الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/10/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث حجية الظواهر.

التفصيل السادس:- وهو ما ينسب إلى الاخباريين ، وهو التفصيل بين ظواهر الكتاب الكريم فليست حجة وبين ظواهر غيره كالروايات فهي حجة.

وقال صاحب الحدائق(قده) الذي هو اخباري معتدل إنَّ الاخباريين بين إفراطٍ وتفريط ، فالبعض قبل الظواهر بشكلٍ مطلق والبعض رفض ذلك ، ونصّ عبارته ( وأما الاخباريون فالذي وقفنا عليه من كلام متأخريهم ما بين افراط وتفريط فمنهم من منع فهم شيء منه مطلقاً حت مثل " قل هو الله أحد " إلا بتفسير من أصحاب العصمة عليهم السلام ومنهم من جوّز ذلك كاد يدّعي المشاركة لأهل العصمة في تأويل مشكلاته )[1] .

وقبل أن نذكر أدلة الاخباريين نلفت النظر إلى شيء:- وهو أنه يترتب ثلاث لوازم على هذا التفصيل الذي يقول إنّ ظواهر الكتاب ليس بحجة وإنما الحجة غير الكتاب فقط ، أما أنه هل يلتزم الاخباريون بها أو لا فهذه قضية ثانية:-

اللازم الأول:- إنَّ كل خبر من الأخبار هو حجة وخذ به من دون تدقيق في السند ، فيُسدّ باب التدقيق في السند وأن هذا صحيح أو ذاك موثق وذاك ضعيف أو غير ذلك ، بل أول من فعل هذا هو ابن طاووس وهم لم يقبلوه منه ، فهم حينما سدّوا باب التمسّك بظواهر الكتاب بقوا في ضيق فبأي شيء يأخذون فإذا صار البناء على التدقيق في حجية الأخبار فسوف تصير مصادر التشريع عندهم قليلة ففتحوا باب حجية الأخبار على مصراعيه فيأخذون بكلّ خبرٍ من الأخبار وبالتالي قد يتحامل بعضهم على من يقسّم الأخبار إلى التقسيم الرباعي.

ويترتب على القول بحجية الأخيار بشكلٍ مطلق لازم وهو تعطيل العقل ، والسبب هو أنَّ الأخبار بعضها قد لا يتلاءم مع الموازين العقلية فيلزم من تحكيم العقل وحجيته رفض مجموعة من الأخبار ، وحيث إنهم قالوا بحجية مطلق الأخبار فيلزم تعطيل العقل عن الحجية ، وهذا لازمٌ غريب.

اللازم الثاني:- إننا حينما نقرأ الكتاب الكريم يلزم أن نقرأه على مستوى التبرّك ولقلقة اللسان أما التدبّر فلا ، فإنَّ التدّبر هو الأخذ بظواهر الكتاب ، فهم إذا أنكروا حجية ظواهره فلازمه أنك تقرأ كلقلقة لسان فقط والحال أنَّ القرآن الكريم يقول ﴿ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها ﴾ ، والزهراء عليها السلام في خطبتها الجليلة تقول في وصف الكتاب الكريم ( بيّنةٌ بصائرة ، منكشفةٌ سرائره ، متجليةٌ ظواهره ، قائدٌ إلى الرضوان ابتاعه ، مؤدٍ إلى النجاة استماعه ، به تُنال حجج الله ) وهذا معناه أنه خذوا بظاهره.

ونقول شيئاً:- وهو أنَّ ونوايا الاخباريين ليست بسيئة ، ونحن لانشك في ذلك ، ولكن هذه هي لوازم الالتزام بهذا المبنى ، فنحن لا نقول بأن لهم نوايا سيئة فإنَّ هذا غير صحيح ، ولكن نقول إنَّ من التزم بهذا الرأي ولو للأدلة التي سوف تأتي فسوف يترتب عليه هذا المعنى وهو أنه إذا قرأت القرآن فاقرأه على مستوى لقلقة اللسان وتبركاً لا أكثر من ذلك ، وإن لم يكونوا قاصدين إلى هذا المعنى ، فنحن نستبعد أنهم يقصدون هذا المعنى ويلتزمون به ولكن هذا لازم يترتب على ما قالوا.

وما هي أدلتهم على عدم حجية ظواهر الكتاب الكريم ؟

والجواب:- إنهم تمسّكوا بعدة أدلة:-

الدليل الأوّل:- قوله تعالى ﴿ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أمّ الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ﴾[2] .

