40/04/22
الموضوع:- مبحث الأصول العملية.
الفرق الثاني:- ولم أرَ نسبة هذا الفرق إلى شخص بعينه ، وذلك بأن يقال: إنَّ الفارق بينهما هو أنَّ الأصل مجعول حالة الشك ، يعني أنَّ الشك أخذ في لسان الدليل وفي موضوعه ، من قبيل ( رفع عن امتي ما لا يعلمون ) ، فهنا أخذ الشك لأنه قال ( ما لا يعلمون ) يعني الشاك وغير العالم رفع عنه - يعني البراءة - ، فالرفع أثبت للشاك وغير العالم ، فأخذ الشك وعدم العلم في لسان الدليل ، وكذلك الحال بالنسبة إلى ( كل شيء لك طاهر حتى تعرف ) أو ( كل شيء لك حلال حتى تعرف ) ، فإن ( حتى تعرف ) يعني أنَّ الشك وعدم العلم مأخوذ في جعل الطهارة والحلية ، .... وهكذا ، فإذاً في موضوع الأصل أخذ الشك ، وهذا بخلافه في موضوع الأمارة فإنه لم يؤخذ الشك ، كما في الآية الكريمة ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ ، يعني ( إذا لم يجئكم الفاسق ... ) فإنَّ هذا ليس مأخوذاً عند الشك ، فالشك ليس مأخوذاً في لسان الدليل ، فإذا جاء الفاسق فتبيّن وأما إذا لم يجئ الفاسق أو غير الفاسق فلا تتبيّن ، فالشك وعدم العلم ليس مأخوذاً فيصير أمارة ، إذاً الفارق الأساسي سوف يصير لفظياً.
ويرّده:-أولاً:- إنَّ الأمارة إذا لم يؤخذ فيها الشك فهذا معناه أنها مجعولة بشكلٍ مطلق ، يعني أنها مجعولة حتى في حق العالم بالخلاف أو العالم بالوفاق ، وهل تلتزم بذلك ؟!! فإذا كان عالماً فما معنى حجيتها عليه ؟!! فيلزم أن يكون الشك مأخوذاً شئت أم أبيت ، إذ لو لم يكن مأخوذاً فهذا يعني أنَّ حجية الأمارة سوف تشمل العالم بالوفاق أو العالم بالخلاف ، ولا معنى لجعل الحجة في حقّ العالم ، فأنا عالم فكيف تعبدني أنت بهذا الشيء ؟!! فأنا مثلاً أرى الهلال بعيني فتأتي أنت تعبدني بأنه يوجد هلال أو تعبّدني بأن أصدّق قول فلان الذي ادّعى الرؤية مثلاً فإن هذا لا معنى له بعدما كنت عالماً ؟!!
إذاً من غير المعقول جعل الأمارة حجة في غير حالة الشك ، بل هي حجة في حالة الشك فقط ، فكيف تقول إنَّ الأمارة مجعولة حجّة من دون أخذ الشك ؟!! فإن هذا لازمه أن تكون الأمارة حجة حتى في حق العالم ، وهذا مرفوض أشد الرفض ، وهو شيء ليس بعقلائي.فإذاً الشك مأخوذ ، وإذا كان الشك مأخوذاً عاد أنَّ كلاهما أحذ في موضوعه الشك.ثانياً:- إنه بناءً على ما ذكرته سوف يصير المورد الواحد أمارة على تقديرٍ وليس بأمارة على تقديرٍ آخر ، فمثلاً الخبر بعض ألسنة أدلته لم تأخذ الشك فيلزم أن يكون أمارة ، وبعض ألسنة حجيته أخذت الشك فيلزم أن يكون أصلاً ، يعني أنَّ الشيء الواحد يكون أصلاً وأمارة باختلاف ألسنته ، وهذا لا معنى ، فمثلاً قوله تعالى ﴿ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ﴾ ومقصوده من الشك هنا عدم العلم ، فهنا أخذ ( اسألوا أهل الذكر ) فحينئذٍ سوف يصير السؤال من أهل الذكر من قبيل الأصل وليس من قبيل الأمارة ، ولكن إذا نظرنا إلى قوله تعالى ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ لم يؤخذ الشك في لسان الدليل ، فيلزم أن يكون خبر العادل أمارة ، لأنه لم يؤخذ الشك في لسان الدليل.
