40/03/12
الموضوع:- حجية خبر الواحد.
ونبغي الالتفات إلى قضية:- وهي أنه لو رجعنا إلى الروايات المرتبطة بالخبر فهل يمكن تحصيل التواتر بدرجة الاطمئنان أو اليقين ؟
ونحن نريد أن نبيّن ملاحظة لعها تؤثر وهي واقع حال ولابد من الالتفات إلى ذلك:- وحاصل ما نريد أن نقوله هو أنَّ الروايات المذكورة في الوسائل والتي قلنا ذكر ثمانية ثمانين رواية في الباب الثامن أبواب صفات القاضي وذكر وثمانية وأربعين في الباب الحادي عشر فهذه الروايات لو كان كلها تدل على الحجية فنقول يحصل يقين أو اطمئنان - وأيهما المناسب فنحن لسنا بصدده الآن - ولكن لو رجعنا إليها فلربما نقوم بعزل مجموعة منها وعدم أخذها بعين الاعتبار ، ونذكر لكم بعض الأمثلة على ذلك :-
فمثلاً هناك طائفة من الروايات التي ذكرت كدليل على حجية الخبر من قبيل إرجاع الامام إلى أشخاص معينين بأعيانهم من قبيل رواية يونس بن يعقوب:- ( قال: كنّا عند أبي عبد الله عليه السلام فقال: أما لكم من مفزع أما لكم من مستراح تستريحون إليه ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النصري ؟! )[1] ، وعلى منوالها رواية المفضّل بن عمر من أنَّ أبا عبد الله عليه السلام قال للفيض بن المختار:- ( إذا اردت حديثاً فعليك بهذا الجالس وأومأ إلى زرارة )[2] ، فهاتان الروايتان وما على منوالهما عدة من الطوائف الدالة على حجية خبر الثقة .
ولكن يمكن أن يناقش في دلالتها:- فإنَّ الامام عليه السلام لم يُرجِع لأجل الوثاقة ، فهو لم يقل لأنه ثقة ، ولعل النكتة هي شيء آخر أعلى من الثقة وأنَّ هذا الشخص ممّن نعتمد عليه بحيث لو كان للإمامة أو للنبوة امتداد - إن صحّ التعبير - لكان صالحاً لذلك ، وهذه درجة عالية أعلى من الوثاقة ، فصحيح أنَّ الامام عليه السلام أرجع إلى الحارث بن المغيرة وزرارة ولكن لم يبيّن أن النكتة هي الوثاقة حتى نخرج بنتيجة أنَّ خبر الثقة حجة ونجعلها من الطوائف الدالة على حجية خبر الثقة ، بل لعلّ النكتة هي أنه من أصحاب المقام السامي من قبيل ميثم التمّار ومالك الأشتر وغيرهما من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، فهؤلاء الأمر فيهم ليس مجرّد وثاقة بل هم أصحاب مقامات عالية ، فإذاً هذه الطائفة نخرجها من الحساب.
وهناك طائفة ثانية:- وهي ما دل على الأمر بالرجوع إلى ثقاتنا ، من قبيل:- ( لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قد عرفوا بأنّا لا نفاوضهم سراً )[3] ، فهذه تمسك بها جماعة على حجية خبر الثقة ، ولكن لابد من حذفها من الحساب ، لأنها لم تعبّر بالثقة بل قالت ( ثقاتنا ) ، وهذه الاضافة مثل ما أقول لك ( هذا ثقتي ) ، فـتعبير ( هذا ثقتي ) غير تعبير ( هذا ثقة ) ، وإذا أردت أن أقرِّض شخصاً فتارةً أقول ( هذا ثقة ) وأخرى أقول ( هذا ثقتي ) فتقول لي اكتب لي ( هذا ثقتي ) ، ولماذا ؟ لأنه توجد فيها دلالة على مرحلة أعلى.
