40/04/18
الموضوع:- مبحث الأصول العملية.
وذكر الشيخ النائيني(قده):- إنَّ الفرق بين الأمارة والأصل العملي ، هو أنَّ المجعول في باب الأمارة هو العلمية والطريقية[1] ، بينما الأصل يكون المجعول فيه هو الجري العملي فـ( كل شيء لك حلال ) ناظر إلى الجري العملي ، يعني أنت في عملك تعامل معه معاملة الحلال ، أما بالنسبة إلى خبر الثقة أو البيّنة فهذان قد جُعِلا طريقان إلى الواقع وكأن الشخص صار عالماً بالواقع ، وقد استدل على ذلك بوجهين.
كما أنَّ بعض كلمات الشيخ الأعظم(قده) توحي بمسلك جعل العلمية والطريقية ، ففي أوائل باب العادل والتراجيح ذكر عبارة تعطي ذلك ، ونصّها:- ( فمؤدّى الأمارات بحكم الشارع كالمعلوم لا تترتب عليه الأحكام الشرعية المجعولة للمجهولات )[2] ، فهذه العبارة تعطي أنَّ المجعول في باب الأمارات هو العلميّة.
كما يستفاد من كلمات الشيخ العراقي(قده) أنه يرى جعل العلمية[3] ، وهذه الأمور ليست على سبيل الحصر وإنما هي حسب مطالعاتنا.
ولكن يبقى شيء:- وهو أنَّ هؤلاء الثلاثة كانوا في زمانٍ واحد وكان كلّ واحد منهم مدرسة مستقلة ، وكان الشيخ العراقي(قده) ناظر إلى كلمات الشيخ النائيني(قده) ، كالسيد الخوئي(قده) فإنَّ درسه الفقهي كان واضحاً في أنه يطالع المستمسك وعنده ردود عليه ، فالشيخ العراقي يقرأ فوائد الأصول(قده) وعنده نظر إليه ، أما الشيخ العراقي(قده) فلم يكن عنده نظر إلى الشيخ العراقي ، بل توجد حاشية للشيخ العراقي(قده) على فوائد الأصول للنائيني(قده) ، ونريد أن نقول إنَّ اشتراكهما معاً في هذا الرأي قد ينبئ بأنَّ المنبع واحد وهو استاذهم مثلاً السيد محمد الفشاركي ، كما أنَّ من رواد هذا الرأي السيد الخوئي(قده) حيث يبني على جعل العلمية[4] .
أما الوجهان اللذان استدل بهما الشيخ النائيني(قده) فهما:-الوجه الأول:- إنَّ الأمارات مثل خبر الثقة وغيره هي أمارات عقلائية قبل أن تكون شرعية ، فنحن حينما نأخذ بخبر الثقة فنحن نأخذ به من باب أنه طريق إلى الواقع ، فنحرز به الواقع ، والشارع أمضى ما عليه العقلاء ، وسوف تصير النتيجة هي أنَّ المجعول عند الشرع في باب الأمارات هو العلمية.
الوجه الثاني:- إذا لم يكن المجعول هو العلمية يلزم أن تكون الأمارة منجّزة من دون أن تكون علماً ، وهذا خلف قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، لأنَّ العقاب من لوازم العلم ، ومن دون العلم لا يمكن العقوبة ، فإذا لم يجعل الخبر علماً فسوف يصير الخبر منجّزاً من دون أن يكون علماً ، يعني أنَّ المكلف يستحق العقوبة من دون علمٍ ، فيلزم تخصيص قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، والقواعد العقلية لا تقبل التخصيص[5] .
وقد ذكر هذا السيد الخوئي(قده) أيضاً حيث قال:- ( فالمجعول في الحقيقة هو الكاشفية والطريقية أو الأصل المحرز للواقع )[6] .[7]
وفي مقام التوضيح نقول:- ماذا تقصد في أنَّ المجعول في باب الأمارات هو العلمية بينما المجعول في باب الأصول العملية هو الجري العملي ؟ فهل المقصود هو التفرقة على أساس التعبير الورد في الدليل ، يعني هل الشيخ النائيني(قده) ناظر إلى هذا ، يعني في ألسنة الأدلة عبّر عن الخبر بأنه طريق وبأنه علم ؟ فإذا كان المقصود هو هذا فلا توجد هكذا تعابير ، وإنما الموجود هو مثل ( العمري وابنه ثقتان فما أديا فعني يؤديان ) وغير ذلك ، أما علمية وطريقية وكاشفية فهذه ألفاظ حوزوية ليست موجودة في ألفاظ الروايات.
وإذا كان مقصوده هو أنَّ الواقع هكذا يقتضي فالعقلاء يأخذن بالأمارة بما أنها علم وإن كان هو لا يعبّر بأنها علم ولكن واقع الحال كذلك ، والانسان العرفي لا يعرف أنَّ يعبّر بهذه الألفاظ لكن واقع الحال هو أنه يأخذ بها من باب أنها بمثابة العلم والطريق ، فهذا له وجهٌ وجيه.فإذاً لابد أن نحمل كلام الشيخ النائيني(قده) على هذا المحمل ، لا أنَّ التفرقة هي من حيث ألفاظ النصوص فإنَّ ذاك شيء بعيد جداً.