40/05/09
الموضوع:- أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.
قلنا إنَّ ما تقدم لا يكفي لإثبات منجزية الاحتمال بل لابد من إقامة دليلٍ على منجّزية الاحتمال.ونذكر بعض الدلة في هذا المجال:-الدليل الأول:- ما أفاده السيد الشهيد(قده)[1] [2] ، وحاصله: إنه توجد مسألتان كان من المناسب بحثهما في موردٍ واحد ، ولكن بحثت واحدة منهما في موردٍ والأخرى بحثت في مورد آخر ، ولو بُحثتا في موردٍ واحد لما وقع ما وقع ، المسألة الأولى وجوب إطاعة المنعم ، يعني حق الاطاعة للمنعم علينا - والمنعم علينا هو الله عزّ وجل - ، وهذه المسألة قد بحثت في علم الكلام ، والمسألة الثانية هي منجزية الاحتمال وقد بحثوها في علم الأصول ، وكان من المناسب بحث كلتا المسألتين في علم الكلام ، ففي علم الكلام نقول: إنَّ الله عزّ وجل حيث إنه منعم علينا فله حق الاطاعة ، وما هو الدليل على أنَّ للمنعم حق الاطاعة ؟ لعل إقامة الدليل البرهاني عليه غير ممكن وإنما هو أمر وجداني ، فهو من القضايا القطعية الوجدانية ، ثم بعد أن اثبتنا حق المنعمية بالوجدان نبحث عن سعة دائرة هذا الحق وضيقها ، فهل هو وسيع ويشمل ما قطعنا بالتكليف فيه وما ظننا فيه وما شككنا أو يختص في دائرة المقطوعات ؟ ، فإذا بحثنا هذا في علم الكلام فيمكن أن نقول في علم الكلام إنه كما ندرك بالوجدان أنَّ الله عزّ وجل له حق الاطاعة ندرك بالوجدان أيضاً حيث أنَّ منعميته وسيعة ومن جوانب لا تعد ولا تحصى فحق منعميته يشمل حتى حالة الظن بل والاحتمال ، والمثبت لكل ما نقوله الوجدان ، فلو كنّا نبحث مسألتي اثبات حق الاطاعة وسعة حق الاطاعة للاحتمال والظن في موردٍ واحد في علم الكلام فسوف نؤمن جميعاً بسعة حق الاطاعة وأنه يشمل الاحتمال أيضاً ، ولكن الذي ذكر في علم الكلام فقط هو أنَّ له حق المنعمية ، أما سعة هذا الحق فقد بحثوه في علم الأصول ، وحينما فَصَلوا بينهما قالوا إنما تجب الاطاعة في حالة القطع دون حالة الاحتمال ، وهذا حصل بسبب هذا الفَصل ، ولو لم يفصِلوا لجزموا بسعة حق الاطاعة بعدما كانت المنعمية له عزّ وجل لا تعدّ ولا تحصى ، ومادامت لا تعد ولا تحصى فيكون حق المنعمية له وسيعاً ويشمل الاحتمال أيضاً.
وفي التعليق نقول:- صحيح أنَّ الله عزّ وجل له المنعمية علينا وهذا الحق وسيع ويشمل حتى الاحتمال ، ولكن هذا الحق حقان ، وهذا مطلبٌ لابد من بحثه أيضاً ، فلو فرض أنَّ شخصاً من المؤمنين زوّجني وعلّمني وأعطاني مالاً واشترى لي داراً واشترى لي سيارة وهيأ لي كل ما أريد فسوف يصير له الفضل عليَّ والمناسب لحق الفضل أني لو احتملت أنه يريد ماءً أن أقوم وأجلب له الماء بسرعة ، أو احتملت أنه يريد كتاباً فسوف أقوم وأجلبه له بسرعة ، أو قال لي افعل كذا فسوف أقوم بسرعة بتنفيذه ما طلب مني ، وهذا صحيح وندركه بوجداننا ، ولكن إذا لم أنفذ ذلك فهل له حق الاطاعة بمعنى أنه يحقّ له أن يعاقبني أو يعذبني بالنار ؟ كلا ، فهنا صار حقّ المنعمية مشتركٌ مجملٌ ، فيوجد حق إطاعة بهذا المعنى والذي نعبّر عنه في تعبيراتنا العرفية أنه ( من المناسب ) ، فمن المناسب أن تنفّذ كل ما يقول ويريد ولو احتملت مراده احتمالاً ضعيفاً ، وكل هذا نصنعه بمقتضى الحق الذي له ، وإذا لم يطبق الإنسان هذا فسوف نلومه ، أما أنَّ ذلك المنعم له الحق في أن يضربني أو يحرقني فهذا أول الكلام ، فأوّل الكلام أنَّ حق المنعمية بهذا الشكل ويشمل حالة الاحتمال.
إذاً نحن نسلّم للسيد الشهيد(قده) أنَّ حق الاطاعة بسبب المنعمية ثابت لله تعالى ، ولكن هذا الحق عرفاني عرفي اجتماعي عقلائي ، ولكن يوجد حق ثانٍ وهو حق المؤاخذة والعقوبة فالمحسن والمنعم عليَّ هل له حق العقوبة بحيث يمكنه أن يعاقبني ؟ كلا ، وكلامنا هو في الثاني دون الأول ، والذي ندركه بوجداننا هو الأوّل ، وأنه وسيع هو الأول ، وليس الثاني.