40/05/08
الموضوع:- أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.
وفيه:- إنَّ القضية الأساسية والركن الركين في هذا البيان هي أنَّ المحرك للعاقل هو الشيء بوجوده العلمي أما من دون علم فلا يكون قابلاً للتحريك ، ونحن نرفض هذا ، فمن أين لك أن المحرّك للإنسان هو الشيء بوجوده العلمي دونه بوجده الواقعي ، فنحن نقول إنَّ هذه القضية قابلة للمناقشة ، بل الإنسان يتحرك ليس تبعاً للوجود العلمي بل للوجود الظني أو الاحتمالي أيضاً ، فنحن في الكثير من الأحيان نتحرك لأجل الاحتمال أو الظن ، فلو احتملنا أنَّ عدواً سوف يدخل النجف الأشرف فسوف يحركنا نفس هذا الاحتمال ولا يحتاج إلى الظن ، أو فرض أننا احتملنا البعض يوزّع كتباً مفيدة فسوف نتحرك بسبب هذا الاحتمال ، ولو قالوا يوجد أسد فسوف نتحرك كلّنا ، فكيف تقول إنَّ الأشياء بوجوداتها الواقعية لا تكون محرّكة بل بوجوداتها العلمية ، فكان من المناسب أن يقول ( أن الأشياء تكون محرّكة بوجوداتها الواقعية أو الظنية أو الاحتمالية ) ، وبالتالي سوف تفشل قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، لأنَّ الاحتمال سوف يصير منجّزاً.
الدليل السادس:- ما أفاده الشيخ الأصفهاني(قده)[1] والسيد البروجردي(قده)[2] ، وحاصله: إنَّ الحكم الحقيقي هو الحكم المجعول بداعي التحريك ، فإذا لم يكن هناك داعٍ للتحريك فهذا الحكم ليس حكماً حقيقياً ، والمحرّكية والباعثية فرع الوصول ، فمن دون وصولٍ لا باعثية ولا تحريك ، فلا تكليف حقيقي حتى يصحّ العقاب عليه.
وفي الجواب نقول:-أولاً:- إنك قلت إنَّ التكليف الحقيقي هو ما كان مجعولاً بداعي المحرّكية والباعثية ، وما المقصود من ذلك ؟ فهل المقصود هو التحريك الفعلي بحيث يكون محركاً بالفعل ، أو المقصود هو التحريك الشأني يعني له شأنية التحريك ، وشأنية التحريك تثبت إذا علم به ، فإنه له شأنية التحريك غاية الأمر قد لا يتحرك بالفعل من باب تمرّده وعصيانه ولكن تلك قضية أخرى ولكنه له قابلية التحريك على تقدير العلم به ، فنسأل ونقول:- ما المقصود من كون التكليف مجعولاً بداعي التحريك فهل هو مجعول بداعي التحريك الفعلي أو بداعي التحريك الشأني وبنحو القابلية ؟ والأوّل لا يمكن الالتزام به ، لأنه يلزم منه أن لا يوجد تكليف في حق العصاة ، لأنه لا يوجد تحريك فعلي في حقهم ، لأنه لا يهتمون بذلك ، فلا يوجد تحريك فعلي في حقّهم ، فلا يوجد تكليف حقيقي ، فلا يكون عاصياً ، يعني صار حال العاصي أحسن من حال المؤمن.
وأما إذا كان المقصود هو داعي التحريك بنحو الشأنية - يعني على تقدير العلم به - فهذا التكليف يكون ثابتاً حتى في حق غير العالم ، لأنه بالتالي هو جاهل ، فعلى تقدير أن يتعلّم يكون محركاً له ، فالتحريك الشأني موجود لكن بالتالي قبل العلم يوجد في حقّه تكليف ، وهذا عكس ما يريده الشيخ الأصفهاني(قده) ، لأنه أراد أن يقول إنَّ غير العالم أصلاً لا يوجد في حقه تكليف حقيقي وإنما التكليف الحقيقي فرع العلم أما قبل العلم فاصلاً لا يوجد تكليف حقيقي في حقه فالعقوبة مرفوعة من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، أما من خلال كلامنا فقد اتضح أنه يوجد تكليف في حقه.ثانياً:- إنه بناءً على ما أفاده يلزم عدم وجوب تعلّم الأحكام ، لأنه قبل تعلّمها لا يوجد علمٌ بها ، فلا تكليف حقيقي في حقه ، فماذا يتعلّم فهل يتعلم اللا شيء ، فيلزم أنَّ يكون التعلّم في حقّ المكلف ليس بلازم إذ لا تكليف حقيقي قبل العلم فلماذا يتعلم ؟!!
