39/08/21
الموضوع:- انحاء متعلّق السيرة - مبحث الظن.
ويرّده:- إنا قد فرضنا أنَّ الشرع له الحق في أن يردع ، يعني يصرّح ويقول إنَّ ظهور كلامي ليس حجة عليكم وإنما الحجة فقط هو الكلام الصريح ، وحينئذٍ نقول: مادام له الحق في أن يردع فلازم ذلك عدم جواز الأخذ بظاهر كلامه - يعني الأخذ بالسيرة - إذا أحرزنا أنه لم يردع ، لأنك قد فرضت أنَّ له الحق في أن يردع ، فلابد أن نحرز أنه لم يردع حتى تكون هذه السيرة حجية آنذاك ، وأما إذا احتملنا الردع وقد فرضنا أنَّ ذلك من حقه فلا ملزم للأخذ بهذه السيرة.
إن قلت:- نحن بوجداننا نشعر بأن السير الناشئة من مرتكزات عقلائية لا يكفي في الردع عنها وفي سلب الحجية عنا احتمال الردع بل نحتاج إلى الجزم بالردع ولذلك في باب الظهور أنت لا تكتفي باحتمال الردع فإنَّ الوجدان يقضي بذلك بل لابد من الجزم بالردع.
قلت:- إنَّ هذا الوجدان مقبول مسلّم ولكنه ناشئ من قضية أخرى وهي أنَّ السير المستحكمة القوية تحتاج إلى ردعٍ قوي بقوتها فإنَّ ردّ الفعل لابد أن يكون بقوّة الفعل ، فإذا كانت هذه السيرة مستحكمة - يعني قضية الظهور - في غريزة الإنسان العاقل ، فالردع لابد وأن يكون قوياً ، بمعنى أنه حتى لو صدر ردع جزمي لكن مادام ضعيفاً فرغم أنه جزمي سوف لا نعتني به ، وحينئذٍ هذا هو المبرّر لوجداننا الذي أشرنا إليه ، فنحن في باب الظواهر صحيح أنَّ احتمال الردع لا نكتفي به ولكن لا من باب أنه يشترط في مثل الظهور وغيره من الأمور الغريزية احراز عدم الردع ولا يكفي احتمال الردع ، وإنما من باب آخر وهو أنَّ الأمور الغريزية حتى الردع الضعيف المحرز لا يكفي بل يحتاج إلى ردع قوي ، وهذا نقوله حتى في النحو الأول من السيرة الناشئة من التقاليد والأعراف ، فإذا كانت التقاليد قوية جداً فلابد أن يكون ردّ تلك السيرة بقوة تلك التقاليد والسيرة ولا يكفي الردّ الضعيف.
إذن من هذه الناحية لا فرق بين السيرتين فكلتاهما تحتاجان إلى الجزم بعدم الردع ، ولكتاهما لا ينفع في ردّهما الردّ الضعيف حتى إذا كان مجزوماً به.فعلى هذا الأساس التفرقة بين هذين النحوين من السيرة لا يكفي والمناسب أن يقال إنه لابد من احراز عدم الردع في كلتا السيرتين ، غايته نضيف شرطاً اضافياً وهو أنَّ الردع لابد أن يتناسب مع قوة المردوع فأحياناً الردع لا نكتفي به من باب انه لا يساوي ذلك الشيء المردوع من حيث القوة فالنكتة هي هذه لا أن النكتة هي أنه يشترط الجزم بالردع ، كلا بل من باب أنَّ الردع من حيث القوة لابد أن يساوي المردوع فلا فرق بين السيرتين من هذه الناحية.انحاء متعلّق السيرة:-متعلّق السيرة على نحوين فتارة يكون المتعلّق هو نفس المطلوب اثباته مثل السيرة على العمل بظهور الكتاب والسنّة حيث يقال جرت سيرة المسلمين في زمان المعصومين على أنهم كانوا يعملون بظواهر الكتاب والسنَّة ولذلك كانوا يسجّلون الأحاديث فلو لم تكن الظواهر الحجة فما الفائدة من تدوين هذه الأحاديث ؟!! ، والحال أنَّ الأصحاب كانوا يسجلونها فمعنى هذا أنهم يستفيدون منها ، فمتعلّق السيرة هو عمل المسلمين بظواهر الكتاب والسنَّة والذي نريد أن نثبته هو حجية ظاهر الكتاب والسنّة وافق ما يراد اثباته.