39/11/01
الموضوع:- مبحث حجية الظواهر.
بل يمكن أن نضيف شيئاً آخر:- وهو أنَّ هذه الآية الكريمة ذمّت اتباع المتشابه لا بقيدٍ واحدٍ بل بقيدين ، القيد الأوّل هو ابتغاء الفتنة ، والقيد الثاني وهو العمل بالمتشابه مع ترك المحكم ، ، ونحن حينما نتبع المتشابه فالمفروض أننا نتبعه مع المحكم لا أننا نتبعه وحده ، وأيضاً نحن نتبعه لا لهدف ابتغاء الفتنة بل لهدفٍ صحيح.
ثالثاً:- يرد على التمسّك بهذه الآية الكريمة أنه أنت تمسكت بهذه الآية الكريمة وتركت آيات أخرى لو لاحظناها فسوف نستفيد منها الحثّ على اتباع الظواهر ، فإذن أنت نظرت إلى آية ﴿ منه آيات محكمات ﴾ [1] لتستفيد منها عدم حجية ظاهر الكتاب ، ونحن قول توجد روايات أخرى لِـمَ لم تتسمك بها وهي تدل على حجية ظواهر الكتاب الكريم ، فإذن نستنتج أنه توجد في الكتاب الكريم طائفتان من الآيات الكريمة ولابد من الجمع بينهما الأولى ما أشرت إليها أنت وهي تذمّ اتباع المتشابه - يعني الظواهر - وتوجد طائفة ثانية تدل على حسن اتباع الظواهر ورجحان اتباعه من قبيل ﴿ أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها ﴾ بعد وضوح أنَّ الآية الكريمة تقول ﴿ أفلا يتدبرون القرآن ﴾ والتدبّر في القرآن يكون بأن يقرأ القرآن ويتدبّر فيه هو ولا يكون ذلك إلا بملاحظة ظواهره ، فمن خلال ظواهره يحصل التدبّر وإلا كيف يحصل التدبر في القرآن الكريم ؟!!
وإذا قلت:- إنَّ المقصود هو التدبر في القرآن الكريم بعد ضمّ تفسير أهل البيت عليهم السلام.
قلت:- إن الآية الكريمة ليس فيها هذا القيد ، فهي قالت ﴿ افلا يتدبرون القرآن ﴾ ولم تقل ( بعد تفسير أهل البيت ) فإن هذا قيد منك وهو خلاف الظاهر ، فإذن أنت كما في آية ﴿ منه آيات محكمات ﴾ تمسّكت بالظاهر وقلت إنَّ ظاهرها أنها تنهى عن اتباع المتشابه الذي يصدق على ظواهر الكتاب ، فالآن توجد آية ثانية تأمر باتباع ظواهر الكتاب مثل آية ﴿ أفلا يتدبرون القرآن ﴾ ، ودعوى أن المقصود هو بعد ضمّ تفسير أهل البيت خلاف ظاهرها إذ هذا القيد ليس بموجود ، فظاهر ﴿ أفلا يتبرون القرآن ﴾ التدبر في نفس القران وليس بعد ضمّ تفسير أهل البيت عليهم السلام.
وتوجد آية كريمة ثانية:- وهي ﴿ ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين ﴾ [2] ، فهو كتاب هداية للمتقين وهذا لا يتم إلا بناءً على حجية ظواهره ، وإلا كيف يكون كتاب هداية للمتقين ؟!!
وإذا قلت:- إنَّ المقصود هو بعد ضمّ تفسير أهل البيت.
قلت:- هذا خلاف ظاهر الآية الكريمة ، فإنها لم تقل هدىً للمتقين بعد ضمّ تفسير أهل البيت عليهم السلام.
