39/10/15
الموضوع:- مبحث حجية الظواهر.
ويمكن أن يضاف إلى ما ذكرناه:- وهو أنه إذا كان الظن بالخلاف مانعاً من حجية الظهور فإما أن يكون ذلك بسبب عدم حصول الظن بالظهور ، يعني أنَّ الظهور ليس بواضح وغير ثابت عند حصول الظن بالخلاف فيسقط هذا الخبر مثلاً عن الحجية لأنَّ ظهوره ليس بواضح أي بثابت بنحو الجزم ، أو أنَّ النكتة هي أنَّ المتكلم يحتمل في حقه الغفلة عن نصب القرينة ، فهو قد غفل عن نصب القرينة على بيان مقصوده ونحتمل أن مقصوده شيء آخر خلاف الظهور ، أو أن المنشأ هو غفلة السامع ، فالسامع غافل عن القرائن فأنا السامع احتمل أنَّ الكلام فيه قرينة ولكني غافل عنها لذلك أشكك في الظهور وأتوقف في الأخذ به ، أو أني أحتمل التقيّة لذلك احتمل أنَّ الظهور ليس بمقصود ، فبالتالي هناك مناشئ أربعة لاحتمال الظن بالخلاف ، فإنَّ الظن بخلاف الظهور لابد له من منشأ ، والجميع باطل:-
أما المنشأ الأوّل فجوابه واضح:- حيث يقال إنَّ المفروض في كلامنا أننا نجزم بالظهور وكلّنا متفقون على أنَّ هذا الكلام ظاهر في هذا المعنى ولكن نظن أن مقصود المتكلم شيء آخر على خلاف الظهور لا أن الظهور غير ثابت ، كلا بل الظهور ثابت جزماً ، فإذن المنشأ الأوّل باطل.
وأما المنشأ الثاني:- فهذا بعيد ، كيف وأن المتكلّم أحياناً هو شخص عاقل ، بل لعله الامام عليه السلام كما في الروايات ، فكيف نفترض أنه غافل عن نصب قرينة على بيان مراده ؟!! ، فكيف نفترض أنه يبيّن ظهوراً له معنىً معيّن لكن مقصوده شيء آخر وغفل عن أن ينصب قرينة عليه ؟!! كلا فنحن نعرف أنَّ هذا المتكلم عاقل وموزون من هذه الناحية بل ربما يكون هو الامام عليه السلام ، فإذن هذا الاحتمال باطل.
وأما المنشأ الثالث:- فمن الواضح أنَّ المتكلم فحص وقلّب الكلام وجهاً لظهر إلى أن حصل له القطع بعد وجود القرينة ولكن مع ذلك هو يشك في أنَّ مقصوده شيء آخر رغم الجزم بعدم القرينة ، فإذن كون المنشأ هو احتمال وجود قرينة باطل أيضاً.
أما المنشأ الرابع فجوابه:- إنَّ احتمال التقية لا يعني أننا نظن أنَّ مراده خلاف الظهور ، كلا بل نجزم بأنَّ الكلام ظاهر في معنىً معيّن ونجزم بأنَّ ذلك المعنى المعيّن أراده المتكلم ولكن إنما أراده بسبب التقية ، فهو قد أراده لا أنه لم يرده ، فإذن نحن نجزم بأنه يريده ولكن هو أراده لأجل التقية لا أننا نظن بعد أرادته فإنه في مورد التقية الأمر هكذا فإنه لا يوجد ظنٌّ بأنَّ الظهور ليس بمراد وإنما هو مراد ولكن أريد لأجل التقية.
إذن اتضح أنَّ جميع المناشئ الأربعة للظن بالخلاف باطلة ، فتعيّن بذلك بطلان هذا التفصيل.وقبل أن نذكر التفصيل الثاني نقول:- إنه قبل أن ندخل في هذه التفاصيل كان من المناسب لنا أن نذكر عدةّ نقاط ، ونحن سوف نذكرها في هذه المحاضرة والتي تليها وكان من اللائق ذكرها قبل الدخول في التفصيل الأوّل ، فإن هذه نقاط جانبية ظريفة يجدر الاطلاع عليها قبل الدخول في التفاصيل ولكن فاتنا ذكرها في موضعها[1] :-
النقطة الأولى:- حينما نبحث أنَّ الظهور حجة أو ليس بحجة ماذا يرد بذلك فهل يراد أن حجة في حق الانسان العادي كالبقال أو المراد أنه حجة في حق الإنسان الراقي من ذلك الطرف كالفيلسوف الذي لا يتكلم إلا بالفلسفة ولا ينظر إلا بالفلسفة أو أن المدار على الانسان المتوسط المتعارف لا الذي أخرجه العلم عن عرفيته أو أنه عرفي في بداية أمره وإنما حدّ متوسط مثلي ومثلكم فصحيح نحن قد درسنا ولكن دراستنا لم تُذِهب عرفيتنا ، فحينما نقول الظهور حجة أو ليس بحجة فهو في حق من ؟ فإذا قلنا هو حجة يعني أنَّ المدار في نظر البقّال أو الظهور في نظر الإنسان الفيلسوف أو الحد المتوسط ؟ المناسب أن يكون المدار في حق الانسان المتوسط لا الأوّل الذي لا يميّز الأمور بشكلٍ جيد ولا الثاني الذي تزعزت عرفيته بسبب ما اكتسبه من علم ، فحينما نقول الظهور حجة فهو حجة في حق الانسان المتوسط في عرفيته ، والدليل على ذلك:- هو أنَّ الامام عليه السلام حينما كان يطرح الكلام إنما يطرحه على مثل زرارة ومحمد بن مسلم وما شاكل ذلك من الرواة ، وهؤلاء كانوا من الطبقة المتوسطة ، فلذلك يصير المدار في الظهور وحجية الظهور على أنَّ الطبقة العرفية المتوسطة ، فإذا رأت أنَّ هذا الكلام ظاهر في هذا المعنى نقول هذا هو الحجة ، أما أن يأتي البقّال ويأخذ الرواية ويقول هذا هو الظاهر منها فلا نقبل منه ذلك ، وكذلك الفيلسوف ، فإذن المدار على الإنسان الثالث كما أوضحنا وهذه قضية واضحة.
