39/10/24
الموضوع:- مبحث حجية الظواهر.
لكن السيد الروحاني(قده)[1] قال:- إنَّ الاستشهاد بمثال الإقرار ليس بصحيح - وإنه لو جاءوا لنا بورقةٍ كتب عليها إقرار شخصٍ بشيءٍ فنحن نلاحظها فإذا رأينا هناك ظهوراً في الإقرار فنقول نعم هذا الشخص قد أقرّ بهذا الشيء فإذن يكون ملزماً بذلك مع أننا لسنا مقصودين بالإفهام - ، والوجه في ذلك:- هو أنَّ المتكلم لماذا أراد أن يتخفّى ولا يطلع عليه أحد إلا الذين كتب لهم هذا الاقرار كالأولاد مثلاً ؟ إنَّ نفي وإباء الكاتب عن اطلاع أحدٍ عليه إنَّ دل على شيء فإنما يدل على أنَّ مقصوده هو الظهور وبالتالي لا يكون معتمداً على قرائن عهدية أو حالية ولذلك انكمش ولم يرد أن يطّلع عليه أحد إلا الأولاد ، فلو كان مقصوده غير الظهور لترك هذه الورقة يطّلع عليها كلّ الناس ولكن يتبيّن أنَّ مقصوده هو الظهور نفسه من دون نصب قرينة على خلاف هذا الظهور ، ولذلك أراد أن يخفي هذا الاقرار ويجعله حِكراً ومختصّاً بأولاده ولا يريد أن يطلع عليه أحد ، فإباءه عن اطلاع أحدٍ عليه وإرادة حصره بأولاده إنَّ دل على شيء فهو قرينة على أنَّ هذا الظهور هو مرادٌ للمتكلم الكاتب ولكن بما أنه يضرّه فلذلك أراد أن يبقى مختصّاً بأولاده ، فإذن هنا جزماً لم يعتمد المتكلم على قرينة حالية أو عهدية على ارادة خلاف الظهور بل مقصوده هو الظهور جزماً ، فإذن هذا المثال ينبغي حذفه في مقام الاستشهاد والاستدلال ولا ينبغي أن يتمسّك به.
وفي مقام الجواب نقول:-أوّلاً:- نحن لم نفترض أنَّ كاتب الاقرار أراد أن يتخفّى ولا ينظر فيه إلا من خوطب بالكلام فإنَّ هذه فرضية هو قد أدخلها في الحساب ، بل نحن فرضنا أنه كاتب لأولاده بأنه يقرّ بأنه مطلوب لفلان كذا مقداراً من المال أو أنَّ هذه الدار له ، فالمخاطب هم الأولاد وهو لم يقل لهم لا ينبغي أن يطلع عليها أحد عداكم فإن هذا الشيء لم نفرضه ، فإذن المخاطب هم الأولاد ولكن الأولاد يأتون بها إلى الحاكم الشرعي لتشخيص والوظيفة ، والحاكم الشرعي يشخّص الظهور ويفتي لهم على طبق ما استفاده من الظهور رغم أنه ليس مقصوداً بالإفهام ، ولكن لم يفرض أنه يوجد تخفٍّ فإنَّ هذه فرضية أدخلها هو في الحساب ولا داعي إليها ، نعم لو قال لهم لا يطلع عليها إلا أنتم فهنا ليس من البعيد أنه يقصد الظهور ، فحينئذٍ يحصل الجزم بأنه لم تعتمد على قرينة مخالفة للظهور كما قال ، ولكن فرضيتنا هي أنه ليس متخفّياً بهذا الشكل وإنما خطابه كان مع الأولاد لا أنه حصرها حِكراً عليهم ولم يرد أن يطلع عليها أحد ، فإذن لا يرد إشكاله ويبقى المثال في صالحنا ، إذ المخاطب هم الأولاد ولكن الحاكم الشرعي يشخّص الظهور ويبيّن الوظيفة الشرعية على طبق هذا الظهور.
ثانياً:- إنه حتى لو فرضنا أنه أراد أن لا يطّلع على هذا الظهور وهذا الاقرار أحد فهذا لا يدل على أنه يقصد جزماً مدلول الظهور ولم يتعمد على قرائن حالية أو عهدية على خلاف الظهور كما هو قال إنه يدل على أنه حتماً يريد الظهور وبالتالي جزماً هو لا يريد خلاف الظهور اعتماداً على قرائن حالية أو عهدية ، وإنما نقول يحتمل أن يكون مراده خلاف الظهور وهو معتمد على قرينة حالية أو عهدية ، فإذن لماذا أراد أن يتخفّى ولا ينظر فيها أحد ؟ نقول: لاحتمال أنَّ الناس حينما يرون هذه الوقة فحينئذٍ يتصوّرون أنه يقصد ظاهرها والحال هو لم يقصد الظاهر وإنما اعتمد على قرينة حالية أو عهدية وبالتالي اطلاع الآخرين يورث له البلبلة والشغب وهو في غنىً عنه ، فإذن رغبته في عدم اطّلاع أحدٍ لا يدل على أنه يريد الظهور حتماً ولم يعتمد على قرينة حالية أو عهدية.
