39/10/23
الموضوع:- مبحث حجية الظواهر.
وفيه:- إنَّ ما ذكراه وإن كان شيئاً ظريفاً - حيث قالا يوجد أصل عقلائي آخر باسم أصالة الظهور هو أوسع من اصالة عدم الغفلة - ولكن فنّياً كان من المناسب اثبات ذلك ، إذ هذه مجرّد دعوى تحتاج إلى اثبات ، فمن قال إنَّ العقلاء عنجدهم أصل ثانٍ أوسع من أصالة عد الغفلة يطبقونه في حالات أخرى لم ينشا احتمال خلاف الظهور من الغفلة فيطبقون ذاك الأصل وهو أصالة الظهور أو ما عبّرنا عنه بأصالة عدم القرينة فإنَّ هذه مجرد دعوى تحتاج إلى مثبت ، خصوصاً إذا عرفنا أنَّ العقلاء ليست لهم قضايا تعبّدي بل هناك مناشئ عقلائية لأصولهم ، فكان من المناسب للعلمين أن يشيرا إلى المناشئ ويوضحا المدرك العقلائي لهذا الأصل الجديد الذي ذكراه ، وهذه مناقشة فنية وليست علمية.
وفي هذا المجال نقول:- إنَّ احتمال وجود قرينة خفيت من دون أن ينشأ الخفاء من الغفلة احتمال وجود قرينة من هذا القبيل شيء بعيد في حدّ نفسه وضعيف - يعني المتكلم اعتمد على القرينة العهدية الثابتة بينهما فقط أو القرينة الحالية - ولا نريد أن نقول هو ليس بممكن ، بل يحصل ولكنها حالة نادرة فمن الوجيه إذن أن يبني العقلاء على عدم الاقتصار على أصالة عدم الغفلة بل يتمسّكون بأصل أوسع وهو ما نسمّيه بأصالة الظهور أو أصالة عدم القرينة ، فمن الوجيه هذا الشيء بعد أن فرضنا احتمال اعتماد العقلاء على القرينة العهدية أو الحالية حالة نادرة وليست شائعة فمن الوجيه أنه لهم أصلاً أوسع نسميه بأصالة الظهور أو أصالة عدم القرينة ، ولكن هذا أيضاً يحتاج إلى مثبت فإن هذه مجرد وجاهة - فإنه من الوجيه أن يكون العقلاء عندهم أصل أوسع - ولكن مجرد الوجاهة لا تنفع بل لابد من اثباتها بدرجة الجزم ، وذلك بأن يقال: إنَّ سيرة العقلاء جرت على ذلك ، يعني حتى غير المقصود بالإفهام يتمسّك بالظهور رغم أنه يحتمل وجود قرينة لم تخفَ لأجل الغفلة لأنه ليس مقصوداً بالإفهام رغم ذلك يتمسّك العقلاء بالظهور وهذا معناه أنه توجد عندهم أصالة الظهور التي أوسع من أصالة عدم الغفلة ، وكيف هكذا يصنع العقلاء ؟ نقول:- لو فرض أنه جاءنا شخص بوصية شخصٍ آخر ، وكان هذا الرجل قد أوصى ابنه الأكبر ولكن ابنه الأكبر قال أنا لا استطيع أن أطبّق الوصية وألقاها إلينا فهل نأخذ بالظهور أو أننا نقول نحن لسنا مقصودون بالإفهام ولعله توجد قرينة بين الأب وبين الابن ؟ كلا يوجد هكذا كلام فإنَّ السيرة جارية على النظر إلى الوصية ، كذلك الوقفية إذا أتوا بها طريقة الوقفية فهو وقف على من وماذا يريد الواقف فنحن ننظر في الوقفية رغم أننا لسنا مقصودين ولسنا مخاطبين ، وكذلك لو جيء بإقرار من قبل شخص .... وهكذا ، فالسيرة العقلائية جارية على أنَّ الشخص حتى إذا لم يكن مخاطباً بالإفهام مع ذلك إذا طلب منه العمل بهذه الوصية أو غير ذلك فهو يأخذ بالظهور رغم أنه ليس مقصوداً بالإفهام وهذا معناه أنَّ العقلاء عندهم أصل أوسع من أصالة عدم الغفلة فلنصطلح عليه بأصالة الظهور أو أصالة عدم القرينة ، فإذن كان من المناسب للعلمين بيان المطلب بالشكل الذي ذكرناه.