ثالثاً:- إنه قال إنَّ التكليف الحقيقي فرع الوصول ، ونحن نقول:- إنَّ هذا صحيح ، ولكن بماذا يتحقق الوصول ؟ فإن قال هو يتحقق بالعلم فهذا عين المتنازع فيه ، فإنَّ نزاعنا هو أنَّ وصول التكليف بم يتحقق فهل يلزم وصوله بالعلم أو يكفي الاحتمال ؟ ، فلو قال إنه يتحقق بالعلم فهذا عين المتنازع فيه ، فنحن نسلّم أنَّ التكليف الحقيقي لا ثبت إلا بعد الوصول ، أما تفسير الوصول بخصوص العلم وعدم تعميمه للظن والاحتمال فهو عين المتنازع فيه ، وهو لم يُقمِ دليلاً عليه ، فكيف تأخذ هذه المقدّمة التي هي متنازع فيها.
الدليل السابع:- ما أفاده الشيخ الأصفهاني(قده)[3] أيضاً ، وحاصله: إنَّ مخالفة ما قامت عليه الحجة لا يجوز لأنَّ ذلك ظلم للمولى وخروج عن زيّ العبودية ، وحيث إنَّ الحجة تدور مدار العلم فمن دون علمٍ لا حجة ، وبالتالي عدم الاطاعة لا يكون ظلماً وخروجاً عن زيّ العبودية.
وفيه:- إنّ المقدمة الأولى تامة - وهي أنَّ الظلم لا يجوز وهو مخالفة ما قامت عليه الحجة وأنه خروج عن زي العبودية - ، ولكن المقدمة الثانية - وهي أنَّ الحجة تدور مدار العلم فمن دون العلم لا حجة - هي عين المتنازع فيه ، فعليك أن تثبت أنّ الحجة فقط وفقط هي العلم أما غير العلم فليس بحجة ، ونحن نقول إنَّ الظلم والخروج عن زيّ العبودية يتحقق بمخالفة الحجّة ولو كانت ظناً ، بل لعلّ الشاهد على العكس ، فلو فرض أني ظننت أنَّ أحد الأصدقاء مريض ولكن مع ذلك لم أذهب إليه ثم تبين أنه مريض حقاً فهل له الحق في أن يعاتبني ؟ نعم له الحق في ذلك ، لأنه يوجد عندي ظنٌّ بذلك.
فهو حصر الخروج عن زيّ العبودية وزيّ الصداقة - كما في مثالنا - يكون بمخالفة العلم ، ونحن نقول: كلا ، بل سيرتنا جارية على ذلك[4] حتى في حالة مخالفة الظن ، وما ذكرته عين المتنازع فيه.
إذاً اتضح من خلال كل هذا أن الوجوه الي ذكرت لإثبات قاعدة قبح العقاب بلا بيان وأن الحجة فقط وفقط هي البيان اتضح انها قالة للمناقشة.ولكن هل يكفينا هذا المقدار في المصير إلى منجّزية الاحتمال ؟والجواب:- كلا فإنَّ هذا باطل ، ومنجّزية الاحتمال لابد أن نقيم دليلاً عليها ، فلعل الاحتمال ليس بمنجّز، فافترض أنَّ تلك الأدلة قد بطلت ولكن في نفس الوقت يمكن أن يقال إنَّ الاحتمال ليس بمنجّز ، فبطلان تلك الأدلة لا يستلزم منجّزية الاحتمال ، ولابد من إقامة أدلة على منجزيته ، ومن هنا نشرع في الأدلة على منجّزية الاحتمال.