40/01/28
الموضوع:- حجية خبر الواحد.
حجية خبر الواحدخبر الواحد مصطلح أصولي ليس المقصود منه أنَّ الراوي أو الخبر واحداً ، وإنما المقصود منه يعني غير المتواتر ، فلو رواه عشرة مثلاً - لو فرضنا أنه لم يبلغ التواتر بالعشرة - ولم يبلغ التواتر فهذا لا يزال خبر واحد كمصطلح أصولي.وهناك قضية أولى:- وهي أنه ربما يقال: إنه يمكن أنَّ نستفيد من بعض كلمات الأصوليين أنَّ خبر الواحد يطلق على معنىً آخر وهو الخبر الذي يكون ضعيفاً بحيث لا يجوز العمل به إما لأنَّ الراوي ليس بثقة أو لأنه لم يعمل به المشهور أو غير ذلك ، فالتالي هو خبر لا يمكن العمل به لسببٍ وآخر فهذا قد يطلق عليه بخبر الواحد ، وهذا معنىً جديد.
وإذا سألتني وقلت:- هل ذكر بعض الأصوليين هذا المعنى ؟
قلت:- كلا ، ولكن الجمع بين الكلمات هو الذي يولد هذا الاحتمال ، فإنَّ الشيخ الطوسي(قده)[1] عنده عبارة يدّعي فيها الاجماع على حجية خبر الواحد ، ولكنه في التهذيب حينما يصل إلى بعض الأخبار ويقع في ضيق ولا يتمكن من ردّها يقول ( ويردّه:- أنَّ هذا من أخبار الآحاد )[2] .
ولعلّ مقصوده من خبر الآحاد هنا هو الخبر الضعيف ، لأنَّ الراوي ضعيف أو غير ذلك ، فأطلق خبر الآحاد على الخبر الضعيف ، فالذي ولّد هذا الاحتمال هو هذا الجمع ، وإلا لا يوجد تعبير يذكر هذا المصطلح ، وإنما هذا المصطلح يلتفت إليه من خلال الجمع بين تعبيري الشيخ الطوسي(قده).ومما قد يدعمه أكثر هو أنَّ الشيخ الطوسي(قده) لم يعبّر بتعبير ( خبر واحد ) وإنما يعبّر بـ( آحاد ) ، فكأنه يطلق مصطلح ( آحاد ) على الضعيف.فإذاً هذا احتمال ثانٍ في المقصود من خبر الواحد ، وبذلك يحصل جمعٌ بالشكل الذي ذكرنا بين الكلمات التي توحي بادئ ذي بدء بالتهافت والتناقض.وأبرز الشيخ النائيني(قده)[3] ما ذكرناه ليس على مستوى الاحتمال فقط وإنما جزم به.
وهناك قضية ثانية:- وهي أنَّ مسألة حجية خبر الواحد هل هي أصولية أو أنها غير أصولية لكنها زجّت في علم الأصول ؟
وقد حاول صاحب الكفاية وصاحب الرسائل الدفاع عن كونها مسألة أصولية.وأصل الشبهة والاشكال في كون هذه المسألة غير أصولية:- هو أنهم قالوا إنَّ علم الأصول هو العلم الباحث عن أحوال الأدلة الأربعة ، فكل قضية تبحث عن أحد احوال الأدلة الأربعة فهي أصولية ، وأما إذا كانت المسألة لم تبحث أحد أحوال الأدلة الأربعة فهي ليست أصولية ، ومسألة خبر الواحد ليست باحثة عن أحوال الأدلة الأربعة ، لأنه يبحث في علم الأصول هل الخبر حجة أو ليست بحجة ، والحجية وإن كانت من أحوال الخبر لكن الخبر ليس من أحد الأدلة الأربعة ، فهو ليس من السنَّة وإنما هو حاكٍ عنها وقد يصيب وقد يخطئ - يعني هو حاكٍ غير قطعي - ، وإلا فهو ليس نفس السنَّة ، وتوجد قرينة على أنه ليس من السنَّة ، وهي أنه لو كان الخبر نفس السنَّة كيف وقع النزاع بين الأصوليين في أنَّ خبر الواحد حجة أو ليس بحجة ؟!! إنَّ هذا يعني أنه إذا كان هو نفس السنَّة فالاختلاف هو في حجية السنَّة وأنها حجة أو ليست بحجة وهذا لا يحتمل ، بل السنَّة قطعاً حجّة ، ( ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً ) ، بل أصلاً لا يحتاج إلى دليل وإنما هذا من الواضحات عندنا ، فسنَّة المعصوم عليه السلام من قوله وفعله وتقريره جزماً هي حجة بلا إشكال وبلا تأمل ، ولو شكك شخص في ذلك فهو ليس بإمامي ، فلو كان الخبر نفس السنَّة فلا معنى للبحث عن حجيته ، فإنَّ البحث عن حجيته يعني التشكيك في حجيته وبالتالي التشكيك في حجية السنَّة وهذا لا يتوهمه إمامي ، فإذاً الخبر ليس هو نفس السنَّة وإنما يحكيها ولكن قد يطابقها أحياناً وقد لا يطابقها أحياناً أخرى ، ومادام الخبر ليس نفس السنَّة فالبحث عن حجيته وعدم حجيته ليس بحثاً عن السنَّة ، فتكون مسألة حجية الخبر ليست بحثاً عن أحوال أحد الأدلة الأربعة فتخرج من علم الأصول.
