40/03/02
الموضوع:- حجية خبر الواحد.
وفيه:- نسلّم أن مجيء الفاسق يحقق النبأ ولكن ليس هو المحقق الوحيد ، بل كما يتحقق به يتحقق النبأ بمجيء العادل أيضاً ، فلو كان الشرط هو مجيء المخبر فاسقاً كان أو عادلاً فنسلّم هنا أنه لا مفهوم لأنَّ الشرط هو المحقق الوحيد للموضوع ، لأنَّ الشرط المحقق للموضوع - الذي هو النبأ - صار هو مجيء المخبر أعم من كونه فاسقاً أو عادلاً فلا يثبت المفهوم ، لأنَّ الشرط هو المحقّق للموضوع.
وإن شئت قلت:- إنَّ المفهوم يتولد من تقيد الحكم بشرطه لا بموضوعه ، فإن تقيّد بموضوعه لا يتولد له المفهوم ، وإلا فكل قضية حتى الوصفية أو اللقبيَّة الحكم متقيّد بموضوعه فيلزم أن يكون لكل القضايا مفهوم !! ، فإذا قلت ( جاء زيد ) لابد أن يكون له مفهوم ، يعني لم يجئ عمر ، وهل تلتزم بهذا ؟ كلا ، رغم أنَّ المجيء متقيّد بموضوعه - وهو زيد-.
إذاً تقيّد الحكم بموضوعه لا يولّد المفهوم ، وإنما المفهوم هو من نتائج تقيّد الحكم بشرطه ، والمفروض أنَّ الشرط هنا هو تمام الموضوع ، يعني الشرط إذا افترضناه هو مجيء العادل ومجيء الفاسق فلا مفهوم ، لأنَّ تقيّد الحكم بشرطه عبارة أخرى عن تقيّد الحكم بموضوعه فلا مفهوم ، وأما إذا كان الشرط هو مجيء الفاسق فقط لا مطلق المجيء من فاسقٍ كان أو عادلٍ فالشرط لا يكون هو المحقق للموضوع وهو الموضوع ، فيبقى الشرط مغايراً للموضوع ، ومادام مغايراً للموضوع فيصدق أنَّ الحكم مرتبط بشرطه فيتولّد المفهوم.التقريب الثاني:- ما ذكره السيد الروحاني(قده)[1] وحاصله:- إنَّ المفهوم للشرطية يتولّد بسبب اطلاق الشرط ، فإطلاق الشرط هو السبب في تولّد المفهوم ، يعني إذا قلت ( إذا جاء زيد فأكرمه ) فالشرط هو ( إذا جاء زيد ) والحكم هو ( فأكرمه ) ، فالحكم رُتّب على المجيء ، ومقتضى الاطلاق أنَّ المدار على المجيء ، فإذا جاء أكرمه ، أما إذا لم يجئ حتى لو مرض قبلا المجيء أو لاحقاً أو سافر قبل المجيء أو لا حقاً فالمدار على المجيء فإذا جاءك فأكرمه ، يعني حتى لو سبق المرض فالمدار على المجيء ، فهذا يدل على أنَّ المجيء هو السبب الوحيد لوجوب الاكرام ، إذ لو كان هناك سببان فلو تقدّم السفر أو المرض يلزم أن يستند وجوب الاكرام إلى أسبق العلل ، فاستناده إلى المجيء فقط يدل على أنَّ المجيء علّة منحصرة ، وبسبب هذا الاطلاق- الذي يثبت لنا العلّية الانحصارية للمجيء - والذي هو إذا جاءك زيد فأكرمه أما إذا لم يجئك فلا تكرمه ، فمقتضى الاطلاق أنَّ المدار على المجيء ومن هذا يتولّد المفهوم.
