40/03/18
الموضوع:- حجية خبر الواحد.
الدليل الثالث[1] :- قال الأصوليون هو الاجماع والسيرة.
ونحن نقول:- إنَّ الاجماع قد أكل الدهر عليه وشرب ، فإنَّ الاجماع يمكن التمسّك به إذا كان غير محتمل المدرك ، أما هنا فتوجد آيات وروايات وسيرة وحينئذٍ سوف يصير اجماعاً محتمل المدرك فكيف يكون دليلاً فلذلك من الأولى أن لا ندخل فيه والمهم هو السيرة.
والسيرة لا إشكال في انعقادها على العمل بخبر الثقة ، بل نظام العباد الإنسان جارٍ على الاعتماد على خبر الثقة - على العمل بالخبر في الجملة - وهذا شيء مسلّم في أمورنا ، كأن جاء فلان من السفر فنعتمد على خبر الثقة فيه ، وفي القضايا الأخرى أيضاً نعتمد على الأخبار ، فالاعتماد على الأخبار في الحياة الانسانية والعادية شيء مسلم ولا كلام فيه من هذه الناحية و، لكن الذي نريده هو السيرة على العمل بالخبر في المجالات الشرعية ، أما العمل بالخبر في المجالات العادية فقد تقول ماذا ينفعنا ؟ والجواب: إنَّ هذا ينفعنا أيضاً ، وذلك ببيان: أنَّ هذه السيرة الثابتة لهم في قضاياهم العادية يحتمل أن يسحبونها بذوقهم العرفي والعقلائي في يوم من الأيام إلى القضايا الشرعية فلابد للشارع من باب الحذر المسبق الردع عن تطبيق هذه السيرة في المجال الشرعي ، فالسكوت وعدم الردع يدل على ارتضاء الشارع بتطبيقها في المجال الشرعي ، فإذاً هذه قضية ينبغي أن تكون واضحة.وتوجد قضية أخرى ينبغي أن تكون واضحة:- وهي أنه قد يدّعى انعقاد سيرة المتشرعة إلى جنب سيرة العقلاء فيقال إنه قد انعقدت كلتا السيرتين العقلائية والمتشرعية على العمل بالخبر ، فإن أصحاب الأئمة عليهم السلام مثلاً أصحاب الامام العسكري أو الهادي عليهما السلام تقلوا مجموعة كبيرة من أخبار الامام الصادق عليه السلام وأخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي وصلت من خلال الأئمة السابقين عليهم السلام فهذه الأخبار قد عملوا بها ولم يطرحوها جزماً ، وهذه سيرة متشرعة ، فإذاً نتمكن أن نقول توجد سيرتان سيرة عقلائية وسيرة متشرعية على العمل بخبر الثقة.
والجواب:- نحن نسلّم أنَّ المتشرعة من أصحاب الأئمة قد عملوا بالأخبار ، ولكن نقول لعلّ ذلك من باب ذوقهم العقلائي لا من باب ذوقهم المتشرعي ، يعني أنهم عملوا بها لا من باب أنهم متشرعة وإنما عملوا بما هم عقلاء ، وهذه قضية يجدر الالتفات إليها ، ومن هنا قلنا إنه كلّما اجتمعت السيرتان في موردٍ كالعمل بالظواهر فإنه قد جرت سيرة العقلاء على العمل الظواهر وقد يضاف إلى ذلك سيرة المتشرعة ، فإنَّ هذا الاشكال يأتي ويقال لعل المتشرعة عملوا بها لا بما هم متشرعة وإنما عملوا بما هم عقلاء ، فهذه قضية سيّالة يجدر الالتفات إليها ، بما في ذلك مقامنا ، فلا يمكن التمسّك بكلتا السيرتين.
نعم قد يتغلّب على هذا الاشكال بهذا البيان:- وذلك بأن نقول: إنَّ أصحاب الأئمة عليهم السلام حينما عملوا بالأخبار التي وردتهم من الأئمة السابقين فإما أن نقول إنَّ عملهم نشأ من بيانٍ قد وصلهم من الأئمة السابقين علهم السلام أو من الأئمة المعاصرين لهم ولو من قبيل اعملوا واكتبوا واحتفظوا وتناقلوا هذه الأخبار ، أو لا يكون ذلك لبيانٍ وصلهم من الأئمة عليهم السلام ، فعلى الأوّل تكون هذه سيرة متشرعة ، لأنها تلقيت من الأئمة عليم السلام وهي سيرة من المتشرعة بما هم متشرعة ، إذ المفروض أنَّ البيان قد وصل من قبل الأئمة عليهم السلام ، وإذا لم يكن ذلك لبيانٍ وصل إليهم من الأئمة عليهم السلام فهذا بذوقهم العقلائي فصارت سيرة عقلائية.
