40/03/20
الموضوع:- حجية خبر الواحد.
ولك أن تقول بصياغة أخرى:- إنه يرد:-
أوّلاً:- إنَّ السيرة إنما تكون حاكمة على الآيات الكريمة فيما إذا كانت حجة ، فإذا كانت حجة فإنها سوف تخرج الخبر من موضوع الآيات الكريمة وتصيّره علماً ، ولكن الكلام في أصل حجيتها ، فمن قال هي حجة بعد فرض وجود ما يحتمل رادعيته وهو الآيات الكريمة ، فبعد وجود ما يحتمل رادعيته عن السيرة فهذه السيرة لم تثبت حجيتها ، وإذا لم تثبت جيتها فإذاً لم يثبت أنَّ الخبر علمٌ حتى يخرج من موضوع الآيات الكريمة وتتحقق الحكومة.
ثانياً:- إنَّ السيرة لا يمكن أن تحكم على الآيات الكريمة ، لأنَّ الحاكم دائماً لابد أن يكون هو صاحب الدليل المحكوم ، يعني أنَّ المولى الذي أصدر الدليل المحكوم هو الذي يصدر ما يحكم عليه ، أما أني أصدر دليلاً ويأتي شخص ثانٍ غيري يوسّع أو يضيّق من موضوع دليل حكمي فهذا لا معنى له وهو تدخّلٌ في سلطان الغير ، لأنَّ موضوع الحكم داخل تحت سلطنة المولى الذي أصدر الحكم وهذا الشخص الثاني ليس له نفوذٌ على هذا الحكم فكيف يوسّع أو يضيّق موضوعه ؟!! ، وهذه قاعدة واضحة ومن البديهيات ، فالحكومة لا تتصوّر إلا إذ كان الدليلان صادران من جهةٍ واحدةٍ وشخصٍ واحد ، أما أن يكون الحاكم صادر من جهةٍ ويأتي المحكوم من طرفٍ آخر فهذا لا معنى له ، فلا معنى لأنَّ يوسّع شخص من موضوع حكم شخصٍ آخر فإنَّ هذا مرفوض عقلائياً ، وفي مقامنا نقول إنَّ سيرة العقلاء لا يمكن أن توسّع أو تضيّق من موضوع الآيات الكريمة ، لأنَّ الآيات الكريمة صادرة من الله عزّ وجل ، المخلوقون لا معنى لأنَّ يأتوا ويجعلوا الخبر علماً فيخرّجونه من موضوع الآيات الكريمة فإنه يقال لهم إنَّه لا حقّ لكم في أن توسّعوا أو تضيقوا ، نعم دليل الإمضاء إذا كان فحيث إنه من الشرع فيمكن أن يوسّع أو يضيّق ، ولكن المفروض أنا نشك في إمضاء هذه السيرة لاحتمال أنَّ الآيات رادعة عنها ، فليس من المعلوم أنه يوجد إمضاء للسيرة حتى نقول إنَّ دليل الامضاء هو الذي يكون حاكماً إلى الآيات الكريمة ، وإنما دليل الامضاء يشك في أصل وجود ، فإذاً لا معنى لأن تكون السيرة حاكمة ، لأنَّ هذا تدخّلٌ في سلطان الغير ، ودليل إمضائها إن كان موجوداً فيمكن ذلك ، لأنَّ دليل الامضاء شرعي ، ولكن المفروض أنا نشك في إمضائها ونحتمل أنَّ الآيات رادعة من دون وجود إمضاء .
الجواب الثالث[1] :- إنكم قلتم إنَّ السيرة حاكمة على الآيات ، ونحن نقول: كما أنَّ السيرة تجعل الخبر على رأيكما علماً ، كذلك الآيات التي تنهى عن اتّباع الظن يمكن أن نقول هي ترشد إلى عدم حجية الظن ، خصوصاً مثل لسان ﴿ إنَّ الظن لا يغني من الحق شيئاً ﴾ ، فهذا واضح بأنه إرشاد إلى أنَّ الظن ليس علماً ولم أجعله علماً ، وبالتالي سوف يصير كلّ واحدٍ منهما معارضاً للآخر ، فالسيرة ترشد إلى أنَّ الخبر علمٌ ، والآيات ترشد إلى أنَّ كل ظنٍّ ليس بعلم ، فلا يصير المورد مورد الحكومة ، وإنما يصير مورد التعارض غير المستقر ، يعني عام وخاص ، فالآيات تقول كلّ ظنٍّ من الظنون ليس بحجة يعني ليس علماً ، والسيرة تقول إنَّ خصوص الخبر هو حجة يعني هو علم ، وعليه فسوف يصير الورد مورد التخصيص وليس مورد الحكومة كما أفدتما.
إن قلت:- إذا صار المورد من التخصيص فهو سوف ينفعهما ، يعني بالتالي سوف تصير السيرة مخصّصة للآيات الكريمة ، فثبت بذلك المطلوب.
قلت:- إنَّ تخصيص السيرة للآيات الكريمة فرع أن تكون السيرة حجة ، والمفروض أنَّ الآيات الكريمة بعمومها تشمل السيرة ، فهي إذاً مردوعٌ عنها ، فلا تكون حجة حتى تصلح أن تكون مخصِّصة.
فنحن نقول:- للعلمين سلّمنا أنَّ السيرة تجعل الخبر علماً كما أفدتما ، لكن نقول: فلنذهب إلى الآيات الكريمة فيمكن أن نقول إنَّ النهي الموجود فيها هو ارشادٌ إلى عدم حجية أيّ ظنٍّ من الظنون ، يعني هي ترشد إلى أنَّ أيّ ظن من الظنون لم أجعله علماً ، فيصير المورد ليس مورد الحكومة بل يصير مورد العام والخاص.
وإذا قلت:- إذا صارت السيرة مخصَّصة فهذا ينفعنا.
قلت:- إنَّ هذا يتم فيما إذا كانت السيرة حجّة ، ومع وجود العام الذي يشمل السيرة فلا تكون ممضاة ، فلا تكون حجة فلا تصلح أن تكون مخصصة.
ثم نستدرك ونقول:- نعم لو قلنا إنَّ الآيات الناهية عن الظن لا يكون النهي فيها ليس ارشادياً وإنما يكون النهي فيها مولوياً تكليفياً فالسيرة آنذاك سوف يكون دورها أنها مخصّصة للنهي التكليفي وتُخرِجُ واحداً من الظنون من عموم الآيات الكريمة وهو الظن الخبري ، لكن هذا صحيح فيما إذا كانت السيرة حجة ، ومع وجود ذلك النهي عن كلّ ظنٍّ لا تثبت حجيتها ، فعادت المشكلة من جديد ، فلا تصلح السيرة أن تكون مخصَّصة.
وسوف تصير النتيجة:- هي إنه إذا قلنا إنَّ النهي في الآيات الكريمة ارشادي فالمورد يصير من التخصيص ، وإنما تكون السيرة مخصّصة فيما إذا ثبتت حجيتها ، والمفروض أنَّه يحتمل أنَّ الآيات الكريمة رادعة عنها ، وإذا قلنا إنَّ النهي في الآيات مولوي فالأمر كذلك ، فحينئذٍ نقول في مثل هذه الحالة هي تنهى عن كلِّ ظنٍّ وتأتي السيرة وتُخرِج الخبر وتجعله علماً ، ولكن هذا فرع حجيتها ، ومع جود العموم فهو يكون رادعاً عن هذه السيرة ، فإذاً على كلا التقديرين لا يتم ما أفاده العلمان.