وتقريب الدلالة على عدم حجية ظواهر الكتاب أن يقال:- إنَّ الآية الكريمة ذمّت اتباع المتشابه ، ثم يقال إنَّ عنوان المتشابه والتشابه يصدق على الظواهر ، فإنَّ المتشابه هو الكلام الذي توجد فيه احتمالات متعددة ، وهذا صادقٌ على الكلام الظاهر فإنَّ فيه احتمالات متعددة وإن كان بعضها أقرب من البعض الآخر ولكنه بالتالي هو محتمل لمعانٍ متعددة ، فإذن الظاهر هو مصداقٌ للمتشابه ، وإذا كان مصداقاً للمتشابه فحينئذٍ لا يجوز التمسّك به.

والجواب:-

أولاً:- هل يراد التمسّك بهذه الآية الكريمة من دون تفسير أهل البيت عليهم السلام أو مع ملاحظة تفسيرهم ؟ فإن كان المقصود التمسّك بها بقطع النظر عن تفسرهم فهذا يكون من التمسّك بظاهرها ، فصار المورد من الدور ، فنحن نريد أن نثبت عدم حجية ظواهر الكتاب الكريم بظاهر الكتاب الكريم وهو دورٌ واضح ، وإذا كان المقصود التمسّك بها بعد ضم تفسير أهل البيت عليهم السلام فتعال إلى تفسير أهل البيت عليهم السلام فالرواية تقول على ما ينقله الشيخ الكليني:- الحسين بن محمد عن معلّى بن محمد عن محد بن أورمة عن علي بن حسّان عن عبد الرحمن بن كثير عن ابي عبد الله عليه السلام[3] :- ( في قوله تعالى " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنَّ أمّ الكتاب " ، قال:- أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة عليهم السلام ، " وأخر متشابهات " فلان وفلان ، " فأما الذين في قلوبهم زيغ " أصحابهم وأهل ولايتهم ، " فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنه وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة عليهم السلام )[4] ، فإذن إذا أخذنا بتفسير أهل البيت فهو يعطينا أنَّ الآية الكريمة أجنبية عن مسألة الظواهر والتسّمك بها ، بل هي في جانبٍ آخر ، فهي فسّرت المتشابهات بتفسير آخر ، فإذن الرواية أجنبية بشكلٍ كلّي عن مسألة الظواهر.

ثانياً:- إنَّ الآية الكريمة لم تنهَ عن اتّباع المتشابه ، إذ هي قالت ﴿ فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة ﴾ ، فإذن المذموم والمنهي عنه ليس هو اتباع المتشابه على اطلاقه بل اتباع المتشابه بهدفٍ فاسدٍ وهو ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، فعلى هذا الساس ليس اتباع المتشابه بشكلٍ مطلق منهي عنه ، وإنما المذموم هو حصّة خاصّة وهو الأخذ بالمتشابه لهدفٍ فاسدٍ وهو ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وعلى هذا الأساس لو أرادنا أن نأخذ بظواهر الكتاب الكريم ولم يكن هدفنا ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله فحينئذٍ لا نكون مشمولين لهذه الآية الكريمة.

إذن الآية الكريم لم تنهّ عن اتباع المتشابه بشكلٍ مطلق حتى نقول إنَّ المتشابه يصدق على الظواهر فلا يجوز الأخذ به ، بل نهت عن المتشابه بشكلٍ مقيد وذلك بهدف ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، فإذا لم يكن هدفنا سيئاً كما هو الواقع فنحن نأخذ بظاهر ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ مثلاً ونتمسّك بالإطلاق ولا يوجد عندنا هدف سيء وإنما تنمسك بذلك لأجل اثبات صحة المعاطاة مثلاً لأنها يصدق عليها عنوان البيع والآية الكريمة قالت ﴿ أحل الله البيع ﴾ فلا نكون مشمولين للنهي والذم الثابت في آية النهي عن اتباع المتشابه.


[1] الحدائق الناضرة، البحراني، ج1، ص27.
[2] آل عمران/السورة3، الآية6.
[3] والبناء هنا اننا لا نلاح الاسانيد كما هو مذهبهم.
[4] الكافي، الشیخ الکلیني، ج1، ص414. ط اسلامیة.