من هنا وقع الكلام في أنه كيف نوجّه مسألة أصولية حجية خبر الواحد ، وقد وقع كلام مطول في الرسائل والكفاية في هذا البحث ، ونحن نرى أنه من المناسب عدم التعرض إليه فإنه لا يسمن ولا يغني من جوع ، ولكننا أردنا إلفات النظر إلى ذلك لا أكثر.القضية الثالثة:- إنَّ الأبحاث التي سوف نذكرها في مسألة حجية خبر الواحد ثلاثة:-
البحث الأوّل:- ما هي الأدلة على حجية خبر الواحد ؟
البحث الثاني:- ما هي الأدلة على عدم الحجية ؟
البحث الثالث:- بعدما ثبتت حجية الخبر ما هو الخبر الحجة فهل هو جميع أفراده أو هو حصّة معينة وما هي تلك الحصة المعينة ؟
البحث الأول:- الأدلة على حجية خبر الواحد.
قد استدل بالكتاب مرّة ، وبالسنَّة أخرى ، وبسيرة العقلاء ثالثة وربما استدل بوجوه أخرى كالإجماع أو العقل ، ونحن نحذف الاجماع والعقل ونكتفي بذكر الثلاثة الأولى فإنَّ فيهن الكفاية ، وعمدة الدليل هو السيرة.الأدلة من الكتاب الكريم:-استدل من الكتاب الكريم بعدّة آيات ، والمهم من ذلك آية النبأ وهي:-﴿ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ﴾ ، وهناك عدّة تقريبات في الاستدلال بهذه الآية الكريمة تارةً من خلال مفهوم الشرط ، وأخرى من خلال مفهوم الوصف ، وثالثة من خلال طريق آخر.
التمسّك بها من خلال مفهوم الشرط:- والتقريب يمكن أن يكون بوجوه متعددة:-
الوجه الأول:- أن يقال: إنَّ الآية الكريمة اشتملت على ثلاثة أشياء موضوع وحكم وشرط ، فالموضوع هو النبأ ، والحكم هو وجوب التبيّن ، والشرط هو إذا جاء الفاسق بالنبأ ، يعني النبأ تبيّن عنه إن جاء به الفاسق ، وهذا من الواضحات .
ولكن تسأل وتقول:- كيف شخّصت أنَّ هذا موضوع وذاك حكم وذاك شرط ؟قلت:- إنَّ هذا واضح ، فإنه لابد من وجود حكمٍ وهو وجوب التبيّن ، وهذا الحكم منصبّ موضوع وهو النبأ ، وشرطه هو إنَّ جاء به الفاسق ، وهذا لا يحتاج إلى دراسة وإنما يكفي أقل توجّه ، هذه مقدمة.والمقدمة الثانية:- هي أنَّ وجوب التبيّن نأخذه كنايةً عن عدم الحجية وإلا إذا كان حجة فلماذا يقول لي افحص عنه ، إنه حينما يقول لي افحص عنه فهذا معناه أنه ليس بحجة ، فإذا فحصت وعلمت بصدقه فالحجية تعود للعلم ، فيكون الخبر حجّة من باب علمي لا من باب أنه خبر ، فإذاً نقول إنَّ ( فتبينوا ) كناية عرفاً عن عدم الحجية ، وعلى هذا الأساس الآية الكريمة تقول النبأ إن جاء به الفاسق فتبيّنوا ، يعني هو ليس بحجة ، ومفهوم الشرط هو أنَّ النبأ إن لم يجئ به الفاسق - فالنبأ موجودٌ ولكن لم يجئ به الفاسق - فلا تتبينوا عنه ، وهذا كناية عن الحجية ، فثبت المطلوب.