الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

40/02/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حجية خبر الواحد.

وفي الجواب نقول:- إنَّ الاحتمالات في الموضوع في الآية الكريمة وفي الشرط ثلاثة ، وعلى تقدير بعضها يتم ما ذكر ، وعلى تقدير بعضها الآخر لا يتم ما ذكر ، وربما يضاف احتمال رابع فتصير الاحتمالات أربعة ، فلنلاحظ الاحتمالات ثم بعد بيانها نلاحظ ماذا نستظهره ، فلعلنا نستظهر أحد الاحتمالات والذي بناء عليه لا تكون القضية مسوقة لبيان تحقق الموضوع فيكون لها مفهوم ، والاحتمالات هي:-

الاحتمال الأوّل:- أن يكون الموضوع هو النبأ - أي كلّي النبأ - لا نبأ الفاسق ، والشرط أن يكون الجائي فاسقاً فهنا يجب التبيّن ، فالموضوع هو طبيعي النبأ والشرط هو إن كان الجائي بالنبأ فاسقاً والحكم هو وجوب التبيّن ، وبناءً على هذا لا تكون القضية مسوقة لبيان تحقق الموضوع ، لأنَّ الموضوع هو النبأ والشرط وهو أن يكون الجائي به فاسقاً ، ومن المعلوم إنَّ كون الجائي متّصفاً بالفسق لا يحقق النبأ ، فسواء كان متّصفاً بالفسق أو لا فاتصافه بالفسق لا يحقق النبأ ، وبناءً على هذا لا تكون القضية مسوقة لبيان تحقق الموضوع فينعقد المفهوم ، فتصير هكذا: ( النبأ إن كان الجائي به متّصفاً بالفسق فتبيّن ) ، وحينئذٍ المفهوم يكون هو ( النبأ إن لم يكن الجائي به متّصفاً بالفسق فلا تتبينوا ) فينعقد المفهوم ، فإذا استظهرنا هذا الاحتمال فسوف يثبت المفهوم.

الاحتمال الثاني:- أن يكون الموضوع هو نبأ الفاسق ، فنبأ الفاسق هو الموضوع لا أصل النبأ ، والشرط هو مجيء الفاسق به ، فتبيّنوا ، وبناءً على هذا تكون القضية مسوقة لبيان تحقق الموضوع ، فإنَّ نبأ الفاسق يتحقق إذا جاء به الفاسق ، فمجيء الفاسق بالنبأ محقق للموضوع ، فتكون القضية مسوقة لبيان تحقق الموضوع ، فلا ينعقد المفهوم آنذاك.

الاحتمال الثالث:- أن يكون الموضوع هو النبأ - يعني كالاحتمال الأوّل - والشرط يكون مجيء الفاسق به - لا أن الجائي يكون متصفاً بالفسق - ، والتقدير هكذا ( النبأ إن جاء به الفاسق فتبيّن عنه ) ، وهنا نتمكن أن نقول إنَّ هذه القضية ليست مسوقة لبيان تحقق الموضوع ، لأنَّ الموضوع هو النبأ وهو كما يتحقق بمجيء الفاسق به يتحقق بمجيء العادل به ، فليست القضية مسوقة لبيان تحقق الموضوع ، إذ يمكن أن يتحقق النبأ بغير مجيء الفاسق به وذلك بمجيء العادل به ، فيمكن أن يقال بانعقاد المفهوم.

إذاً على الاحتمال الأوّل والثالث لا تكون القضية مسوقة لبيان تحقق الموضوع وعليه ينعقد المفهوم ، بخلافه على الاحتمال الثاني.

وأضاف السيد الخوئي(قده) احتمالاً رابعاً[1] حيث قال:- إنَّ الموضوع ليس هو النبأ - كما في الاحتمال الأوّل والثالث - ، ولا نبأ الفاسق - كما في الاحتمال الثاني - ، بل الموضوع هو الفاسق غايته أنَّ الفاسق قد يجيء بالنبأ وقد لا يجيء به ، فإذا جاء الفاسق بالنبأ فيجب التبيّن عنه ، وبناءً على هذا لا ينعقد المفهوم ، والوجه في ذلك: هو إنه إذا لم يجئ الفاسق بالنبأ يعني افترضنا أنَّ الموضوع ليس هو الفاسق وإنما جاء العادل بالنبأ ، والعادل موضوع آخر ، والمفهوم إنما ينعقد فيما إذا حافظنا على الموضوع الواحد ، وهنا تغير الموضوع من فاسق إلى عادل ، وحينئذٍ هذا موضوعٌ آخر فلا ينعقد المفهوم ، إذ شرط انعقاد المفهوم وحدة الموضوع.

وإن قلت:- لنفترض أنَّ الموضوع هو الفاسق ولكن لنفترض أنه لم يجئ بالنبأ فهنا لا يجب التبيّن.قلت:- هنا لا يجب التبيّن من باب أنه لا نبأ ، فهو سالبة بانتفاء الموضوع ، فلا ينعقد المفهوم.إذاً لا ينعقد المفهوم على هذا الاحتمال الرابع ، لأنه إذا بدلنا الفاسق إلى العادل تغيّر الموضوع وشرط انعقاد المفهوم وحدة الموضوع ، وإذا حافظنا على الموضوع - وهو الفاسق - وافترضنا أنه لم يجئ بالنبأ فإذا لم يجئ بالنبأ فالتبيّن لا يجب من باب أنه لا نبأ ، وكلامنا فيما إذا فرض وجود نبأ ، فإذاً لا ينعقد المفهوم على هذا الاحتمال.

 

إذاً الاحتمالات أربعة والذي يضرّ بالمفهوم هما الاحتمال الثاني والرابع ، فلابد من إبطالهما.

وقبل أن نعلق على الاحتمال الرابع نقول:- إنه يكفي للسيد الخوئي(قده) أن يبرز احتمال هذا الشق الرابع ولا يلزم الجزم به ، فمادام هذا الشق شيء محتمل فلا يمكن أن نقول إنَّ الآية الكريمة لها مفهوم ، فإنَّ انتفاء المفهوم لا يتوقف على الجزم بصحة هذا الشق بل يكفي احتمال إرادته ، فاحتمال أرادته يكفي لزوال المفهوم ، فحينئذٍ لا نتمكن أن نقول إنَّ المفهوم ثابت للآية الكريمة.

ونحن نقول في مقام العليق:- إنه غير محتمل ثبوتاً ولا اثباتاً.

أما ثبوتاً:- فلأنَّ الموضوع هو الذي ينصب عليه الحكم ، والذي ينصب عليه وجوب التبيّن ليس هو الفاسق بل حيثية الخبر يجب التبيّن عنه ، أما نفس الفاسق فهي ليست من الحيثيات القابلة لوجوب التبيّن عنها فإنَّ هذا ثبوتاً ليس له معنى ، فإذاً هو باطل ثبوتاً.

وأما اثباتاً:- فالآية الكريمة حينما نقرأها من واضح أنها تصبّ وجوب التبيّن على النبأ حيث قالت ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ يعني تبينوا عن النبأ وليس عن الفاسق ، وظاهرها هو هذا المعنى ، فأنت بقطع النظر عن القضية الثبوتية تكفينا القضية الاثباتية ، فإنَّ ( فتبينوا ) يعني عن نبأه الذي جاء به ، فالموضوع هو النبأ وليس الفاسق.

فإذاً الاحتمال الرابع باطل.

[1] موسوعة السيد الخوئي (مصباح الأصول، ج2 )، الخوئي، تسلسل47، ص188، 189.