40/03/19
الموضوع:- حجية خبر الواحد.
ويرده:-أوّلاً:- فيمكن أن يقال إن بعض الآيات المستشهد بها ناظرة إلى اتّباع الظن في أصول الدين وأجنبية عن التمسك بالخبر في فروع الدين في وجوب شيء وحرمة شيء وجزئية السورة أو حرمة القِران أو ما شاكل ذلك ، فبعض الآيات ناظرة إلى أصول الدين وبعض الآيات الأخرى ناظرة إلى قاعدة عقلائية وأنَّ المقصود أنه لا تتّبع غير الحجة وعليك باتباع الحجّة ، كما سيتضح.
أما بالنسبة إلى الآيات الأولى التي تنهى عن اتباع الظن في أصول الدين:- فهي مثل ﴿ إنَّ الظن لا يغني من الحق شيئاً ﴾ فإننا لو قرأنا الآيات المتقدمة على هذه الآية الكريمة نراها مرتبطة بأصول الدين واثبات الخالق وبذلك تكون هذه الآية الكريمة محفوفة بما تحتمل قرينيته فلا ينعقد لها إطلاق بل يكون القدر المتيقن اتباع الظن في أصول الدين ، فلاحظ الآيات التي قبلها وهي ﴿ قل هل من شركائكم من يبدا الخلق ثم يعيده قل الله يبدا الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون ، قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدِّي إلا أن يُهدَى فمالكم كيف تحكمون ﴾ ، ثم قالت مباشرة ﴿ وما يتبع اكثرهم إلا ظنّاً إنَّ الظنَّ لا يغني من الحق شيئاً ﴾[1] ، فإذاً هي واضحة في سياق اثبات الخالقية وأنَّ هذا العالم هو من الله عزَّ وجلّ ، فإذاً لا يوجد فيها اطلاق حتى نحتاج إلى ردّها.
وأما بالنسبة إلى الثاني:- فهو قوله تعالى ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم ﴾ ، إنه لا يبعد أن يكون المقصود من هذا الاشارة إلى قضية عقلائية قبل أن تمكون قضية شرعية وقرآنية ، وهي أنَّ الإنسان لا يمكن أن ينسب شيئاً إلى أحدٍ إلا أن يكون له علم بذلك ، والمقصود من العلم هنا الحجة ، وإلا لا يحتمل أن يكون العلم بخصوصه معتبر ، بل لابد أن تكون عندك حجّة ، فالقضية قضية عقلائية والمراد بالعلم هنا الحجة ، ولا يبعد أنه عبّر عن الحجة بالعلم باعتبار أنَّه أظهر مصاديق الحجّة.
وعلى أيّ حال لا نحتمل عقلائياً أنَّ العلم له مدخلية وموضوعية في الاثبات وإنما المدار على الحجة ، فإذا كان الخبر قد ثبتت حجيته بأدلة سابقة فلا يكون مشمولاً للنهي في هذه الآية الكريمة.ثانياً:- إنَّ قوة الردع عن قضية مستحكمة لابد أن يكون مناسباً لها ، فإن قوة الرادع يلزم أن تتناسب مع قوة المردوع ، فإذا كان المردوع شيئاً قوياً مستحكماً عند العقلاء بدرجة تسعين بالمائة مثلاً فلابد أن يكون الردع بدرجة تسعين أيضاً لا أن يكون أقلّ من ذلك ، ومن الواضح أنَّ العمل بخبر الثقة مستحكم عند العقلاء في شؤونهم وأمورهم بقوّة ، ونظام الحياة أصلاً هو قائم على الاعتماد على خبر الثقة ، فإذا أراد الشارع أن يردع عن ذلك فلابد أن تأتي بآيات كثيرة وصريحة بلسان أنه لا تتّبع الخبر لا أنها تأتي بدائرة أوسع وهو التعبير بالظن - يعني الردع عن الظن - ، فهذا ردعٌ بالعموم وليس ردعاً بالخصوص ولابد أن يكون الردع بالخصوص وبروادع كثيرة ، والمهم أن يكون الردع بالخصوص لا بالعموم ، وهذه الآيات الكريمة تردع بالعموم لا بالخصوص ، فقوّة الردع لا تتناسب مع قوّة المردوع.
ثالثاً:- إنَّ هذه الآيات الكريمة كان يقرأها المسلمون صباحاً ومساءاً ومع ذلك كانوا يعملون بالخبر ، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على عدم صلاحيتها للردع ، وإلا كيف بقوا على العمل بالخبر ، بل لا أقل كان من المناسب للأئمة عليهم السلام أن يقولوا إنه لا يجوز ذلك ، فهذه الطريقة وهذه العادة لابد من الوقوف أمامهما بشكلِ قويّ ، فبقاء السيرة منعقدةً بشكلٍ قوي إن دلّ على شيء فإنما يدل على عدم صلاحية هذه الآيات الكريمة للرادعية . ولعله بالتأمل توجد ردود أخرى.
