40/04/01
الموضوع:- حجية خبر الواحد.
وربّ قائل يقول:- إنه يمكن احراز عمل المتقدمين أو فتواهم ، ببيان: أنَّ الحكم إذا لم يكن له مستند من أصلٍ أو غير ذلك فلابد أنهم قد استندوا في فتواهم إلى هذه الرواية الضعيفة السند حتماً ، فيثبت بذلك أنهم يعملون بهذه الرواية ويفتون على طبقها ، وبذلك ثبت المطلوب.
قلت:- إنَّ هذا وجيه لو فرض أنَّ فتواهم كانت موجودة بأيدينا ، ولكن حينما لم تكن لهم كتبهم موجودةً فلا نعرف أصل فتواهم ، فرأي المتقدمين على المحمّدين الثلاثة لا نعرف فتواهم ، فإنَّ عرفنا آراءهم فهذا التقريب يكون وجيهاً ونقول إنَّ الرأي الذي ذكروه بعد أن لم يكن له مستد من قاعدة أو أصل فيتعين أن يكون المستند هو هذه الرواية الضعيفة ، أما إذا كان أصل رأيهم ليس معلوماً عندنا - لأنَّ المفروض أن كتبهم لم تصل إلينا - فلا يمكن تطبيق هذه الفكرة.
إذا هذه الفكرة هي تامة من حيث الكبرى - أي لو كنّا نعرف آراءهم - ، فنقول لو كان رأيهم هو وجوب صلاة الجمعة مثلاً أو الوجوب لا يمكن اثباته بالأصل أو القاعدة فلابد أن يكون مستند الوجوب هو الرواية الضعيفة التي ظاهرها الوجوب ، أما إذا كنّا لم نعرف رأيهم أصلاً هل هو وجوب أو استحباب أو حرمة أو غير ذلك فهذا الكلام لا يأتي ، ونحن ندّعي أنَّ آراء المتقدمين ليست بأيدينا ، فلا يمكن أن نطّلع عليها حتى يمكن من خلالها تحصيل هذا المطلب الذي ذكرناه وبالتالي تحصيل الجابرية للسند.والخلاصة:- إنَّ الرواية إذا كانت ضعيفة السند فيمكن أن ينجبر ضعف السند بنقل الرواية[1] أو بالفتوى على طبقها[2] ، لكن إذا كان ذلك من المتقدمين ، ونقصد بالمتقدمين هم من تقدم على المحمّدين الثلاثة ، أو بما فيهم المحمدون الثلاثة ، ولكن المحمدين الثلاثة لوحدهم لا يكفون ، بل لابد من ضم الغير إليهم ، فهذه الكبرى تامة ، إنما الكلام في الصغرى وهي أنه كيف نحرز رأي المتقدمين ، بل نقول أكثر وهو أنه كيف تحرز رأي الكليني(قده) فإنه لا يوجد عنده كتاب فقهي.
فعلى هذا الأساس لا يمكن أن تفهم أنه عمل بهذه الرواية أو لم يعمل بها ، نعم هو مجرّد نقل ، ففي شهرة النقل لا بأس ، وأما العمل فلا يمكن ذلك ، إلا اللهم أنَّك تقول إنه قال في أوّل الكتاب ( لا أذكر إلا ما ثبتت صحته ) ، ولكن هذه الفتوى هل نستفيدها من هذه الرواية ؟! إنه لم يقل ذلك.فإذاً الشهرة الفتوائية لا نتمكّن أن نتسفيدها دائماً من ذكره للرواية لأننا لا نعرف أنه هل يفهم هذا الذي فهمناه من الرواية أو لا ، نعم إذا كانت الرواية واضحة فهذا صحيح ، ولكن قد يكون استفادة المطلب من الرواية يحتاج إلى مقدمات فمن قال أنه يفتي على طبق هذه الرواية مادامت هذه الفتوى تحتاج إلى مقدّمات لعلّ الشيخ الكليني(قده) لا يقول بها.إذاً عرفنا أنَّ الكبرى تامة وإنما الكلام في الصغرى ، وهذه المحاولة التي أشرنا إليها هي قابلة للمناقشة باعتبار أنها فرع معرفة فتوى المتقدمين والمفروض أنَّنا لا نعرف فتوى التقدمين.وأما ضعف الدلالة:- فإذا كانت دلالة الرواية ضعيفة فهل يمكن أن ينجبر ضعف دلالتها بفتوى المشهور على طبقها ؟
وفي هذا المجال قد يقال:- إنه لا يمكن ذلك ، باعتبار أنَّ الحجية في باب الدلالة هي على الظهور وفتواهم على طبق الرواية لا يجعل فيها ولا يعطيها ظهوراً ، فعلى هذا الأساس ضعف الدلالة لا يمكن جبره بفتوى المشهور على طبقها.
