40/01/23
الموضوع:- مبحث الشهرة.
مبحث الشهرة:-الشهرة مصطلح أصولي يستعمل في ثلاثة معان ، الأول الشهرة الروائية ، والثاني الشهرة العملية ، والثالث الشهرة الفتوائية ، أما المائز بينها:-أما الشهرة الروائية:- فالمقصود منها أنه توجد روايتان وبينهما تعارض وإحدى الروايتين ينقلها أصحاب الحديث كلّهم أو أغلبهم بخلاف الثانية المعارضة فإنها لا ينقلها الكل أو الأغلب وإنما ينقلها قلّة ، فنفترض أنَّ الرواية الأولى ينقلها عشرة من أصحاب الحديث كالكليني والشيخ الطوسي والصدوق ومن قبلهم وغير ذلك ، أما الرواية الثانية المعارضة فينقلها خمسة من هؤلاء ، وحينئذٍ يقال إنَّ الأولى مشهورة بنحو الشهرة الروائية ، أي هي التي تُنقَل بين الرواة أكثر ، وقد وقع الكلام في أنَّ الشهرة الروائية من المرجّحات فترجّح الرواية المشهورة على غير المشهورة أو لا ؟ ، وقد جاءت مرفوعة زرارة وقالت:- ( خذ بما اشتهر بين أصحابك ) إشارة إلى هذه الشهرة الروائية ، والمناسب أن يبحث عن هذا القسم من الشهرة في مبحث التعارض ، فإذا تعارضت روايتان فإنَّ من أحد المرجّحات لإحدى الروايتين على الأخرى هو الشهرة الروائية.
وأما الشهرة العملية:- فالمفروض فيها وجود رواية واحدة ، وهذه الرواية الواحدة نفترضها ضعيفة السند أو ضعيفة الدلالة ولكن المشهور قد عملوا بها رغم ضعف سندها أو دلالتها ، فهل يكون ذلك جابراً لضعفها أو لا ؟ ، وقد يكون العكس فقد تكون دلالتها وسندها قويان لكن المشهور أعرض عنها فهل يكون ذلك كاسراً لها أو لا ؟ ، فكما يبحث هذا فمن المناسب أن يبحث ذاك أيضاً ، ومن المناسب أن يبحث هذا في حجية خبر الواحد ، فحينما نبحث حجية الخبر نقول هل حجيته ثابتة في صورة وجود شهرة مخالفة له على عدم العمل به فيسقط عن الاعتبار ؟ ، وهكذا نبحث أنه إذا كان ضعيفاً لكن عمل به المشهور فهل ينجبر ؟ ، فالانجبار والانكسار من المناسب بحثهما في حجية خبر الواحد.
وأما الشهرة الفتوائية:- ويقصد من ذلك حالة عدم وجود رواية وإنما أقصى ما هو موجود هو فتوى مشهورة ولكن لا توجد رواية تدل على تلك الفتوى ، فهل فتوى المشهور تصلح أن تكون مستنداً لهذا الحكم المشهور أو لا تكفي ؟
والمناسب البحث عن هذه الشهرة هنا ، يعني بعد الفراغ من الاجماع يبحث عن الشهرة ، فإذا انتهينا إلى أنَّ الاجماع ليس بحجة فالأولى تكون الشهرة الفتوائية ليست بحجة أيضاً ، وأما إذا انتهينا إلى حجيته فمن المناسب البحث عن حجية الشهرة الفتوائية .وقد ذكر الشيخ الأعظم(قده) ذكر في الرسائل أنها ليست بحجة لعدم الدليل ، ولكنه في المكاسب كثيراً ما يتمسّك بفتوى المشهور ، فهو في الفقه يعير أهمية لفتوى المشهور.والمناسب عدم حجية الشهرة الفتوائية ، والوجه في ذلك هو عدم الدليل ، فإنَّ الدليل على ذلك أحد أمرين ، إما ما دل على حجية الاجماع فنقول إذا بنينا على حجية الاجماع المحصّل فحينئذٍ نفس هذا الحديث على حجيته يثبت حجية الشهرة الفتوائية ، فلا نحتاج إلى دليل مستقل يدل على حجية الشهرة الفتوائية.
والجواب:- إنَّ هذا قياس مع الفارق ، فإنه في باب الاجماع يفترض أنه يوجد اتفاق من قبل الكل أو شبه الكل فحينئذٍ تأتي الملازمة العادية ونقول إنَّ اتفاق الكل يكشف عن وصول هذه الفتوى والحكم يداً بيد من أجواء واضحة عاشها أصحاب الأئمة عليهم السلام وبالتالي انتقلت يداً بيد وكما أوضحنا ذلك سابقاً ، وهذا بخلافه في فتوى المشهور ، فإنه في الشهرة الفتوائية لا يفترض اتفاق الكل أو ما بحكم الكل وإنما اتفاق سبعين بالمائة منهم مثلاً فهنا يمكن أن لا تأتي الملازمة العادية وإنما هي تختص بتلك الحالة ، فإذاً دليل حجية الخبر لا يمكن أن نطبّقه ونستفيد منه حجية الشهرة الفتوائية ، فإذن لابد من ملاحظة دليلٍ آخر.
وفي هذا المجال قد تذكر عدّة أدلة:-الدليل الأول:- ما دل على حجية خبر الواحد ، فنفس دليل حجية خبر الواحد يدل على حجية الشهرة الفتوائية ، وذلك أن يقال:- إنَّ خبر الثقة يفيد الظن بدرجة ستين أو سبعين بالمائة ، بينما الظن الذي يحصل من خلال الشهرة الفتوائية هو أكبر من ذلك لأنه اتفاق أغلب الفقهاء ، فدرجة الظن تكون أقوى ، فإذا كان الخبر قد صار حجة لأجل الظن بدرجة سبعين بالمائة فالأمارة الأخرى التي تفيد ظناً أكبر - وهي الشهرة الفتوائية - تكون أولى بالحجية.
وقد يقول قائل:- إننا لا نسلّم بأنَّ الظن الحاصل من الشهرة الفتوائية أقوى من الظن الحاصل من حجية الخبر ، ولكن هذا نقاش في الصغرى وهو ليس بمهم ، إنما المهم الآن هو أنك افترض أنَّ الظن يحصل بالشهرة الفتوائية بشكل أقوى ولكن مع ذلك تعال وناقش في أنَّ دليل حجية خبر الثقة حينما دل على حجية خبر الثقة فهل دل على حجيته لأجل افادته الظن فقط بدرجة سبعين بالمائة أو هناك عصراً آخر ؟ إنه يحتمل وجود عنصرٍ آخر وهو كون الإخبار إخباراً حسياً ، لأنَّ الثقة يخبر عن حسّ ، فالثقة إذا أخبر عن حدسٍ فخبره ليس بحجة ، إنما يكون حجة فيما إذا أخبر عن حس ، بينما هؤلاء الفقهاء حينما يخبرون عن الحكم الشرعي فكل واحد منهم ناتج عن اجتهاد عن حدس وليس عن حس ، فالتعدي من حجية الخبر إلى حجية الشهرة ليس في محلّة ، فإذاً هذا قياس مع وجود الفارق.