على أنه لو فرض أنه يتمسك به بعد تفسير أهل البيت ولكن تفسير أهل البيت في كلّ الآيات الكريمة ليس موجوداً ، فمثلاً آية ﴿ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها ﴾ هل يوجد تفسير من الأئمة عليهم السلام لهذه الآية الكريمة فإنها واضحة ؟!! ، فليس كلّ الآيات الكريمة فيها تفسير من قبل أهل البيت عليهم السلام وإنما هناك شريحة من الآيات الكريمة لها تفسير من قبلهم أما بقية الآيات فما رأيك فيها ، فهذا رأيك لو تم فإنما يتم لو كانت كلّ الآيات الكريمة لها تفسير من قبلهم ، أما ذا كان بعض الآيات فيها تفسير منهم وبعضها الآخر ليس فيها تفسير منهم فحينئذٍ هذا يدل على أنَّ المقصود هو ملاحظة ظواهر الكتاب ولو لم يكن هناك تفسير له من قبل أهل البيت عليهم السلام ، لأنَّ هذا النصف الثاني أليس هو هدىً للمتقين وهل يشمله ﴿ أفلا يتدبرون ﴾ ؟! إنه يشمله جزماً ، لا أنه يختص بالذي فيه تفسير من قبل أهل البيت عليهم السلام ، وكذلك ﴿ هدى للمتّقين ﴾ فإنه لا يقال إنه ليس هدىً من حيث نصفه - أي الذي ليس فيه تفسير من قبل أهل البيت عليهم السلام - فإنَّ هذا المعنى بعيد جداً.
وتوجد آية كريمة ثالثة:- وهي ﴿ هذا بيان للناس وهدىً وموعظة للمتقين ﴾ ، وعلى منوالها آيات أخرى.
إذن توجد آيات أخرى تدل بظاهرها على حجية ظواهر الكتاب الكريم وإلا لم يكن هدىً للمتقين.
بل توجد روايات تدل على أنَّ الكتاب لابد من الرجوع إلى ظواهره ، من قبيل ( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) ، فهل المقصود من كتاب الله هو بعد ضمّ تفسير أهل البيت ؟ إنَّ هذا سوف يصير رجوعاً إلى العترة فقط دون الكتاب ، فحينما جعل الكتاب في عرض العترة فهذا يعني أنَّ هذا يرجع إليه وذاك يرجع إليه لا أنَّ الأوّل يرجع إليه بعد ضمّ تفسير أهل البيت فإنَّ هذا خلاف الظاهر ، وإلا كان أخذاً بالعترة ولم يكن أخذاً بالكتاب والعترة معاً.
ويدل على ذلك أيضاً الروايات الدالة على ارجاع الأخبار وعرضها على الكتاب ، فما خالف كتاب الله فهو زخرف ، أو على الجدار ، أو لم نقله ، وغير ذلك من تعابير ، وهكذا أخبار الشروط ، فكلّ شرط خالف كتاب الله فهو مردود ، وهذه قاعدة فقهية ، فلو قالت المرأة للزوج زوجتك نفسي بشرط أن يكون الطلاق بيدي فهذا باطل.
فإذن توجد عندنا روايات ترجع إلى كتاب الله من دون حاجة إلى ضمّ تفسير أهل البيت عليهم السلام من قبيل حديث الثقلين ومن قبيل الروايات الدالة على ارجاع كلّ خبر إلى كتاب الله تعالى فما خالف فهو زخرف ، ومن قبيل ما دل على أنَّ كل شرط لابد من عرضه على كتاب الله فإذا خالف كتاب الله فهو مردود ، فهذا يدل على أنه يجوز الرجوع إلى كتاب الله ابتداءً من دون حاجة إلى ضمّ تفسير أهل البيت عليهم السلام لمعرفة أنَّ هذا الشرط صحيح أو ليس بصحيح.
والخلاصة من كل هذا:- إنَّ هذه طائفة من آيات وروايات تعارض تلك الآية التي تمسّكت بها فلابد من علاج الأمر ، لا أن نتمسّك بتلك الآية والحال أنها لها معارضات[3] .