40/04/02
الموضوع:- حجية خبر الواحد.
ويرده:-أولاً:- أما ما ذكر من أنَّ الجبر لا يحصل بعمل الأصحاب لاحتمال تعّدد المنشأ فيمكن أن يقال:- إنَّ هذه المناشئ المتعددة هي مناشئ حدثت في كلمات المتأخرين حيث أعملوا دقة وأصولاً وبالتالي حصلت هذه المناشئ المتعددة ، وإما بالنسبة إلى المتقدمين فمن البعيد أنَّ لهم هذه المناشئ ، فعلى هذا الأساس يمكن أن نقول إنَّ عمل المتقدمين بالرواية أو نقلهم لها هو بنفسه يورث الوثوق ، لأنَّ فكرة المناشئ ليس من البعيد أنها نشأت متأخرةً وليست متقدمة ، فعلى هذا الأساس من البعيد أنَّ هؤلاء الأعلام اخطأوا بأجمعهم ، فيمكن أن يحصل الوثوق ، ولكن قلت إنَّ المشكلة هي أنه كيف تُحصِّل أنهم عملوا بها ، فيمكن أن نقول إنَّ الكبرى لكن الصغرى لا يمكن احرازها.
ثانياً:- قيل بأنَّ إعراض المشهور يكون كاسراً للرواية لأنه ينشأ من منشأ واحد وليس من مناشئ متعددة ، ولكن يمكن أن يقال:- إنَّ الإعراض يمكن أن يكون لمناشئ متعددة ، فالبعض يعرض عن الرواية لأنها حسب تصوره مخالفة للقواعد كما في كلمات ابن إدريس وغيره ، فهو يترك الرواية لأجل مخالفتها للقاعدة ، والبعض الآخر يعرض عنها لأجل معارضتها برواية ثانية ، وثالث يعرض عنها لأجل ضعف سندها بنظره .... وهكذا ، فإذاً مناشئ الاعراض يمكن أن تكون متعددة كمناشئ الانجبار والعمل ، لا أنَّ العمل بالرواية له مناشئ متعددة أما الاعراض عنها فليست له مناشئ متعددة ، بل كلاهما يمكن أن نتصور فيه المناشئ المتعددة ، هذا كله بالنسبة إلى المطلب الأول الذي أرد الاشارة إليه.
المطلب الثاني:- إنَّ مسألة الجابرية والانكسار ، يعني جابرية ضعف الرواية سنداً بعمل الأصحاب ، أو انجبارها مثلاً بعمل الأصحاب ، فهي ولو كانت ضعيفة السند فمادام الأصحاب نقلوها أو عملوا بها فينجبر ضعف سندها.
وهذه المسألة لها تأثيرها على مستوى علم الرجال وعلى مستوى علم الفقه ، أما على مستوى علم الرجال فالحاجة إليه سوف تضعف ، لأنه مادام عمل الأصحاب ونقلهم للرواية يجبر ضعف سندها فلماذا البحث عن رجالها ، ومادام الاعراض يسقط الرواية حتى لو كان رجالها عدول فلماذا الحاجة إلى علم الرجال والبحث الرجالي ؟!! ، فإذاً هذا الرأي يجعل حاجتنا إلى علم الرجال ضعيفة ، وهذه قضية أردت الالتفات إليها فقط.وهذا بخلاف من لا يبني على ذلك ، فإنه يحتاج إلى علم الرجال ، ولذلك السيد الخوئي(قده) الذي هو من روّاد هذا الرأي لا يعتني للجابرية ولا للوهن ، وإنما هو يلاحظ رجال السند ، ولذلك اشتدَّت حاجته إلى علم الرجال بخلاف غيره ، وأنا أردت أن أنبه على هذه الظاهرة فقط.وأما على المستوى الفقهي فهو يؤثر على فتاوى الفقيه ، فالذي يرى أنَّ شهرة النقل أو شهرة العمل توجب جبر سند الرواية فسوف يفتي على طبق روايات ضعيفة السند لكنها منجبرة بنظره ، وهذا بخلاف من لا يؤمن بأن السند ينجبر فهو لا يفتي على طبقها وسوف تكون النتائج الفقهية التي ينتهي إليها غير النتائج الفقيه التي انتهى إليها من يقول بالانجبار ، ولذلك السيد الخوئي(قده) توجد عنده بعض الفتاوى المخالفة للمشهور والمنشأ هو أنه لا يقول بفكرة الانجبار وفكرة الوهن ، ومادام لا يقول بها فالنتائج سوف تتغير ، بخلاف الطبقة المتقدّمة فهم عادةً يقولون بفكرة الانجبار ، يعني مثل الشيخ الأنصاري في المكاسب ، فهو يأخذ بالرواية إذا عمل بها الأصحاب ، أو يقول إنها موهونة لأنَّ الأصحاب تركوها ، ومثله كثيرون ، ولعلنا نتمكن أن نقول إنَّ الطبقة المتقدّمة كان رأيها على الانجبار والانكسار ، ولكن منذ زمن السيد الخوئي(قده) أو قبل زمنه تغيرت القضية قليلاً ، فلذلك نشأت فتاوى مخالفة على ما عليه مشهور القدماء ، وإن كان السيد الخوئي(قده) يحاول في الكثير من الأحيان أن يصير إلى الاحتياط عند المخالفة للمشهور ، لكنه في بحثه ينتهي إلى نتائج معاكسة.جواب السؤال الرابع[1] :- المعروف أن اعراض المشهور عن الرواية يوجب وهن سندها ، بل كلّما ازداد الخبر صحةً على المستوى الرجالي يزداد وهناً مادام أعرض عنه المشهور ، والنكتة واضحة ، باعتبار أنه مع قوّته بمقتضى القواعد الرجالية لماذا أعرض عنه هؤلاء ؟ إنه لابد من وجود خللٍ فيه ، هكذا يمكن أن ننسب إلى المشهور.
