40/02/03
الموضوع:- حجية خبر الواحد.
التقريب الثالث:- أن يقال: إنَّ الآية الكريمة أثبتت وجوب التبيّن بلحاظ خبر الفاسق ، وحينئذٍ نقول لا يحتمل وجوب تبيّنٍ آخر عن خبر العادل ، فإنَّ عدالة المخبر ليست من مقتضيات وجوب التبيّن ، وهذا لازمه أنَّ وجوب التبيّن مختص بخبر الفاسق ولا يوجد وجوب تبيّن عن خبر العادل وإلا يلزم أن تكون حيثية العدالة هي موجبة للتبين ، ومعلوم أنَّ حيثية العدالة ليست من موجبات التبيّن عقلائياً ، إنما الموجب للتبيّن إما هو خبر الفاسق أو أصل الخبر ، أما خبر العادل بما هو عادل فليس هو من موجبات التبيّن ، فإذاً لا نحتمل ثبوت وجوب ثانٍ للتبيّن لخبر العادل ، وبذلك ثبت المطلوب.
ويرده:-أولاً:- أنت قد أخذت وجوب التبيّن وجوبا تكليفياً ، وإذا أخذناه كذلك فسوف يأتي ما تقول ، يعني لا نحتمل أنَّ خبر العادل هو من موجبات وجوب التبيّن - يعني حيثية عدالة المخبر توجب التبيّن بحيث يصير واجب التبيّن - ، ولكن لِـمَ تأخذ الوجوب الآخر وجوباً تكليفياً ؟!! بل لنقل إنَّ الوجوب وجوب إرشادي فإنَّ هذا هو المناسب ، فإنَّ وجوب التبيّن من البعيد أن يكون وجوباً تكليفياً محضاً ، وإنما هو وجوب إرشادي ، فهو إرشاد إلى عدم الحجية كما قلنا سابقاً ، وحينئذٍ لا مانع من ثبوت حكمٍ آخر بوجوب التبيّن ولكن على مستوى الحكم الإرشادي ، فهو إرشاد إلى عدم حجية خبر العادل أيضاً ، ففي الحكم الأوّل تحقق إرشاد إلى عدم حجية خبر الفاسق ثم في الحكم الثاني إرشاد إلى عدم حجية خبر العادل أيضاً وهذا لا محذور فيه ، إنما الذي فيه محذور هو أنه يثبت وجوب تكليفي للتبيّن بعنوان خبر العادل هذا هو الذي لا يحتمل ، أما كإرشادٍ يعني صار إرشادان الإرشاد الأوّل هو أنه أُرشدك إلى أنَّ خبر الفاسق ليس بحجة ، ويوجد إرشاد ثانٍ هو أنه أرشدك إلى أنَّ خبر العادل ليس حجة أيضاً ، وهذا لا مانع فيه.
ثانياً:- إنك قلت إنه لا يحتمل ثبوت وجوب ثانٍ للتبيّن لخبر العادل ، ونحن فقول: صحيح أنه لا يحتمل ثبوت وجوب ثانٍ لخبر العادل بعنوانه ولكن يحتمل ثبوت وجوب ثانٍ تكليفي لعنوان الخبر - مطلق الخبر - لا لخبر العادل بالخصوص.
فإذن هناك وجوبان وجوب أوّل وهو لخبر الفاسق بعنوانه وهو وجوب تكليفي ، ووجوب تكليفي ثانٍ للتبيّن لعنوان الخبر بما هو خبر وليس لخبر العادل حتى تقول كون المخبر عادلاً ليس من مقتضيات وجوب التبيّن ، كلا لا وجوب تكليفي لخبر العادل بل لمطلق الخبر ، فإذا كان لمطلق الخبر فسوف يشمل العادل وغير العادل.نعم يبقى إشكال واحد:- وهو أنه كان من المناسب الاكتفاء بالحكم الثاني الذي هو وجوب التبيّن عن مطلق الخبر ، فلماذا يوجد وجوب أوّل ثابت لعنوان خبر العادل فإنَّ هذا زيادة مخلّة لا داعي إليها ، وإذا كانت مخلّة فسوف تكون مضرّة ، فإذن لا يمكن ثبوت وجوب ثانٍ بل يلزم ثبوت وجوبٍ واحد.
قلت:- إنه لا مانع من ثبوت وجوبين ثانيهما ثابت لعنوان الخبر ووجوب أوّل ثابت لعنوان الفاسق ، وهذا لا بأس به من باب التأكيد على أنَّ الفاسق لا يجوز الأخذ بخبره أو للإشارة إلى فسق هذا المخبر بالخصوص وهو الوليد في هذا المورد أو لنكتة أخرى ، فبالتالي ثبوت وجوبين بهذا الشكل شيء ممكن ، إلا الذي يلزم منه محذور اللغوية ومحذور اللغوية يمكن علاجه إما من باب ما أشرنا إليه وهو التأكيد على عدم الأخذ بخبر الفاسق أو للإشارة إلى أنَّ هذا المخبر هو فاسق وهو الوليد أو للإشارة إلى نكتة أخرى ، فإذاً من الوجيه ثبوت وجوبين تكليفيين الأوّل ثابت لخبر الفاسق والثاني ثابت لمطلق الخبر وهذا شيء عقلائي لا مانع منه.
