40/03/25
الموضوع:- حجية خبر الواحد.
وبعد أن اتضح أنَّ النسبة بين الطائفتين هي العموم والخصوص من وجه نقول:- إنَّ الطائفة الدالة على حجية خبر الثقة هي أخبار كثيرة العدد ، ومادامت كثيرة فسوف تشكّل عنوان السنَّة القطعية ، يعني أنَّ مضمون ( خُذ بخبر الثقة) قطعي الصدور ، فإذا صار قطعي الصدور فحينئذٍ تتقدّم هذه الطائفة ، لأنَّ تلك الطائفة التي قالت ( ما علمتم به فخذوه ) يصدق هنا ، لأنَّ الذي أعلم به هو هذه الأخبار الدالة على حجية الثقة ، فإنها لكثرتها تشكّل عنوان السنَّة القطعية ، بخلاف تلك الطائفة فإنها رواية واحدة أو لعله بالبحث نحصل على رواية ثانية أو ثالثة أو رابعة وهنا لا يصدق ( تعلم بصدوره ) ، بخلاف تلك الطائفة فإنه لكثرتها يصدق العلم بصدورها ، فتكون مقدَّمة لأجل كونها معلومة الصدور ، ونفس هذه الطائفة التي استدل بها عدم حجية خبر الثقة قالت ( ما علمتم بصدوره فخذوا به ) والذي نعلم بصدوره هو تلك الأخبار الدالة على حجية خبر الثقة.
بل هي مقدَّمة من جهة أخرى أيضاً:- لأنَّ معها شاهد من كتاب الله عزّ وجلّ ، إذ هي تدل على حجية خبر الثقة والشاهد من كتاب الله هو آية النبأ - فإنه شاهد على حجية خبر الثقة - وهذا قد تقدم عندنا ، وهذه الطائفة هي قالت ( ما كان عليه شاهد فخذوا به والذي ليس عليه شاهد فاطرحوه ) والذي عليه شاهد هي الأخبار الدالة على حجية خبر الثقة ، أما التي تقول إنه يلزم أن يكون عليه شاهد من كتاب الله عزّ وجلّ فليس معها شاهد من كتاب الله عزّ وجلّ فتطرح حينئذٍ.الردّ الثالث[1] :- إنها تردّ نفسها بنفسها ، وتبطل نفسها بنفسها ، لأنها قالت ( لا تأخذ إلا بالخبر الذي معه شاهد من كتاب الله عزّ جل ) وهي لا شاهد عليها في كتاب الله عزّ وجل في جواز الأخذ بالخبر ، فهي تكذّب نفسها بنفسها ، وأيضاً الطائفة الأخرى - شقيقتها - قالت ( ما علمتم بصدوره فخذوا به ) فنقول لها أنت لا نعلم بصدورك ، لأننا قلنا هي رواية واحدة أو إذا بحثنا عن مثيلاتها فقد تصير ثلاث روايات ، فهنا لا يصدق ( ما علمنا بصدوره ) ، فإذاً أنتِ لستِ بحجة فأنت قد أسقطت نفسك بنفسك.
الردّ الرابع:- نقول: هناك أخبار كثيرة في وسائل الشيعة في باب الطهارة وفي باب الصلاة وفي باب الحج وغير ذلك ، فهل كل رواياته معها شاهد من كتاب الله عزّ وجل ؟ كلا ، وهل نعلم بصدوره ؟ كلا ، بل الطابع العام هو أننا لا نعلم بصدوره وليس معه شاهد ، وعليه فسوف نخرج بهذه النتيجة وهي أننا نجزم بأنه قد صدرت من أهل البيت عليهم السلام روايات كثيرة بواسطة سلسلة الثقات بعضها يرتبط بالطهارة وبعضها بالحج وبعضها يرتبط بالخمس وغير ذلك ، فتستطيع أن تقول أنَّ نصف هذه الروايات أو ربعها غير المعيّن صادر من أهل البيت عليهم السلام ، وهذا المقدار هو كَمٌّ معتدٌّ به ، فمع العلم بصدوره كيف قال الأئمة عليهم السلام ( لا تأخذ إلا بما كان معه شاهد من الكتاب الكريم ) ؟!! ، فإنَّ كلّ رواية لا يوجد معها شاهد من كتاب الله عزّ وجل ، فعلى هذا يلزم أن نطرح كل الروايات ؟!! ، وكيف قالت ( ما علمتم به فخذوه ) فإننا قلنا إنَّ ربع الوسائل هو صادر جزماً فهذا الربع افترض أنه ألف رواية ، فكلّ رواية من هذه الروايات أنا لا أعلم بصدورها ، فالرواية الأولى لا أعلم بصدورها وكذلك الرواية الثانية لا أعلم بصدورها .... وهكذا ، نعم أنا أعلم بصدور ألف رواية اجمالية أما هذه بخصوصها فلا أعلم بصدورها أو تلك بخصوصها فلا أعلم بصدورها ، فلابد إذاً من طرح كلّ هذه الألف ، وبالتالي يلزم طرح كلّ كتاب الوسائل ، وهذا لا يحتمله فقيه ولا يلتزم به.
فإذاً لابد وأنَّ نحمل الروايات التي قالت ( لا تأخذ إلا بما كان معه شاهد من كتاب الله عزّ وجلّ ) أو ( علمت بصدوره ) على بعض المحامل الأخرى ، فمثلاً أن تكون ناظرة إلى أصول الدين - أي باب العقائد - مثلاً أو غير ذلك ، يعني أننا نحملها إلى مساحة ضيّقة ، وكفانا هذا جواباً.وبهذا انتهينا من أنَّ هذه الأدلة على عدم حجية الخبر قابلة للمناقشة ، وقد ذكرنا أربع مناقشات ، وبالتأمل قد توجد مناقشات أخرى ، وبهذا ننهي كلامنا في النقطة الثانية من النقاط التي نبحثها في حجية الخبر.النقطة الثالثة:- ما هو الخبر الحجَّة ؟
وهذه قضية مهمة ، فنحن نعلم أنَّ الخبر حجّة في الجملة ، أما أيّ خبر هو الحجّة ، هو فهل هو الخبر الصحيح ، أو ما عمل به الأصحاب ، أو الموجود في الكتب المعتبرة ، أو غير ذلك ؟ويظهر أنَّ هذه القضية كانت محل قالٍ وقيل ، حتى أنَّ المحقق(قده) ذكر ذلك في مقدمة الجزء الأوّل من المعتبر ، حيث تعرض إلى مسألة خبر الواحد وبالمناسبة بيّن هذه الجملة فقال:- ( أفرط الحشوية في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا لكل خبر[2] ..... وقال بعضٌ كلّ سليم السند يعمل به ، وأفرط آخرون فأحالوا استعماله عقلاً وشرعاً ، واقتصر آخر فلم يَـرَ العقل مانعاً لكن الشرع لم يأذن في العمل به[3] ، وكل هذه الأقوال منحرفة عن السنن والتوسط أصوب فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به وما أعرض الأصحاب عنه أو شذَّ يجب اطراحه لوجوه )[4] ، ثم أخذ بذكر ثلاثة وجوه الطابع العام عليها هو الاستحسان.
ونحن نريد أن نتعرّض إلى هذه المسألة - يعني ما هو الخبر الحجة - ونطرح سبعة أسئلة في هذا المجال لنجيب عنها.