فإذاً هذه الروايات التي ترجع إلى عنوان ( ثقاتنا ) لا يمكن الاستدلال بها على حجية خبر الثقة ، فلابد من حذفها من الحساب ، فإنَّ عنوان ( ثقاتنا ) عبارة عن الثقة زائداً مزيد مزيَّة حتى تصح الاضافة.ومن جملة الطوائف التي لابد من حذفها من الحساب أيضاً:- الطائفة التي أمرت بحفظ الأحاديث وجمعها وكتابتها وتناقلها من قبيل رواية أبي بصير:- ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا )[4] ، وكرواية عبيد بن زرارة قال أبو عبد الله عليه السلام:- ( احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها )[5] ، وجاء في خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد الخيف :- ( نظّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وابلّغها من لم تبلغه ، يا أيها الناس ليُبلّغ الشاهد الغائب فربَّ حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه غلى من هو أفقه منه )[6] ، يعني يريد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يحرّض على النقل ، لأجل أنك قد لا تستفيد من الأحاديث وإنما تحفظها فقط فانقلها إلى غيرك حتى يستفيد منها لأنه ذهنه يعمل بشكلٍ أكثر ، ولو قلت إنَّ ذهني يعمل أيضاً ؟! فنقول: إنك حينما تنقلها فذاك الشخص ربما يكون ذهنه يعمل أكثر فتستفيد من ذلك ، فهذه كّلها تشترك في الدلالة على نقل الحديث وضبطه ، وقد ذكروها من أدلة حجية خبر الثقة فهل نبقيها أو نحذفها ؟
يمكن أن يقال: إنه يلزم حذفها ، لأنها لا تدل على حجية خبر الثقة ، وذلك لعل المدار على أكثر من الوثاقة بأن يحصل اطمئنانٌ أو علمٌ.وقد تقول:- إذاً لماذا أمر النبي الامام بالنقل والكتابة ؟
قلت:- أنت إذا كتبت ونقلت فسوف تحصل حينئذٍ وسائل لحصول العلم ، فهذه الروايات لم تعلّل بأنَّ خبر الثقة هو حجة ، وإنما أقصى ما يلزم اللغوية إذا كان الخبر ليس بحجة ، ولكن يكفي في دفع اللغوية أن يكون الحجة فقط هو الخبر المفيد للعلم أو الاطمئنان لا كلّ خبر ثقة ، فهذه الطائفة أيضاً لابد من حذفها من الحساب.
وهناك طائفة رابعة:- وهي الطائفة التي تقول إنه عند التعارض لابد من الأخذ بما خالف العامة أو وافق الكتاب ، فهذه استدل بها على حجية خبر الثقة ، ولكن لابد من حذفها من الحساب ، فإنها تدل على الحجية بالجملة لا بالجملة ، إذ لعلّ الحجة هو الخبر المفيد للعلم أو للاطمئنان ، فلو تعارض خبران من هذا القبيل بأن كان سند الأوّل قطعي وسند الثاني قطعي أيضاً وتعارضا - فإنه يوجد تعارض من هذا القبيل - فإذاً هذه مجملة من هذه الناحية فإنها ساكتة أيضاً ، فلا يمكن أن نستفيد منها حجية مطلق خبر الثقة ، فلعل الحجة هو حصّة خاصة وهو الخبر المفيد للعلم أو الاطمئنان أو ما شاكل ذلك.
نعم لابأس بأن نذكر هذه الطائفة:- وهي ما دل على الارجاع إلى بعض الشخاص معللاً بأنه ثقة ، من قبيل ما رواه عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعاً عن الرضا:- ( قلت:- لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما احتاج إليه من معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني ؟ فقال: نعم )[7] ، فهنا سأل أنه ثقة حتى آخذ منه ؟ ، فجعل السائل المدار على الوثاقة والامام عليه السلام أقرّه على ذلك - يعني أنَّ المناط هو الوثاقة - ، فمثل هذه الرواية لا بأس بالتمسك بها.
وهكذا الروايات التي دلت على أن المدار على الأخذ أوثقهما:- كمرفوعة زرارة:- ( خذ بقول اعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك )[8] .
والخلاصة من كلّ هذا:- إنه لابد من النظر في هذه الأخبار التي نريد أن نقول هي متواترة - إما بالتواتر الاجمالي أو بالتواتر المعنوي - ونلاحظ أنها في نفسها هل فيها دلالة على حجية خبر الثقة أو لا ، وبعد أن نفرغ من ذلك نلاحظ هل فيها تواتر أو لا ؟