ثم إنَّ هناك جواباً آخر للشيخ النائيني(قده) ووافقه عليه السيد الخوئي(قده):- وحاصله: إنَّ الحجية تعني جعل العلمية ، حيث قالوا إنَّه بناء على مسلك جعل العليمة إذا ثبتت حجية الخبر بالأدلة السابقة ومنها السيرة صار الخبر علماً ، وبعد صيرورته علماً فحينئذٍ يخرج من موضوع الآيات وتتحقق الحكومة ، يعني يصير دليل حجية الخبر حاكماً على الآيات الناهية عن اتباع الظن ، إذ تقول أدلة حجية الخبر إنَّ الخبر علمٌ وحينما اعتبرت الخبر علماً فحينئذٍ تسحبه من الآيات الناهية عن الظن فتقول هذا ليس بظنٍّ وإنما هو علم ، وحينئذٍ يصير المورد من باب الحكومة.
فإذاً لا توجد معارضة ، ولا نحتاج إلى جوابٍ آخر غير ما ذكراه(قده).وقبل أن نذكر هذا المطلب نشير إلى مطلبٍ آخر من المناسب ذكره أوّلاً ثم نذكر المطلب الذي ذكراه بعده:- وهو أنه هل يصح دعوى أن دليل حجية الخبر الذي ذكرناه سابقاً يكون مخصّصاً للآيات الناهية عن اتباع الظن ؟ ، فالآيات الناهية عن اتباع الظن تقول إنَّ الظن ليس بحجة إلا الخبر ، فهل عملية التخصيص هذه مقبولة أو لا ؟
والجواب:- المناسب أن نقول: إنَّ كان الدليل هو الآيات أو الروايات فنعم يمكن التخصيص ، يعني إذا كانت توجد عندنا آيات أو روايات تدل على حجية الخبر فتصير مخصّصة للآيات الناهية عن اتباع الظن ، وهذا لا بأس به ، لأنها أدلة نقلية والتخصيص فيها جائز ، وأما إذا كان الدليل لحجية الخبر هو السيرة فالسيرة إنما تكون حجة إذا لم تكن مردوعة ، ومع وجود هذه العمومات فسوف تكون محتملة الردع ، فلا تكون حجة حتى تصير مخصِّصة ، فإذاً المناسب هو التفصيل.
وبعد أن ذكرنا هذا نأتي ونقول:- إنَّه ذكر الشيخ النائيني(قده)[2] ووافقه السيد الخوئي(قده)[3] على أنَّ ادلة حجية الخبر - من دون تفصيلٍ - تكون مُخرِجة للخبر من الآيات الناهية عن اتباع الظن بناءً على مسلك العلمية ، فتصير حكومة ، والحاكم هو الآيات والروايات والسيرة[4] .
ويردّه:-أوّلاً:- إنَّ الدليل إذا كان على حجية الخبر هو الآيات والروايات فلا كلام ، وأما إذا كان هو السيرة فنسأل ونقول: هل الحاكم هو نفس السيرة أو الحاكم هو دليل إمضاؤها ؟ فإنَّ قالا إن الحاكم هو نفس السيرة ، فيردّه: أمران الأول: إنَّ السيرة المفروض أنها ليست حجة لأننا غير ناظرين إلى دليل إمضاؤها فكيف تكون حاكمة ، والحكومة فرع حجية الحاكم .
ثانياً: إنَّ الحاكم يلزم أن يكون هو الشرع لا العقلاء ، فإنَّ أحكامي أكون أنا الحاكم عليها بأحكامي الأخرى ، فأحكامي يكون بعضها حاكمٌ على بعضٍ ، أما أنَّها أحكامي وتأتي أنت وتصدر حكماً منك ويكون هذا الحكم الصادر منك حاكماً على حكمي فهذا لا يمكن ، فإنه يلزم في باب الحكومة أن يكون الحاكم والمحكوم من مصدرٍ واحدٍ ولا معنى لأنَّ تحكم جهةٍ على أحكام جهةٍ ثانية فإنها لا ولاية لها في ذلك ولا معنى له ، فعلى هذا الأساس في باب الحكومة يلزم أن يكون الحاكم والمحكوم كلاهما من جهةٍ واحدةٍ ، ولا معنى لأن تكون الآيات الكريمة صادرة من الله تعالى والحاكم هم العقلاء فيوسّعون ويضيّقون في اكام الله تعالى فإنَّ هذا غير معقول.
وأما إذا كان الحاكم هو إمضاء السيرة الذي هو صادر من الشرع فالإشكال الثاني لا يأتي ، فجوابه: إنه ثبّت العرش ثم انقش ، فكلامنا الآن هل يوجد امضاء للسيرة والمفروض أنَّ السيرة لم يثبت امضاؤها لاحتمال كون الآيات الناهية عن اتباع الظن رادعة عنها ، فالسيرة بَعدُ لم يثبت امضاؤها فكيف يكون دليل امضائها هو الحاكم على الآيات الكريمة والمفروض أنه بَعدُ لم يثبت إمضاؤها ؟!!