وبهذا البيان يمكن أن نضم سيرة العقلاء إلى سيرة المتشرعة ، وهذه خصوصية في المورد ، أما في الظواهر فمن البعيد أن يأتي بيانٌ من الأئمة عليهم السلام بأن اعملوا بالظواهر ، فلأجل وجود خصوصية في المورد يمكن التلفيق بين السيرتين بالبيان الذي ذكرناه.بقي شيء:- وهو أنه إذا كانت السيرة التي نستدل بها هي سيرة عقلاء فهي إنما تكون حجة ففيما إذا ضُمّ إليها الامضاء المستكشف من عدم الردع وربما يقال إنَّ الردع موجود ، وأعني به الآيات الناهية عن اتباع الظن وغير العلم ، وهذا بخلافه فيما إذا كان المستند سيرة المتشرعة فإنَّ حجيتها لا تتوقف على عدم الردع ، وهذا امتياز بين السيرتين.
فإذاً إذا أردنا أن نتمسّك بسيرة العقلاء فلابد من ضم قضية عدم الردع حتى يكون دليلاً على الامضاء بخلافه في سيرة المتشرعة ، وربما يقال إنَّ الردع موجودٌ ، وذلك عبارة عن الآيات الناهية عن اتباع الظن ، وهذا شيء وجيه.ولكن نحن نؤجّل هذا إلى الأدلة المعارضة ، لأنَّ سيرة العقلاء تحتاج إلى عدم ردع وقد يقال إنَّ الردع موجود ، إذ كما توجد آيات في الكتاب الكريم تدل على حجية خبر الثقة مثل آية النبأ كذلك توجد آيات رادعة عن العمل بخبر الثقة ، يعني الآيات الناهية عن اتباع الظن وغير العلم ، من هنا وقع الكلام بين الأصوليين في أنَّ هذه الآيات صالحة للردع أو ليست صالحة للردع ، ونحن نؤجل البحث عن هذا إلى أدلة عدم الحجية ، لأنه بالنسبة إلى خبر الثقة قد يتمسّك بأدلة على حجيته وهي من الكتاب والأخبار والسيرة ، وقد يتمسّك بأدلة على عدم حجيته ، فنبحث هذه الآيات الناهية عن اتباع الظن في أدلة عدم الحجية ، خلافاً للأصوليين فإنهم كرّروا هذا البحث ، فالآيات الناهية عن اتباع الظن بحثوها مرتين ، مرّة في مسألة السيرة وأنه هل يوجد رادع عنها أو لا ، وبعد أن فرغوا من أدلة حجية الخبر ذهبوا إلى أدلة عدم حجية الخبر ومن جملة مما استدلوا به على عدم حجية الخبر هي الآيات الناهية عن اتباع الظن ، فحصل تكرار في ذكر هذه الآيات الكريمة ، وهذا لا داعي إليه ، بل كان من المناسب الحوالة على هذا المورد ، ونحن الآن سوف ندخل في أدلة عدم الحجية .والأدلة على عدم الحجية تارةً تكون من الكتاب الكريم وتارة تكون من السنَّة الشريفة ، وتارةً تكون من الاجماع ، ومن الواضح أننا قلنا إنَّ الاجماع ليس بمهم إنما المهم هو الكتاب الكريم والسنَّة الشريفة.أما الكتاب الكريم:- فأوّل ما يستدل به هو الآيات الناهية عن اتباع الظن بتقريب أنَّ الخبر لا يفيد إلا الظن فيكون مشمولاً لهذه الآيات من قبيل قوله تعالى ﴿ ولا تَقفُ ما ليس لك به علم ﴾[2] ، وقوله تعالى ﴿ إنَّ الظن لا يغني من الحق شيئاً ﴾[3] .
إذا قد يتمسّك بآيتين كريمتين على عدم حجية الخبر.