فإذاً بناءً على هذه التفرقة يلزم أن يكون الشيء الواحد أصلاً وأمارة باختلاف لسان الدليل ، وهذا لا يلتزم به أحد.ثالثاً:- إنَّ هذه التفرقة قشرية وليست تفرقة من حيث الروح ، وإنما صار الفارق بين الأمارة والأصل ليس جذرياً روحياً واقعياً وإنما صار الفارق لفظياً ، وهذا بعيد ، ونحن نشعر بأنَّ الأصل غير الأمارة روحاً ، لا أنه مجرّد أنه لو عبّر بالشك صار أصلاً وإذا لم يعبّر بالشك صار أمارة ، فإن هذه تفرقة سطحية قشرية وهي بعيدة جداً.
الفارق الثالث:- إنَّ المدار على أخذ الشك ولكن ليس على أخذه لفظاً وإنما على أخذه لبّاً وروحاً وجعلاً ، فبحسب الواقع ما أخذ الشك في موضوعه فهو أصل سواء عبّر في لسان الدليل بكلمة الشك أو لا ، وإذا لم يؤخذ الشك واقعاً كان ذلك أمارة سواء عبّر بالشك أو لا ، فالمهم أنَّ المدار على الواقع.
وبناءً عليه لا يرد الاشكال الثاني من الاشكالات السابقة التي ذكرناها على الفارق الثاني - من أنه يلزم أن نلاحظ الدليل - بل المدار على الواقع ، كما أنَّ الاشكال الأول لا يأتي ايضاً ، لأنه يتمكن أن يقول صحيحٌ إذا لم يؤخذ الشك في لسان الدليل صار أمارة ولكن بلحاظ الواقع إذا فرض أنه قد أخذ الشك فيصير حينئذٍ أصلاً ولا يكون أمارة ، فالمدار على الواقع.فالمهم أنَّ المدار على عالم الواقع وليس على عالم الألفاظ ، وربما يظهر ذلك من الشيخ النائيني(قده).والاشكال عليه واضح حيث يقال:- إذا لم يؤخذ الشك في الموضوع واقعاً صار المورد أمارة ، وسوف تصير حجّة حتى في حق العالم بالخلاف أو العالم بالوفاق وهذا غير يمكن.
ولعل الشيخ النائيني(قده) كان ملتفتاً إلى هذا الاشكال:- حيث ذكر أنه صحيحٌ أنَّ الشك ليس مأخوذاً في لسان الدليل ولا في الواقع في باب الأمارة ولكنه مأخوذ مورداً لا كجزءٍ ، يعني أنَّ الأمارة جعلت في مورد الشك والشاك من دون أن يؤخذ الشك في الموضوع ، ولكنها جعلت في هذا المورد وهذا الظرف ، قال(قده):- ( الفارق بين الأصل والأمارة هو أن الشك مأخوذ في موضوع الأول ........ بخلاف الثاني ...... نعم الشك مورد لا أنه موضوع لها )[1] .[2]
وفي التعليق نقول:- بالتالي هل موضوع حجية الأمارة مقيد بالشك أو ليس مقيداً به ؟ فالظرفية والموردية هل تقيّد موضوع الأمارة والأصل أو لا ؟ فإذا فرضنا أنه أخذ بنحو الموردية فبالتالي هل هذا مأخوذ كجزءٍ من الموضوع أو لا ؟ فإن كان مأخوذاً كجزءٍ من الموضوع فسوف تصير الأمارة أصلاً ، وإذا لم يؤخذ في الموضوع صارت الأمارة حجّة حتى في حق العالم بالوفاق أو بالخلاف وهذا لا يمكن الالتزام به.
الفارق الرابع[3] :- ما يظهر من الشيخ الأعظم(قده) في مبحث الاستصحاب ، وحاصله: إنَّ الدليل تارةً يعتبر من حيث جنبة الكشف فيه فيصير حينئذٍ أمارة ونسميه بالدليل الاجتهادي ، وتارةً لا توجد فيه جنبة كشف أو أنها موجودة فيه ولكنها لم تلحظ من قبل الجاعل فذلك أصل[4] .
ونحن نقول:- إنَّ هذا الوجه له وجاهة إن لم نحصل على وجهٍ آخر أقوى منه ، ولعل ما سوف نذكره هو مقصود الشيخ الأعظم(قده) أيضاً.