نعم فتوى الأصحاب أقصى ما يولّد الظن في استفادة الحكم المذكور فيها ، لا نه يولد فيها الظهور ، فإذاً فتواهم على طبق هذه الرواية لا تنفع في تقوية دلالتها الضعيفة ، فإذاً فتوى المشهور لا يجبر ضعف الدلالة ، لأنَّ الحجية تدور مدار الظهور وفتوى المشهور لا تكوّن ظهوراً للدلالة.وفيه:- إنه إذا ثبت استناد المشهور إلى هذه الرواية الضعيفة الدلالة فهذا معناه أنه يوجد فيها ظهور في الزمن السابق ولكن قد حصلت عملية تغير في الظهور بحسب اختلاف الزمان ، فإن الظهورات قد تتغير ولكن تغيرها يكون بطيئاً ، يعني أنَّ هذا الكلام في الزمن السابق قد يكون ظاهراً في معنىً معين ولكن في زماننا لا يكون ظاهراً في هذا المعنى فإنَّ هذا ممكن ، فإنَّ تطوّر الزمان يؤثر على الظهورات ، وحينئذٍ نقول مادام هؤلاء الأعلام وهم أهل ورع وتقوىً ولا يفتون بآرائهم وعلى طبق أهواءهم فإذاً لابد لهم من مستند ، فإذا كان المستند منحصراً بهذه الرواية فلابد أنه يوجد ظهور لها وهو موجود في الزمن السالف وقد حصل الآن تغير فيه ، والمدار هو على الظهور السابق وليس على الظهور في زماننا ، وعليه فسوف يحصل لنا وثوق بوجود ظهورٍ لها في الزمن السالف لكن عامل الزمن أثّر على الظهور بحيث صار لا يستفاد هذا الظهور في زماننا.
أو نقول:- إنَّ الرواية كانت فيها قرائن من خلالها يفهم هذا المعنى ، وبمرور الزمن زالت تلك القرائن.إذاً يمكن أن يقال بأنَّ فتوى المشهور من المتقدمين يجبر ضعف الدلالة لما ذكرناه ، إلا أنَّ الكلام في الصغرى ، فكيف تثبت أن مشهور المتقدمين قد افتوا بهذه الفتوى ؟!وهاهنا مطلبان:-المطلب الأول:- إنه قد يفصّل بين عمل المشهور وإعراض المشهور ، ويقال إنَّ عمل المشهور على طبق الرواية لا يجبر سندها ، نعم إعراضهم عنها يضعف سند الرواية الصحيحة ، فالإعراض كاسرٌ والعمل ليس بجابرٍ.
ووجه هذا التفصل:- هو أنَّ عمل مشهور الأصحاب بالرواية يمكن أن يكون لأجل مناشئ متعددة ، فبعضٌ عمل بها رغم أن سندها ضعيف باعتبار ورود أحد بين فضّال في السند ، والبعض الآخر عمل بها لأجل أنها موجودة في الكتب الأربعة وكل ما هو موجود في الكتب الأربعة حجة خصوصاً الكافي ، وربَّ ثالث عمل بها لمنشأٍ ثالث أو رابع ، فإذاً مناشئ الأخذ بالرواية ليست منحصرة بسببٍ واحد وإنما هي مناشئ متعدد ، ومادامت المناشئ متعدّدة فلا يمكن أن يحصل الوثوق بسند الرواية آنذاك ، لأنَّ شرط حصول الوثوق أن يكون الاستناد إلى الرواية من حيثيةٍ واحدة ، أما إذا تعددت الحيثيات فيمكن أن تكون الجماعة الأولى مشتبهة ، وهكذا الجماعة الثانية يمكن أن تكون مشتبهة ، وكذلك الجماعة الثالثة ، فمركز الخطأ سوف يتوزّع حينئذٍ ، بخلاف ما إذا فرض أنَّ المستند كان واحداً فهنا يحصل الوثوق.
فإذاً إذا كان هناك عمل على طبق الرواية فينجبر ضعف سندها ، وأما إذا كان هناك أعراض فلا ، لأنَّ الاعراض ليس له ألا منشأ واحد ولا يوجد له مناشئ متعددة - فبالتالي هو إعراض - ، فالمنشأ واحدٌ ، فحينئذٍ يكون موهناً لسند الرواية الصحيحة.والخلاصة:- إنَّ عمل المشهور لا يكون مقوّياً وجابراً لضعف السند ، بينما اعراضهم يكون موهناً لسند الرواية الصحيحة ، باعتبار أنَّ الإعراض ليست له مناشئ متعدّدة.