40/01/29
الموضوع:- حجية خبر الواحد.
بيد أنَّ الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل سلك طريقاً آخر ولم يسلك الطريق الواضح الذي ذكرناه والذي لم يرد عليه إشكال ، إلا أن يقول قائل:- من أين لك أنَّ وجوب التبيّن كناية عن عدم الحجية ؟ فنقول:- إنَّ هذا عرفي ، فإذا قبلت بهذا فسوف يصير التقريب تاماً ، أما الشيخ الأنصاري(قده) فلم يخطر بباله أنَّ وجوب التبيّن كناية عن عدم الحجية ، وإلا لو كان يخطر ذلك بباله لذكره بعنوان أن قلتَ قلتُ ، فهو استعان بمقدمة الأسوأية ، وحاصل ما ذكره:- إنَّ الآية الكريمة قالت ( النبأ إن جاءكم فاسقٌ به فتبينوا ) يعني يجب التبيّن.فهنا هو يفسّره بالوجوب التكليفي ، ومن الواضح أنه إذا لزم التبيّن فهذا معناه أنه ليس بحجة ، وبالمفهوم إنه إذا لم يكن فاسقاً فلا يجب التبيّن ، يعني لا يوجد وجوب حينما يجيء غير الفاسق بالنبأ ، وإذا لم يجب التبيّن عن خبره فإما أن نقول لا يجب الفحص ونعمل بخبره ، وهذا هو مطلوبنا ، ويحتمل أن نردّه بلا فحصٍ ، وهذا يلزم أن يكون حاله أسوأ من خبر الفاسق ، فإذاً الاحتمال الصحيح هو أنه حينما يأتي العادل بالخبر نأخذ بخبره من دون حاجةٍ إلى فحص وهذا هو معنى الحجية.فهو إذاً استعان بمقدمة الأسوأية ، بينما على البيان الذي ذكرناه يكون هذا كناية عرفاً عن الحجية وعدم الحجية ، وبناءً على هذا سوف لا نحتاج إلى مقدمة الأسوأية ، بل رأساً تثبت الحجية من دون حاجة إلى مقدمة الأسوأية ، هذا فارق بين التقريب الذي ذكرناه وبين تقريب الشيخ الأعظم(قده) فالتفت إلى ذلك.وأضاف الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل جملة ليته لم يذكرها حيث قال:- أجل نستدرك ونقول: إنَّ وجوب التبيّن إذا لم نقل إنه وجوب تكليفي بل هو وجوب شرطي فلا حاجة إلى مقدمة الأسوأية بل من دونها يتم المطلب ، إذ يصير التقدير هكذا ( النبأ إن جاء به الفاسق فشرط جواز العمل به التبيّن ) ، والمفهوم يكون ( النبأ إن لم يجئ به الفاسق فليس التبيّن شرط جواز العمل به ) ، وبذلك وصلنا إلى المطلوب من دون حاجة إلى مقدّمة الأسوأية ، لأنَّ الآية الكريمة حينئذٍ تقول ( إذا كان النبأ قد جاء به الفاسق فليس شرط جواز العمل به التبيّن ) ، فعلى هذا الأساس مقدمة الأسوأية لا حاجة إليها.
ونحن نقول:- كلا بل نحتاج إلى مقدمة الأسوأية ، والوجه في ذلك:- هو لأنَّ المفهوم هكذا يقول ( النبأ إن لم يجئ به الفاسق فليس شرط جواز العمل به التبيّن ) ، ونحن نقول إنَّ ( فليس شرط جواز العمل به التبيّن ) يلتئم مع احتمالين ، الأوّل وهو ما يخطر إلى أذهاننا وذهن الشيخ الأعظم(قده) أيضاً وهو أنه خذ به بلا تبيّن ، ولكن يوجد مصداقٌ ثانٍ وهو أنه أصلاً حتى مع التبيّن لا يجوز العمل به بل لابد من ردّه ، فنحتاج إلى مقدمة الأسوأية فنقول حيث إنَّ هذا أسوأ فيتعيّن الاحتمال الأول.
ومن خلال هذا كله اتضح أنَّ الاستدلال بمفهوم الشرط تام بالبيان الأوّل الذي أخذنا فيه وجوب التبيّن كناية عن الحجية وعدم الحجية ، وهو الطريق الأسهل ، وكذلك هو تام بالبيان الذي ذكره الشيخ الأعظم(قده) ولكنه احتاج إلى مقدمة الأسوأية ، نعم ما ذكره أخيراً يناقش من جهتين الأولى إنه عليك أن تسلك البيان الذي ذكرناه حتى لا تحتاج إلى مقدمة الأسوأية ، والثانية أنك قلت إننا لا نحتاج إلى مقدمة الأسوأية إذا قالنا بأنَّ الوجوب شرطياً ، وقد اتضح أنَّ الوجوب حتى لو كان شرطياً أيضاً نحتاج إلى مقدمة الأسوأية.التقريب الثاني:- الاستدلال بالآية الكريمة بناءً على مفهوم الوصف.
والفارق بين مفهوم الشرط ومفهوم الوصف هو أنه في مفهوم الشرط كنّا نلاحظ الشرط وهو ( إن جاءكم فاسق بنبأ ) ، فنحن كنّا نلاحظ ( إن جاء الفاسق بالنبأ ) ، أما في مفهوم الوصف فالشرط يبقى على حاله ولا نغيره من موجب إلى سالب أو بالعكس وإنما نغيّر الوصف ، ففي مفهوم الشرط كنّا نقول ( النبأ إن لم يجئ به الفاسق ) فكنّا نغير الشرط ، أما في مفهوم الوصف فنحن نغير الفاسق ونبقي الشرط فنقول هكذا ( النبأ إن جاء به غير الفاسق فلا يجب التبيّن ) ، فإذا قلنا ( لا يجب التبيّن ) هو كناية عن الحجية فسوف يثبت المفهوم بناء على أنَّ الوصف له مفهوم ، ولكن النكتة التي نريد أن نركز عليها هي الفارق بين مفهوم الوصف وبين مفهوم الشرط ، ففي باب الشرط نحافظ على الموضوع ولكن نغير في الشرط ، أما في مفهوم الوصف فنحافظ على الموضوع وكذلك نبقي الشرط ولكن نغير الفاسق فقط فنجعل كلمة ( غير ) فنقول ( النبأ إن جاء به غير الفاسق فلا تتبيّن ) ، وبذلك يثبت المطلوب.