وأما كلام الشيخ الأنصاري(قده) الثاني فيردّه:-أوّلاً:- إنه بالتالي هل كان أصحاب الأئمة عليهم السلام كزرارة ومحمد بن مسلم يعملون بظواهر كلام الأئمة عليهم السلام أو لا مع فرض أنهم قد يأتون بعد فترة بقرائن منفصلة ؟ جزماً كانوا يعملون بكلامهم ، فلو كانت هذه السيرة ليست مرضية للأئمة لردعوهم عن العمل بها ولقالوا لهم لا تعملوا بها لأننا قد نأتي بقرائن منفصلة بعد شهر أو سنة ، وإنما سكتوا فسكوتهم يدل على الامضاء.
ثانياً:- إذا لم يجز العمل بظواهر كلام الأئمة عليهم السلام فأصل صدور الكلام من الامام عليه السلام سوف يكون لغواً ، لأنه لا يجوز العمل بظاهره لأنه قد يأتي بقرينة منفصلة بعد شهر أو سنة وهذا الاحتمال موجود دائماً ، فإذا كان كلامه ليس بحجة فأصل كلامه سوف يكون لغواً.
ثالثاً:- سلّمنا أنَّ الظواهر يمكن أن يستشكل في حجيتها من باب اعتمادهم عليهم السلام على قرائن منفصلة ولكن نقول إنَّ الناس قد يغفلون عن هذه القضية ويأخذون بظواهر كلام الأئمة عليهم السلام كما يعملون بظواهر كلام غيرهم ، فينبغي للأئمة عليهم السلام الردع عن تطبيق سيرتهم بلحاظ كلام غيرهم على كلامهم.
رابعاً:- إنَّ من يريد العمل بظواهر كلام الأئمة عليهم السلام كما في زماننا إنما يعمل به بعد البحث عن القرائن المنفصلة فإن حصل الاطمئنان بأنه لا توجد قرائن فحينئذٍ يعمل بظاهر كلامهم ، لا أننا نعمل به من دون فحصٍ ، ولذلك يقال في علم الأصول إنه يشترط في العمل بالعمومات أو المطلقات الفحص عن المقيّد أو المخصّص إلى أن يحصل اليأس من جود مخصّص أو مقيد آنذاك يعمل بالظهور ، ومعه فلا يرد الاشكال.
إذن ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) قابل للمناقشة لما أشرنا إليه.
وأما كلام الشيخ الأنصاري(قده) الثالث فجوابه:- إنَّ عملية التقطيع من أين حصلت فهل حصلت من أصحاب الأئمة أو من قبل فقهائنا بعد ذلك ؟ فإن كانت من أصحاب الأئمة فلابد أن يردع الأئمة عن العمل بالظهور ويقولون لهم أنتم قطّعتم الروايات وبعده لا يجوز العمل بالرواية المقطّعة لاحتمال وجود قرينة في القسم المقطوع ، فسكوت الأئمة عليهم السلام وعدم الردع يدل على أنه اعملوا بها ولو قطّعت ، وأما إذا فرض أنَّ هذا التقطيع قد حصل من علمائنا المتأخرين فجوابه إنَّ علمائنا لم يقطّعوا في الروايات فإنَّ الشيخ الطوسي والصدوق والكليني لا يقطّعون الروايات بل يذكرونها كاملة ، وإنما حصل هذا التقطيع متأخراً من قبل صاحب الوسائل ، وأنت يمكنك مراجعة الرواية في مصدرها الأصلي.
ويمكن أن نردّ أصل كلام القمّي بأن نقول:- إنَّ الأئمة عليهم السلام أرجعونا إلى الكتاب والسنّة لعرض الأخبار عليها ولعرض الشروط عليها وما خالف كتاب الله فهو على الجدار أو هو زخرف أو باطل أو لم نقله ، والشرط أيضاً كذلك إذا كان مخالفاً فهو باطل ، كما لو اشترطت المرأة على الزوج بأن يكون الطلاق بيدها ، فإرجاع الأئمة عليهم السلام الشروط إلى الكتاب والسنّة معناه أنَّ ظواهر الكتاب والسنَّة حجة وإلا كيف نعرض الشروط عليهما ؟!!