القضية الثانية:- الظهور تارةً لا يحتاج في استفادته إلى إعمال مؤونة وإبراز قرائن بل بادئ ذي بدء يلتفت إليه وهذا هو القدر المتيقن من حجية الظهور ، وأخرى يحتاج إلى إِعمال بعض النكات ولكن لا تعدو عن كونها نكات عرفية يعني في الحدود العرفية ، من قبيل ﴿ وامسحوا برؤوسكم ﴾ فهنا نقول هذا الكلام ظاهر في أنَّ المسح يكون ببعض الرأس وليس بكلّ الرأس ، وقد تقول لماذا هكذا ؟ كما سئل الامام عليه السلام في الرواية فقال:- ( لمكان الباء ) ، لأنه لو كان مقصوده كلّ الرأس فلماذا قال ( برؤوسكم ) بل يقول ( وامسحوا رؤوسكم ) فإنَّ هذه قرينة ولكنها لم تتجاوز الحدود العرفية ، أو من قبيل الانسان الذي يطلّق زوجته ثلاث مرات ولكن أراد أن يرجع إليها فهنا تحل له إلا بالمحلل فهل المحلل يمكن أن يكون عقداً قصيراً أو لابد من العقد الدائم ؟ إنه لا ينفع العقد القصير ، فإنَّ الآية الكريمة تدل على أنه لابد وأن يكون عقداً دائماً ، وهل صرّحت بذلك ؟ كلا لم تصرّح بذلك ولكن ذلك لقرينةٍ ، والقرينة هي في الحدود العرفية ولا تتجاوزها ، فلاحظ أنَّ الآية الكريمة ماذا تقول:- ﴿ الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[2] ﴾ ﴿فإن طلقها فلا تحلّ له من بَعدُ حتى تنكح زوجاً غيره ﴾ ، فـ( حتى تنكح ) يشمل الدائم والمنقطع ولكن الآية الكريمة بعد ذلك قالت:- ﴿ فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا ﴾[3] إنَّ تعبير الآية الكريمة بـ( فإن طلقها ) يدل على أنه يلزم أن يكون العقد دائماً ، وإلا إذا كان العقد منقطعاً فلا داعي إلى تقول ( فإنَّ طلقها ) فهذه قرينة ولكن لا تتجاوز الحدود العرفية ، وهذا مقبول فهذا أعمالٌ للدقة ولكن ضمن الحدود العرفية.
إذن عرفنا لحد الآن أنَّ الظهور حجة فيما إذا لم يحتج إلى إعمال دقة هذا اولاً ، وثانياً إنه حجة فيما إذا احتاج إلى إعمال دقة ولكن في الحدود العرفية.والمورد الثالث ما إذا كان يحتاج إلى دقّة تتجاوز الحدود العرفية ، ونذكر هذا الحكم الشرعي ثم نذكر المثال على ذلك ، فإنه يوجد عندنا كلام في صلاة الجماعة وهو أنه بِمَ تدرك صلاة الجماعة ؟ إنها تدرك في عدة حالات ، منها أن يدخل مع الامام في بداية الصلاة ، أو أثناء القراءة ، أو في الركوع ، فمادام الامام في الركوع إذا وصل إلى المأموم إلى حدّ الركوع والامام بَعدُ لم يرفع رأسه فقد ادرك الجماعة ، والمدرك في ذلك صحيحة سليمان بن خالد الآتية ، لكن الكلام فيما إذا ركع المأموم لكن الامام رفع رأسه من الركوع وشك المأموم هل رفع الامام رأسه بعد أن وصل المأموم إلى حدّ الركوع أو قبل أن يصل إلى حدّ الركوع ؟ هذه مسألة وقعت محلاً للكلام بين الفقهاء ، وفي هذا المجال نقرأ صحيحة سليمان بن خالد ونلاحظ ماذا يستفاد منها.