40/04/25
الموضوع:- الفرق بين الأصل والأمارة - مبحث الأصول العملية.
الوجه الثاني:- ما أفاده الشيخ النائيني(قده)[1] [2] ، حيث قال: نحن نبني على مسلك جعل العلمية ، يعني أنَّ المجعول في باب الأمارة هو العلمية ، وإذا جعل الخبر أو غير الخبر من الأمارات علماً فسوف تثبت اللوازم جزماً ، فإني بعد أن صرت عالماً بحياة زيد بسبب الخبر مثلاً[3] ، فإذا كان الخبر خبر الثقة وحصل ظنٌّ فالشارع جعل هذا الظن علماً ، والعلم بالشيء علمٌ بلوازمه ، فالشارع بعد أن جعلني عالماً بحياة ولدي[4] فإذاً قد جعلني عالماً بنبات لحيته وبقية الأمور.
فإذاً حجية الأمارة في لوازمها غير الشرعية هي من آثار مسلك جعل العلمية.والاشكال عليه واضح:- وقد ذكره المحقق العراقي(قده) ، وهو إنَّ العلم بالشيء علم بلوازمه إنما يتم في العلم التكويني الحقيقي دون العلم التعبّدي الاعتباري ، ففي العلم التكويني مَن عَلِم مائة بالمائة بوجود النار في الدار فقد علم بأنَّ الدار قد احترقت ، فإنَّ من لوازم وجود النار هو الاحتراق ، فهذا علمٌ تكويني ولازمٌ تكويني ، وهنا الكلام يكون تاماً ، أما إذا فرض أنَّ العلم كان تعبّدياً فأنت لسست عالماً بوجود النار ولكني اعتبرك عالماً فهذا لا يلازم أني اعتبرك عالماً بالإحراق ، وهذا مثل أن تقول لشخصٍ إني اعتبرتك أسداً فهل يقوم بافتراسي ؟!! إنَّ هذا مجرّد اعتبار ، وهو لا يلازم أني اعتبرته مفترساً ، فأنا لم اعتبر اللوازم وإنما اعتبرته أسداً في الشجاعة ، لا أني اعتبره أسداً من ناحية الافتراس.
ولكننا نحتمل أنَّ الشيخ النائيني(قده) لا يقصد هذا ، وإلا فهذا واضح الوهن ، بل نحتمل أنَّ مقصوده هو أنه مادام الشارع قد اعتبرني عالماً بلحاظ المدلول المطابقي فجزماً هو يعتبرني عالماً أيضاً بلحاظ المدلول الالتزامي ، لأن درجة الكشف واحدة ، فلعل مقصوده هو هذا ، وهو ما سنذكره فيما بعد.الوجه الثالث:- ما ذكره الشيخ الأعظم(قده)[5] ، حيث ذكر أنَّ الاستصحاب إذا قلنا بحجيته من باب الظن[6] فحيث إنَّ الظن بالشيء يلازم الظن بلوازمه فسوف تصير اللوازم مظنونة كنفس المستصحب فتثبت هي أيضاً كما يثبت نفس المستصحب بالاستصحاب ، قال(قده):- ( لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن لم يكن مناص عن الالتزام بالأصول المثبتة[7] لعدم انفكاك الظن بالملزوم عن الظن باللازم ).
وكلامه هذا واضح في أنَّ الشرع إذا اعتبر الشيء حجّة لقوة الكشف بدرجة سبعين بالمائة مثلاً فبلحاظ اللوازم حيث يوجد كشف بدرجة سبعين بالمائة أيضاً فيلزم أن تكون اللوازم حجّة أيضاً.وما أفاده وجيه إذا قلنا أنَّ الاستصحاب حجّة من باب الظن ، ولكننا نقول بحجيته من باب الأخبار.والصحيح:- هو أنَّ الأمارة حجة في لوازمها غير الشرعية فضلاً عن الشرعية لا لما أفاده الشيخ الخراساني(قده) ولا غيره ، وإنما للوجه الذي لمح إليه الشيخ الأعظم(قده) ، من أنه إذا اعتبر الشارع الخبر حجّة لكاشفيته بدرجة سبعين بالمائة مثلاً فحيث إنَّ الكشف موجود بلحاظ اللوازم بنفس الدرجة فيلزم أن يجعل الخبر حجّة أيضاً بلحاظ لوازمه غير الشرعية ، لأنَّ درجة الكشف واحدة ، والمفروض أنه اعتبر الخبر حجة لكاشفيته بدرجة سبعين بالمائة ، واللوازم أيضا يوجد فيها كشف بدرجة سبعين بالمائة ، فيلزم أن يجعلها حجة بلحاظ اللوازم أيضاً.