بل يمكن أن نضيف شيئاً آخر ونقول:- سلّمنا أنَّ حجية الظهور تختص بالمقصود بالإفهام ولكن لِـمَ حصرت المقصود بالإفهام بخصوص زرارة ومحمد بن مسلم أوليس الإمام عليه السلام كان يريد أن تصل هذه الأحاديث إلى جميع الأجيال وأنَّ زرارة كان مجرد واسطة ؟!! ولذلك قال عليه السلام ( أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه لولاهم لاندرست آثار النبوة .... ) ، فبالتالي كلام الامام عليه السلام يدل على المطلوب هو إيصال هذا الكلام إلى جميع الأجيال ، فنحن إذن مقصودون بالإفهام فالإمام عليه السلام يقصد تفهيمنا لا أنهم همه فقط تفهيم زرارة لا أكثر من ذلك.
مضافاً إلى أنه لو سلمنا بأن زرارة هو المقصود بالإفهام لا غير فلنا جواب آخر وهو أنه نقول:- إنَّ زرارة حينما ينقل هذا الكلام إلى الشخص المتأخر عنه لابد أنه يقصد تفهيمه ، فلو كانت توجد قرينة لذكرها لأنه يقصد تفهيم هذا المتأخر عنه وهكذا المتأخر حينما ينقلها إلى المتأخر عنه المتأخر عنه الثاني إلى المتأخر عنه الثالث ، وهكذا كل واحد من هؤلاء يقصد تفهيم من يتحدث معه ، فلو كانت توجد قرينة خاصة حالية وصلت إليه فمقتضى أمانة النقل أنه لابد من بيانها ، وعدم تبيانها دليل على أنه لا يوجد مثل هذه القرينة.
لكن السيد الروحاني(قده)[1] قال:- إنَّ الاستشهاد بأنَّ العقلاء يتمسّكون بالظهور في الوصية والاقرار والوقفية وغير ذلك ليس بتام ، لأجل أنه مادام المتكلم يريد أن يتخفّى أو يخفي مطلوبه ومراده ويعتمد على القرينة الحالية أو العهدية فلابد أن يكون قاصداً للظهور إذ لو لم يقصد الظهور فإذن لم يتخفَّ ، فإنَّ التخفّي يحصل بأن يأتي بكلام ظاهر أو يقصد الظاهر حتى يتخفّى على مراده الواقعي ، فإذن نفس كون الشخص يريد أن يتخفّى أو يخفي مطلوبه الواقعي هو قرينة على أنه يريد الظهور حتى يلبس ويخفي مرادمه فيطرح كلاماً ظاهراً في معنىً ويريد ذلك المعنى حتى يُلبِس الأمر على الطرف المحاطب ، فعلى هذا الأساس الاستشهاد بهذه الأمثلة ليس بتام لأنَّ هذه الأمثلة نفس كون المتكلم يريد أن يخفي مطلوبة نفسه يصير دليلاً على أنه يريد مدلول الظهور حتى من خلال الظهور يخفي مطلوبه فإنَّ الناس يتصورون أن مدول الظهور هو مقصوده فيحصل التخفّي ، فالتخفّي لا يحصل إلا بأن يكون الظهور مقصوداً له وبذلك لا يصح التمسّك بهذه الشواهد التي ذكرت لإثبات أنَّ الظهور حجة مطلقاً حتى في حق غير المقصود بالإفهام لأنَّ هذه الشواهد التي ذكرت لها خصوصيتها التي أشرنا إليها.