40/01/30
الموضوع:- حجية خبر الواحد.
وقد يورد عليه:- بأنَّ الوصف كما عرفنا في محلّه المناسب أنه لا مفهوم له ، وإذا كان له مفهوم فهو بنحو القضية الجزئية لا بنحو القضية الكلّية ، والنافع لنا في المقام هو المفهوم بنحو القضية الكلية دون الجزئية.
وللتوضيح أكثر نقول:- إنه يوجد كلام في أن الوصف له مفهوم أو ليس له مفهوم ، والمعروف أنه ليس له مفهوم ، لكن البعض كالسيد الخوئي ووافقه آخرون بنى على أنه له مفهوم بنحو القضية الجزئية ، يعني إذا قال لك ( أكرم الرجل العالم ) فالذي يقول لا مفهوم له أبداً يقول إنَّ هذا يدل على أنَّ الرجل العالم أكرمه أما غير العالم فمسكوتٌ عنه فلعله أيضاً يجب إكرام كل رجل غير عالم ، أما أنه لماذا خصّص بالعالم ؟ ذلك لأهميته أو لغير ذلك ولكن هذه قضية ثانية ، هكذا يدّعي من يقول بأنَّ الوصف ليس له مفهوم.
أما السيد الخوئي(قده) فيقول إنَّ له مفهوماً بنحو القضية الجزئية ، يعني مفهوم ( أكرم الرجل العالم أو الرجال العلماء ) هو أنه لا تكرم بعض غير العلماء ، لا أنَّ مفهومها بنحو القضية الكلية - يعني لا تكرم أيّ واحدٍ منهم -. يعني يصير هذا الرأي بين بين ، فهو لا يوافق المنكرين للمفهوم ، لأنهم يقولون إنَّ غير العالم بجميع أفراده أيضاً يجب اكرامه ، ولا نقول له مفهوم بنحو القضية الكلية - يعني كلّ رجل غير عالم لا تكرمه - فهنا أيضاً لا نقول به ، وإنما نقول بالحدّ الوسط.ولماذا لا نقول ليس مفهوم بنحو القضية الكلية ، يعني لا نستفيد منه أنَّ كل غير عالم لا يجب اكرامه وإن كان عابداً أو سيداً أو غير ذلك ؟ذلك لأنَّ الفهم العرفي لا يساعد على ذلك ، فنحن نوافق المشهور حيث قالوا بأنه لا يوجد مفهوم ، فنحن نقول لهم نعم المفهوم بنحو القضية الكلية ليس بموجود لأنه خلاف الوجدان العرفي - وهذا إلا إذا كانت هناك قرينة خاصة - ، وأما المفهوم بنحو القضية الجزئية فنقول بأنه ثابت ، يعني بتعبيرٍ آخر بعض الرجال غير العلماء لا تكرمه ، فهو يدل على هذا المقدار - أي بنحو القضية الجزئية - .كما أنه من الواضح أنه إذا كان يجب اكرام غير العلماء بأجمعهم فهذا الاحتمال باطل ، لأنه لماذا تقيّد بالعلماء ، بل عليك أن لا تقيّد بهم وإنما قل ( أكرم كل رجل ) ، فوجوب إكرام كل غير العلماء غير محتمل وإلا إذا كان يحب إكرامهم بأجمعهم فالتقييد يكون لغوا ً.كما أنَّ المفهوم بنحو القضية الكلية أيضاً ليس بثابت - يعني كل غير عالم لا تكرمه أبداً - ، فإنَّ هذا خلاف الوجدان العرفي ، فلذلك نقول إنَّ المفهوم ثابت بنحو القضية الجزئية حتى لا يصير التقييد بالعالم والعلماء لغواً وإنما يكون لفائدة وفائدة ذكر ( العلماء ) أنه إذا لم يذكرهم فأنت سوف تتصوّر أنَّ الكل يجب اكرامه ، بينما نحن نريد أن نحترّز عن البعض الذين لا يجب اكرامهم فقيّدنا بكلمة ( العلماء ) ، فإذاً المفهوم ثابت بنحو القضية الجزئية.فالمقصود أنه قد يشكل على أصل التقريب بأنَّ الوصف إما أنه ليس له مفهوم ، أو إذا كان له مفهوم فهو بنحو القضية الجزئية ، وهذا لا ينفعنا ، فنحن نريد أن نثبت أنَّ كل خبر لغير الفاسق حجة وليس بعض خبر غير الفاسق حجة ، فنحن نريد أن نثبت السالبة الكلية وهي ( لا شيء من خبر الفاسق حجة ) ، فإنَّ مدّعانا هو هذا وليست السالبة الجزئية.فعلى هذا الأساس قد يرد هذا التقريب بأنَّ الوصف لا مفهوم له أبداً ، أو له مفهوم ولكن بنحو القضية الجزئية وهو لا نفعنا ، فإنَّ الذي ينفعنا في المقام هو السالبة الكلية - أي لا شيء من خبر الفاسق حجة - ، هكذا قد يرد.ولكن نقول:- إنَّ هذا الردّ لا يأتي في المقام حيث نقول:- إنَّ الآية الكريمة في المقام تريد أن تقدّم للمؤمنين قانوناً وقاعدةً يسيرون عليها ، وهذا قانون قرآني ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ ، فهي تريد أن تعطي قانوناً وهو أنه متى ما جاءكم فاسق بنبأ فعليكم التبيّن ، ومادام المقصود هو اعطاء قاعدة وقانون فمن المناسب أن يكون المفهوم مقصوداً ، لا أنه لا يوجد مفهوم أبداً أو يوجد مفهوم بنحو القضية الجزئية فإنَّ هذا خلف القانون ، فإنَّ الذي ينتفع به المؤمنون هو القانون الكلّي ، وهذا بنفسه قرينة على أنه مادام الجائي بالنبأ كان فاسقاً فلا تأخذ به ، يعني لابد أن يكون المقصود هو أنه إذا كان الجائي بالنبأ غير الفاسق فخذ به وإلا لم يكن هذا بنحو القاعدة التي يسير عليها الناس ، فمادامت الآية الكريمة بصدد اعطاء قانونٍ وقاعدةٍ يسير عليها المؤمنون لا يبعد أن يقال إنَّ ذلك بنفسه قرينة على إرادة المفهوم بنحو القضية الكلّية.
إن قلت:- لعل الآية الكريمة تريد أن تنبّه عن فسق الوليد الذي جاء بالنبأ ؟
قلت:- إنَّ هذا أوهن من بيت العنكبوت ، فهو بعيدٌ ، فإنه عند ملاحظة الآية نجد أنها تعطي قانوناً كلياً.
إن قلت:- إنَّ هذا استعانة بالقرينة الخاصة - وهي أنَّ الآية الكرمة بصدد اعطاء قانوناً كلياً - وبالتالي هذا استناد إلى القرينة وليس استناداً إلى نفس الآية الكرمة واستفادة المفهوم منها.
قلت:- إنه لا يلزم أن تكون الاستفادة من الآية الكريمة من خلال المفهوم لا من خلال القرينة الخاصة ، بل يكفي أن تستفيد منها أنها تريد أن تقول إذا جاء الفاسق بالنبأ فافحص أما إذا جاء به غير الفاسق فلا تفحص ، فإذا استفدنا هذا المقدار فهو المطلوب ، أما أنه يلزم أن لا يكون من القرينة الخاصة وإنما يلزم أن يكون من نفس الآية بما هي هي فهذا ليس بمهم لنا.
إذن إذا أردنا أن نتمسّك بمفهوم الوصف فإنه يوجد مجال بعد الاستعانة بما أشرنا إليه.