40/04/10
الموضوع:- حجية خبر الواحد.
وربما يتمّسك بعبارة الشيخ الصدوق حيث قال:- ( وهو مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل ) ، فإذاً هو يشهد بأن أحاديث كتابه الفقيه مخذو من كتاب مشهورة - يعني أصول مشهورة - عليها معوّل الأصحاب ، فعلى هذا الأساس لابد وأن نأخذ بالأحاديث التي ذكرها في الفقيه من دون حاجة إلى التدقيق في السند.
وفيه:-أوّلاً:- إنَّ كون الكتاب مشهوراً معتمداً عليه لا يعني أنه صحيح ومعتبر بلحاظ جميع أحاديثه ، بل يحتمل أنه من الكتب المعتمدة والمشهورة ولكن الاعتماد عليه لا يلازم الاعتماد على كل رواية رواية ، وهذا نظير كتاب الكافي فإنه من الكتب المشهورة والمعتمدة عندنا ، ولكن ماذا نقصد من ذلك ، فهل نقصد أنّ كل رواية فيه معتبرة ؟ كلا ، بل أصل الكتاب معتبر عندنا معاشر الامامية وهو من الكتب المشهورة ولكن لا يعني ذلك أنَّ جميع روايات هذا الكتاب المشهور والمعتمد هي صحيحة ومعتبرة أيضاً.
وقد يقول قائل:- فإذاً ما فائدة هذا المدح ، فإنَّ الشيخ الصدوق(قده) في صدد مدح كتابه ، فهذا أيُّ مدحٍ يكون مادام يحتمل أنَّ الرواية ليست معتبرة.
نقول:- إنَّ نفس الأخذ من الكتاب المعتبر هي خصلة جيدة ، في مقابل أن ينقل الشخص روايات من كتاب غير معتبر فإن هذه خصلة سيئة ، وهذا واقع ، فالشيخ الصدوق(قده) في صدد مدح كتابه وأنَّي آخذ الروايات من كتب مشهورة معتمدة مثل الكافي ، ولكن هذا ليس معناه أنَّ كل رواية نقلها فيه هي معتمدة ويلزم الأخذ بها.
ثانياً:- إنَّ شهرة الكتاب لا تلازم شهرة النسخة ، والاعتماد على الكتاب لا يلازم الاعتماد على النسخة ، فربما يكون الكتاب من الكتب المعتمدة لكن النسخة لم يثبت أنها معتمدة ، وهاتان قضيتان ينبغي التفكيك بينهما ، فعلى هذا الأساس نحن لا يمكن أن نجزم باعتبار الرواية التي يذكرها الشيخ الصدوق ، إذ نسلّم أنه أخذها من كتابٍ معتمدٍ ولكن من قال إنَّ النسخة التي اعتمد عليها كانت معتمدة ، فلعلها ليست معتمدة في نظرنا ، والاعتماد على كتابٍ لا يعني الاعتماد على جميع نسخه ، إذ ربما يكون الكتاب المعتمد له نسخ متعددة يختلف بعضها عن البعض ، من الواضح أنَّ ذلك الزمان ليس كزماننا ، ففي زماننا أنت تدفع الكتاب إلى صاحب المطبعة وهو يخرج لك نُسَخاً كلّها متطابقة موحّدة ، أما في ذلك الزمان فالشخص الناسخ يجلس ويستنسخ الكتاب ولعله يحصل فيه اشتباهات وأخطاء وتزير فإنَّ هذا ممكن.
فإذاً لا يمكن أن نقول مادام الكتاب معتمداً فإذاً جميع نسخه معتمدة ، فنحن سلّمنا للصدوق(قده) أنَّ روايات كتابه أخذها من أصولٍ مشهورة ، ولكن هذا لا يعني أنَّ النسخة التي اعتمد عليها هي نسخة مشهورة معتبرة.ثانياً:- إنَّ الشيخ الصدوق(قده) ذكر في مقدمة كتابه الفقيه أني التقيت بالسيد الشريف نعمة في بلد ما وراء النهر وطلب مني أن أكتب كتاباً أرجع إليه في الحلال والحرام على وزان من لا يحضره الطبيب ، والشيخ الصدوق استجاب لطلبه وألف كتاب ( من لا يحضره الفقيه )[1] .