هذا كلّه في التقريب الثالث مع مناقشتيه وقد اتضح أنه ليس بتام.التقريب الرابع:- ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) وحاصل ما ذكره: إنَّ الآية الكريمة ذكرت وصفاً عرضياً كنكتةٍ لوجوب التبيّن وهو الفسق ، وحينئذٍ نقول لو كانت حيثية الخبرية - التي هي وصف ذاتي - هي موجبة للتبيّن سواء كان المخبر عادلاً أم فاسقاً فالمناسب التعليل بذلك الوصف الذاتي لا بالوصف العرضي ، ففي التعليل بالوصف الذاتي هكذا يقول:- ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم نبأ ) فتحذف كلمة الفاسق وكذلك تحذف الباء وتترك كلمة النبأ فقط التي هي وصف ذاتي ، وهذه قاعدة عقلائية ضرورية بلا إشكال وهي أنه متى ما اجتمع وصفان ذاتي وعرضي فالمناسب التعليل بالذاتي إذا كان الذاتي صالحاً للعلّية لا بالوصف العرضي ، إنَّ الوصف الذاتي أسبق رتبةً من الوصف العرضي فالمناسب التعليل بالأسبق رتبة ، وهذا من قبيل أن نقول ( الإنسان الطويل أو الأبيض ينام ) فهل تقبل هذا التعليل ؟ كلا فأنت لا تقبل بأن أذكر هذه الأوصاف وإنما تقول لي إنَّ حيثية الانسانية تقتضي النوم قبل أن تصل النوبة إلى حيثية الأبيض أو الطويل ، فمادام الوصف الذاتي يصلح للعلّية فالمناسب التعليل به لا التعليل بالوصف العرضي فإنَّ الوصف العرضي متأخر رتبة ، فعلى هذا الأساس لا معنى للتعليل بالوصف العرضي ، وحيث إنَّ الآية الكريمة عللت بالوصف العرضي فمعناه أنَّ الوصف الذاتي - يعني الخبرية بما هي خبرية - لا يصلح للعلّية ، إذ لو كان صالحاً لكان من المناسب التعليل به وذلك بأن تقول الآية الكريمة ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم نبأ ) من دون كلمة ( فاسق ).
هذا إذا كان كل منهما صالحاً للعلية فالمناسب التعليل بالذاتي دون العرضي ، فالتعليل بالعرضي يدل على أنَّ الوصف الذاتي لا يصلح للعلّية ، وإذا قلت إنَّ الذاتي هو العلّة فقط دون العرضي فمن المناسب وجوب الفحص عن خبر الفاسق وخبر العادل معاً ، يعني يصبحان غير حجة ، ولكن هذا الاحتمال باطل ، لأنَّ الآية الكرية لم تذكر الوصف الذاتي وإنما ذكرت الوصف العرضي ، فاحتمال كون الوصف الذاتي وحده هو العلّة باطل.والخلاصة:- إنَّ الشيخ الأعظم(قده) يقول: إما أن يكون كل واحد منها علة - أي الوصف الذاتي والوصف العرضي - أو أنَّ العلّة هي الوصف الذاتي فقط ، ومن الواضح أنَّ كلا الاحتمالين يثبان وجوب الفحص عن مطلق الخبر ، وبذلك تنتفي حجية الخبر مطلقاً ، أما أنَّ الاحتمال الأوّل باطل فلما أشرنا إليه من أنه متى ما اجتمع وصفان أحدها ذاتي والآخر عرضي فالمناسب التعليل بالذاتي لأنه أسبق رتبةً والآية الكريمة لم تعلل به وإنما عللت بالوصف العرضي ، وأما الاحتمال الثاني وهو أن يكون العلّة هو الوصف الذاتي فقط دون العرضي فهذا معقول ووجيه ثبوتاً ولكنه خلاف ظاهر الآية الكريمة لأنها لم تعلل بالوصف الذاتي وإنما عللت بالوصف العرضي ، فإذن احتمال كون العلّة هو الوصف الذاتي فقط دون العرضي باطل لأنه مخالف لظاهر الآية الكريمة ، وإذا بطل كلا الاحتمالين يتضح أنَّ الصحيح هو أنَّ العلة الوحيدة هي الوصف العرضي وهي فسق المخبر ، وبذلك ثبت المطلوب ، وهو أنه متى ما كان فاسقاً يجب التبيّن عنه ، وأما إذا لم يكن فاسقاً - لأنَّ العلّة انحصرت بالفسق - فلا يجب التبيّن عنه ، هكذا قرّب الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل دلالة الآية الكريمة[1] .