40/05/02
الموضوع:- الأصل التنزيلي والأصل المحرز - مبحث الأصول العملية.
فوائد جانبية:-الفائدة الأولى:- ذكرنا أنَّ المثال الذي ذكر للأصل التنزيلي هو أصالة الحل ، وقلنا إنَّ الثمرة تظهر في طهارة المدفوع ، وقد قلنا إنَّ الثمرة تتوقف على كون المقصود من الحِل في أصالة الحلّ هو الحلّية الواقعية ، فإذا كان المقصود هو الحلّية الواقعية يعني ( كل حيوان حلال اللحم واقعاً فرجيعه طاهر ) ، وقلنا إنَّ ( كل شيء لك حلال ) تنزيلي ينزّل الحلّية الظاهرية منزلة الحلّية الواقعية ههنا تثبت الثمرة.
والذي نريد أن نقوله الآن:- إنَّ الدليل الذي كان يقول ( ما كان حلال اللحم مدفوعه طاهر ) فـ ( حلال الأكل ) أو ( حلال اللحم ) فيها ثلاث احتمالات و، الأول حلّية ظاهرية ، والثاني وحلّية واقعية ، ويوجد احتمال ثالث وهو المشيرية إلى الأفراد الواقعية للحلال ، فهناك أفراد حلال في الشريعة الاسلامية كالدجاج والبقر والغنم والإبل وما شابه ذلك ، فيوجد احتمال أنَّ المقصود من ( كل ما هو حلال اللحم ) الإشارة إلى كونه خروفاً أو جملاً أو بقرةً ، يعني أنَّ الحلّية ليست ملحوظة بعنوان حلّية بما هي حلّية ، بل النص يريد أن يقول إذا كان غنماً أو إبلاً أو بقراً أو ما شكل ذلك فمدفوعه طاهر ، ولكن لا يستطيع أن يأتي بكل هذه الأشياء فإنَّ الكلام سوف يصير طويلاً وغير لائق فعبّر عن ذلك بتعبير ( إذا كان حلال اللحم ) فهو أخذ بنحو المشيرية إلى أفراد الحلال واقعاً.
ونحن نترك احتمال الحلّية الظاهرية ، حيث قلنا إنَّ كل حلّية ظاهرية هي في الحقيقة حلّية واقعية ، ولا توجد حلّية ظاهرية وحلّية واقعية ، وهذا ليس بمهم ونغض النظر عنه الآن ، لكن الذي نريد أن نبيّنه هو الاحتمال الثالث وهو أن يؤخذ بنحو المشيرية ، فإذا كان المقصود هو هذا فإذا طبّقنا أصالة الحل وقلنا هي أصل تنزيلي - على رأي الشيخ النائيني(قده) - فهل تنفعنا في اثبات طهارة المدفوع أو لا ؟ إنها لا تنفعنا في اثبات ذلك ، لأجل أنَّ المهم هو اثبات أنّ هذا الحيوان غنم أو أبل أو بقر لا أنه حلال الأكل ، ومن المعلوم أنَّ ( كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام ) أقصى ما يثبته الحلّية[1] ، أما أنه يثبت لك أنه بقر أو غنم أو إبل فلا ، فالثمرة لا تترتب.
وهذا الاحتمال له وجاهة ، ولكن هو المقصود جزماً ؟ كلا ، وعند التردّد يكفي الاجمالي ، وعليه فسوف الثمرة سوف تزول ، ولذلك لابد الشيخ النائيني(قده) أن يستظهر بضرسٍ قاطع أنَّ المدار على الحلّية الواقعية لا أن يتردد ، فبمجرّد التردد يصير إجمالٌ فتنتفي الثمرة.الفائدة الثانية:- لو رجعنا إلى الروايات فقد لا نجد رواية تقول ( ما كان حلال الأكل فمدفوعه طاهر ) ، نعم توجد رواية وهي موثقة عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام تقول هكذا:- ( كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه )[2] ، فإذا كان الحديث بهذا الشكل ولم يكن بعنوان ( ما كان حلال الأكل فرجيعه طاهر ) هل يتغير كل ما قلناه أو أنه لا يؤثر شيئاً ؟ الظاهر أنه لا يؤثر شيئاً ، يعني لا يوجد فرقٌ بين أن يكون التعبير بـ ( حلال الأكل ) أو ( أكل لحمه ) لأنَّ مقصود الامام عليه السلام من ( أكل لحمه ) ليس الأكل الخارجي وإنما المقصود جزماً أنه هو حلال الأكل شرعاً ، فيبقى الكلام في أنه هل المقصود هو الجواز الواقعي أو الجواز الظاهري أو المشيرية بنحو الأفراد ، وهذا المقدار من الاختلاف لا يؤثر على مسألتنا.
الأمر الخامس:- النزاع في قاعدة قبح العقاب بلا بيان صغروي لا كبري.
وحاصل هذا المطلب:- إنه يمكن أن نقول إنَّ الكل قد اتفق على التسليم بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، حتى الاخباري ، فكل الاخباريين والأصوليين يسلّمون بها ولا يوجد مخالف أبداً ، حتى السيد الشهيد الذي أنكرها هو وقبله الشيخ الطوسي والشيخ المفيد ، وقد مرّ في الرسائل أنَّ البعض من القدماء شككوا فيها ، ولكن الكل يتفقون على التسليم بها ، إنما الفارق بينهم هو في صدق البيان وعدم صدقه ، فالإخباري يقول إنَّ البيان موجود بأخبار الاحتياط التي دلت على أنَّ ( أخوك دينك فاحتط لدينك ) ، فإذا لم تكن أخبار الاحتياط موجودة فهو يسلّم بقبح القعاب ، فإذاً هو يدّعي أنَّ البيان موجود ، وعليه فسوف يصير نزاعه في قاعدة قبح العقاب صغروي وليس كبروياً ، وهكذا السيد الشهيد(قده) الذي يقول إنَّ الاحتمال يكفي في البيان ، فهو يعدّ الاحتمال بياناً ، فإذاً هو أيضاً يتّفق على أنه إذا لم يكن هناك بيان فسوف يقبح العقاب.
فإذاً الكل متفق على قبح العقاب إذا لم يكن هناك بيان ، إنما اختلافهم في أنه يوجد بيان أو لا يوجد بيان ، فإذاً هي قاعدة مسلّمة كبروياً لكن الخلاف صغروي.