ولكن قال السيد الخوئي(قده)[2] :- إنه مادام صحيح السند فلماذا يسقط بإعراض المشهور عن الحجية - أي من حيث السند - فإنَّ الاعراض هو بنفسه لم يثبت أنه من موجات الضعف فلا وجه لذلك ؟! ، نعم إذا أعرض الكل - أو ما بحكم الكل[3] - فهنا يمكن أن يقال بسقوطه عن الاعتبار ، باعتبار أنَّ هذا يوجب العلم بأنه إما أن يكون ليس بصادر ، أو أنه صدر تقية.
ولذلك السيد الخوئي(قده) يفرّق بين اعراض المشهور وبين الهجران ، والمقصود من الهجران هو اعراض الكل أو ما بحكم الكل كتسعة وتسعين بالمائة ، فإعراض المشهور لا يراه مسقطاً للرواية سنداً ، ولكن الهجران يراه موجباً لذلك ، والنكتة هي ما أشرنا إليه حيث يقول إنه هناك لا يحصل علم بالإعراض ، وهذا بخلافه بالهجران فإنه يحصل العلم بوجود خللٍ ، فإما أنها لم تصدر أو أنها صدرت تقية ، فالسيد الخوئي(قده) ذهب إلى أنَّ إعراض المشهور لا يسقط الرواية عن الحجية.ولكن نقول:- إنَّ هذا تام فيما إذا كان المشهور هو من الطبقة المتقدّمة ، يعني كالشيخ الكليني والصدوق(قده) ومن قبلهما ، فإذا أعرض المشهور من هؤلاء فيمكن أن نقول بكفاية ذلك لسقوط الرواية عن الحجية ، وذلك لأنها لو كانت معتبرة لماذا أعرضوا عنها ؟! ، وليس المعرض واحداً أو اثنين أو ثلاثة وإنما هو مشهور المتقدمين ، فإذاً لماذا أعرضوا عنها ؟ إنه ليس من البعيد حصول الاطمئنان بوجود وهنٍ فيها.
ونتمكن أن نقول:- إنَّ السيرة جارية على ذلك ، فلو فرض أنَّ قناة فضائيةً أذاعت خبراً لكن أهل الخبرة والفن من السياسيين لم يعيروا له أهمية ألا يصير هذا موجباً لاطمئنانك بأنَّه ليس بصحيح ؟ نعم يحصل الاطمئنان بذلك ، وبالتالي نحن أيضاً نترك هذا الخبر ويحصل لنا الاطمئنان بعد صحته.
فإذاً نحن نخالف السيد الخوئي(قده) في هذه القضية ونقول إنَّ اعراض المشهور من المتقدمين يوجب وهن الرواية لحصول الاطمئنان بوجود خللٍ فيها ، بل والسيرة تساعد على ذلك ، ولكنّا نوافقه بحسب النتيجة ، باعتبار أنه من أين نحرز اعراض مشهور المتقدمين والحال أن كتبهم وكلماتهم ليست موجودة بأدينا.وبالنتيجة نحن نتفق مع السيد الخوئي(قده) ، ولكن نتفق معه من جهة الخلل في الصغرى فنحن نناقش في الصغرى ، أما هو فمناقشته كانت في الكبرى.والنتيجة:- هي أننا نقول بأنَّ إعراض المشهور إذا كان من المتقدّمين فسوف يكون موجياً لوهن الرواية ، ولكن أنّى الحصول على ذلك.