دفع الاشكال هو التمسّك بالإطلاق ، هكذا قد يقال.
وهو شيء وجيه ، ولكن حيث إنًّ مورد الآية هو المال فيكون هو القدر المتيقن ، أو من قبيل أنه قد اتصل بالكلام ما يصلح للقرينية فحينئذٍ يشكل التمسّك بالاطلاق ، فإننا زدنا في مقدّمات الحكمة مقدمة وهي أن يستهجن الاطلاق على تقدير كون المراد واقعاً هو المقيد ، وقد قلنا هذه المقدمة بديهية فلا يتمكن أحد من أن يقول ما هو الدليل عليها فإنَّ هذا واضح ، فأنت إذا كنت تقول لا يستهجن الاطلاق لو كان المراد هو المقيد واقعاً فحينئذٍ كيف تتمسّك بالإطلاق ، لأنَّ المتكلم يتمكن أن يقول إنَّ مقصودي هو المقيد وإنّي لم أقيد لأنَّ المفروض أنَّ الاطلاق لا يسهجن ، فعلى هذا الأساس نقول في موردنا إنَّ المتكلم لو ظهر وقال إن مقصودي هو المقيد - يعني خصوص المال - فلا يستهجن منه ذلك ، إذ يعتذر ويدافع عن نفسه ويقول أنا لم أقيد لأنَّ حديثي كان عن المال فأعطيتُ قاعدةً عامة في باب المال ولس في الأبواب الأخرى ، إذاً كيف نتمسّك بالإطلاق بعد فرض كونه لا يستهجن على تقدير كون المقيد هو المراد واقعاً ؟!! ، وحينئذٍ هذا إشكال سوف يُسجَّل.فإذاً حتى لو قبلنا بأنَّ النسبة واحدة ولا يوجد فيها تعدد ، ودفعنا إشكال الشيخ الأنصاري(قده) ، ولكن سوف نواجه هذا الاشكال وهو أنَّ الاطلاق لا يمكن التمسّك به لأجل أنه لو كان مراده المقيد واقعاً ، فلا يستهجن ذلك منه.نعم هناك مخلص للوصول إلى نتيجة الاطلاق وذلك بأن يقال:- صحيح إنَّ مورد الآية الكريمة هو المال ولكن العرف لا يفهم خصوصية للمال ، فكل شيء لم يؤتِه الله عزّ وجل سواء كان مالاً أو فعلاً أو تكليفاً فهذا إلغاء خصوصية المورد ، نظير ما إذا قيل ( اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه ) فنتعدّى من الثوب إلى العباءة والجبَّة وغير ذلك مما لا يصدق عليه الثوب لإلغاء الخصوصية عرفاً من هذه الناحية ، وهنا أيضاً يمكن أن يقال إنَّ العرف يلغي الخصوصية من هذه الناحية ، وبالتالي تثبت سعة الآية الكريمة ، وبهذا اندفع هذا الاشكال.
ولكن بقى إشكال آخر إذا تمكنا من دفعه فسوف يكون الاستدلال بالآية الكريمة تاماً:- وهو أنه يحتمل أن يكون المقصود من الآية الكريمة بيان السببية دون الموردية ، يعني أنَّ الآية الكريمة تريد أن تقول ( بسبب كذا وكذا الذي لم يؤته - وهو المال والفعل والتكليف - لا يوجد تكليف ) ، فإذا كان هذا المقصود فهو لا ينفعنا ، فإنَّ دليل الاخباري على وجوب الاحتياط سوف يكون دالا ًعلى لزوم الاحتياط فيرتفع هذا ، لأنَّ هذا يقول بسببي لا يجب الاحتياط ، أما بسببٍ آخر - وهو ورود أدلة وجوب الاحتياط لو تمت - فهو ليس بصدده ، ونحن نريد دليلاً على البراءة بحيث يقف أمام دليل الاخباري ، أما بناءً على السببية فدليلنا سوف لا يقف أما دليل الاخباري لأنه يقول بسببي أي بسبب المال أو بسبب الفعل أو بسب التكليف الذي لم يؤته الله عزّ وجل بسببه ومن ناحيته لا تكليف ، وهذا لا يتنافى مع وجود تكليف من ناحية أدلة وجوب الاحتياط.
هذا إشكال يوجَّه ، فإذاً لابد من اثبات أنَّ المقصود هو الموردية ، يعني يصير المعنى هو أنه في مورد الأشياء التي لم يؤتها الله عزّ وجل لا تكليف ، وليس المقصود هو السببية ، وإنما المقصود هو الموردية ، فهذا يقف أمام دليل الاخباري ويكون دليلاً قوياً في مقابل دليل الاخباري.وكيف نثبت أنَّ المقصود هو الموردية ؟إذا فرضنا أنه حصل إجمال فلا ينفعنا هذا الدليل ، لأنه يصير مجملاً ، فلا يمكن أن يقف أمام دليل الاخباري ، إلا اللهم أن تستعين بشيء ، وذلك بأن تقول: إنه بقرينة المال والفعل المناسب هو الموردية ، فإنَّ الذي يصلح للسببية هو التكليف ، أما المال والفعل فلا يصلح للسببية وإنما يصلح للموردية ، فهذا يصير قرينة على كون المقصود هو الموردية دون السببية ، وحينئذٍ إن تم هذا فسوف يتم الاستدلال بالآية الكريمة ، وإلا إذا توقفنا من ناحية هذا فالاستدلال بها يكون محل إشكال.