وحينئذٍ نقول:- لو كان كل ما في كتاب الكافي معتبراً وصحيحاً فلماذا يطلب السيد الشريف نعمة بأن يؤلف له الصدوق(قده) كتاباً على وزان من لا يحضره الطبيب ، كما أنه لا توجد حاجة بأن يستجيب الشيخ الصدوق(قده) لذلك ، بل كان المناسب للشيخ الصدوق(قده) أن يقول للسيد نعمة إنه يوجد عندنا كتاب معتبر وهو كتاب الكافي للكليني ، فإذاً استجابة الشيخ الصدوق(قده) وطلب السيد الشريف يدلان على أنَّ كتاب الكافي ليس كل ما فيه صحيح ومعتبر.ثالثاً:- إذا رجعنا إلى الشيخ الطوسي(قده) في كتاب التهذيب أو الاستبصار نجده أحياناً يذكر روايات عن كتاب الكافي ويأخذ بمناقشتها ويقول إنَّ الراوي للحديث الفلاني هو فلان وهو ضعيف ، فهذه المناقشة تدل على أنَّ الشيخ الطوسي(قده) الذي كان يعيش تلك الفترة لا يعتقد بصحة كل ما في الكافي ، فكيف تحصل لنا هذه العقيدة وأنَّ كل ما في الكافي معتبر ويلزم الأخذ به ؟!! ، فمثلاً نقل في الاستبصار خبراً عن الكافي ينتهي إلى أبي سعيد الخدري ثم قال بعد ذلك:- ( فما تضمن هذا الحديث من تحريم لحكم الحمار الأهلي موافق للعامّة والرجال الذين رووا هذا الخبر أكثرهم من العامة وما يختصون بنقله لا يلتفت إليه )[2] ، وينقل في مورد آخر خبرين عن عمران الزعفراني ثم يعلّق ويقول:- ( راويهما عمران الزعفراني وهو مجهول وفي إسناد الحديثين قوم ضعفاء لا نعمل بما يختصون بروايته )[3] .
فإذاً الشيخ هو قد ذكر رواية وأخذ بمناقشة سندها وهذا يدل على أنَّه ليس كل ما يذكره الشيخ أو غيره يكون معتبراً ، والأمثلة على ذلك كثيرة ونحن قد اقتصرنا على هذا المقدار.رابعاً:- إنَّ كتاب الكافي اشتمل على بعض الروايات التي يصعب قبولها.
من قبيل:- ما ذكره في كتاب الطلاق أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام ارتقى المنبر يوماً وقال:- ( لا تزوجوا ولدي الحسن فإنه مطلاق)[4] .
وإن كان البعض يوجّه هذه الرواية ، وهو توجه لا بأس به ، حيث قال:- إنَّ الكثير من القبائل العربية كانت تحب الاتصال بالإمام الحسن وبأمير المؤمنين عليهما السلام وكان أمير المؤمنين عليه السلام يحذر من بعض القبائل ولم يتمكن أن يقول إني أحذر منكم فمن باب التقية أو غير ذلك أراد أن يدفع هؤلاء بهذه الطريقة حتى لا تطلب تلك القبائل تزويج بناتهم من الامام الحسن عليه السلام ، فإذاً هذه الرواية ربما تكون مقبولة.ولكن توجد رواية أخرى يذكرها وهي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( في قول الله عزّ وجل " وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون " رسول الله صلى الله عليه وآله الذكر وأهل بيته ليهم السلام المسؤولون وهم أهل الذكر ....)[5] ، إنَّ هذه الرواية لا يمكن تصديقها ، لأن الآية الكريمة تقول ﴿ وإنه لذكر لك ﴾ يعني أنَّ القرآن هو ذكرٌ لك يا رسول الله ، بينما الرواية تقول إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذكر ، وكيف يصير التعبير ؟ إنه يصير ( إنَّ الرسول ذكرٌ لك يا رسول الله ) ، فكيف يكون الرسول ذكرٌ للرسول ؟!! ، وكذلك يفسّر ( وسوف تسألون ) بأهل البيت عليهم السلام ، فهل أهل البيت هم المسؤولون ؟!! ، كلا ، بل المناسب أن نكون نحن المسؤولون لا أن أهل البيت عليهم السلام هم المسؤولون ، فإذاً هذه الرواية لا يمكن الالتزام بها.
هذا كلّه بالنسبة إلى الدعوى الأولى وهي أنَّ كل ما في الكتب الأربعة معتبر.