إذاً المفهوم من نتائج الاطلاق في الشرط وأنه إذا جاءك أكرمه ، يعني المدار على المجيء أما أنه يتقدّم سفر أو مرض أو شيء آخر أو يتأخر فهذا لا ينفع ، وإنما المدار على المجيء فإنَّ ذلك يثبت المفهوم ، فالطريق الاثبات المفهوم في ( إن جاءك زيد فأكرمه ) هو هذا ، وهذا بخلافه في مثل آية ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ ، فإنَّ غاية مدلولها هو إنَّ مجيء الفاسق يوجب التبيّن ، وهذا لا يتنافى مع كون مجيء العادل يوجب للتبيّن أيضاً ، والاطلاق لا يمكن أن تستعين به هنا ، فإنَّ الاطلاق هنا أصلاً لا صياغة له ولا معنى ، ففكرة الاطلاق لا يمكن تطبيقها هنا إذ أقصى ما يفهم من ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ هو أنَّ مجيء الفاسق موجب للتبيّن ، وهذا لا يتنافى مع كون مجيء العادل بالنبأ أيضاً من موجبات التبين ، والاطلاق لا مجال له هنا ، فلا يوجد اطلاق ، إنما الاطلاق وجيه في مثل ( إن جاءك زيد فأكرمه ) حيث جعل المجيء سبباً لوجوب الاكرام ، فمن الاطلاق نفهم أنه عند المجيء يثبت وجوب الاكرام حتى لو تقدم المرض أو السفر فهذا ليس بمهم بل المهم أن يتولّد وجوب الاكرام عند المجيء وهذا يدلّ على أنَّ السبب الوحيد هو المجيء ، أما هنا فالآية الكريمة تدل على أنَّ مجيء الفاسق سبباً للتبيّن وهذا لا يتنافى مع كون مجيء العادل بالنبأ سبباً للتبيّن أيضاً ، والاطلاق هنا لا معنى له.
وحصيلة كلامه:- إنَّ المفهوم وليد اطلاق شرطية الشرط - سببية الشرط - ، وهذا الاطلاق ثابت في مثل ( إن جاءك زيد فأكرمه ) ، وليس بثابت في مثل ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾.
وفيه:-أوّلاً:- إنه ذكر أنَّ المفهوم وليد الاطلاق ، فهو حصر السبب للمفهوم بالإطلاق ، وحيث إنَّ الاطلاق لا يمكن أن نطبقه في ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ ... ﴾ فإذاً لا ينعقد مفهوم في الآية الكريمة ، وإنما ينعقد في مثل ( إن جاءك زيد فأكرمه ).
ونحن نقول:- هناك طريق ثانٍ لإثبات المفهوم غير الاطلاق ، فلا ينحصر الطريق بالإطلاق ، وهو أن يقال:- إنَّ نفس كلمة ( إن ) أو ( إذا ) - أي أدوات الشرط - هي في لغة العرب تفيد أنَّ هذا معلّق على هذا وهذا يثبت عند ثبوت هذا ، يعني وجوب التبيّن معلّق على المجيء ، فإنَّ أدوات الشرط موضوعة في لغة العرب لإفادة التعليق والشرطية والتوقف و..... ، وهذا طريق مختصر.
فإذاً يوجد طريقان الأوّل الاطلاق والثاني هو هذا ، وهذا الطريق الثاني نتمسّك به في الآية الكريمة ، فنستفيد من أداة الشرط الموجودة في الآية الكريمة - ( إن ) - أنَّ وجوب التبيّن معلّق على مجيء الفاسق ومتوقف عليه ، وهذا بنفسه يفيدنا في ثبوت المفهوم ، فلا تقل إنَّ سبب المفهوم هو الاطلاق لا غير والاطلاق يتصوّر في مثل ( إن جاءك زيد فلا تكرمه ) ولا يتصور في مثل ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ ﴾.
ثانياً:- لو تم ما ذكره من أنَّ السبب لاستفاد المفهوم هو الاطلاق فقط ، فإذا كان هكذا فيلزم حتى على الاحتمال الأوّل الذي يكون فيه النبأ هو الموضوع والشرط هو اتصاف الجائي بالفسق فهنا لا إشكال في ثبوت المفهوم فلا يستطيع أحد أن يقول لا يثبت المفهوم بناءً على هذا بل الكل متفقون على أنه على الاحتمال الأوّل المفهوم ثابت ، بينما على ما ذكره من أنَّ سبب المفهوم هو الاطلاق فالإطلاق لا يأتي في الآية الكريمة على كل الاحتمالات فيلزم أن لا نقول بثبوت المفهوم ، لأنه حصر منشأ المفهوم في الاطلاق فيلزم أن تكون الآية الكريمة على جميع احتمالاتها بما في ذلك الاحتمال الأول لا دلالة لها على الاطلاق فلا تدل على المفهوم ، وهذا لا يمكن الالتزام به ، فإذاً هذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أنَّ الاطلاق ليس هو المنشأ الوحيد لاستفادة المفهوم بل هناك منشأ آخر وهو ما أشرنا إليه من دلالة ( إنْ ) وما شاكلها في لغة العرب على إفادة المفهوم.