ومن قبيل ( من حاز ملك ) فإنَّ السيرة جارية على أنَّ من حاز سمكة فلا يزاحمه أحد فيها ، وهذا هو متعلّق السيرة والذي نريد أن نثبته هو هذا ولا نريد اثبات شيئاً ثانياً.وأخرى يكون متعلّق السيرة مغايراً للمطلوب اثباته ، ومن أمثلة ذلك أن نقول إنَّ ظواهر الكتاب والسنَّة حجة لأنَّ العقلاء سيرتهم جارية على أنهم يشترون ويقرأون الكتب القديمة التاريخية والمعلّقات العشر وغير ذلك وهذه السيرة موجودة منذ الزمن القديم ، ثم نقول: إذن يثبت بذلك أنَّ ظواهر الكتاب والسنَّة حجة ، ولكن كيف هو الربط ؟ نقول: مادامت سيرة الناس جارية على أنهم يشترون الكتب التاريخية ويقرأونها فيحتمل أنهم يطبقونها في يوم من الأيام على القرآن الكريم والسنَّة الشريفة ويعملون بظاهرهما كما يعملون بظاهر تلك الكتب ، فإذا كان الشارع لا يرتضي هذه السيرة فمن المناسب أن يردع عنها بشكلٍ مسبق ، فعدم ردعه يدل على أنه يقبل بتطبيق تلك السيرة على ظواهر الكتاب والسنَّة أيضاً ، فهنا متعلّق السيرة هو أنهم يطالعون الكتب القديمة من تاريخ وغيره ويأخذون بظاهرها بينما المطلوب اثباته هو أن ظواهر الكتاب والسنَّة حجة ، فإذن تغاير المطلوب اثباته مع متعلّق السيرة ، ولكن رغم ذلك انتفعنا من مثل هذه السيرة بعد ضمّ هذا البيان.ويوجد مثال ثانٍ ، وهو الوقوف في عرفات مع احتمال الخلاف فهل يكفي أو لا يكفي ؟ من أحد الأدلة على الكفاية أن يقال:- إنَّ هذه السنوات الطويلة التي عاش فيها الأئمة عليهم السلام والتي كانت لمدة قرنين أو أكثر وكان الوقوف مع الغير في موقف واحد ، فعدم احتمال الخلاف بين الطرفين في الهلال طيلة كل هذه الفترة بعيد جداً ، ولا أقل حصل ذلك في سنة أو سنتين ، ولكن مع ذلك لم ينعكس ذلك على الروايات ، يعني أنَّ أصحابنا يكتفون بذلك الموقف مع احتمال الخلاف ، إذ لو لم يكتفوا به وكانت القصية بين ردٍّ وبدل وأنه يكفي أو لا يكفي لانعكس ذلك على الروايات ولكانوا يسألون ، والحال أنه لا توجد رواية تذكر ذلك ، وهذا دليل على أنه يكفي الوقوف معهم رغم احتمال الخلاف ولذلك لم تنعكس عندهم هذه القضية ويسألون عنها.فإذن المطلوب اثباته هو أنَّ هذا الوقوف يجزئ رغم احتمال الخلاف بينما متعلق السيرة هو أنهم كانوا يقفون ولم ينعكس خلاف فإذن ثبت بذلك ما نريد ، وهل أنَّ هذا المثال متعلّق السيرة فيه هو نفس ما نريد اثباته أو غيره ؟ إنَّ الأمر إليك ، ولو كان عندك كلام في هذا المثال فسوف نمثّل بمثالٍ آخر.وهو أننا نتمكن أن نقول:- إنه حتى مع الجزم بالخلاف نقول إنه في فترة مائتي سنة احتمال الخلاف في الموقف كان وارداً ، فلو كان الموقف الشرعي هو لزوم الاحتياط في حالة الجزم بالخلاف لكان من المناسب للائمة عليهم السلام أن ينبّهوا عن ذلك ويقولوا إنَّ الحكم بالإجزاء خاص بمورد احتمال الخلاف أما مع الجزم بالخلاف فلا يجزي الوقوف معهم ، لأن الناس سوف يعملون بسيرتهم التي عملوا بها في مورد احتمال الخلاف حتى في مورد الجزم بالخلاف ويتصوّرون أنَّ الحكم واحداً.فإذا قبلت بهذا التقريب فسوف نثبت أنَّ الوقوف مع الغير يجزئ حتى مع الجزم بالخلاف ، ففي هذا المثال متعلّق السيرة شيء بينما المطلوب اثباته شيء آخر ، فالمطلوب اثباته هو أنه حتى مع الجزم بالخلاف يجزي الموقف الواحد ، بينما متعلّق السيرة هو أنه يكتفى بالموقف الواحد في صورة احتمال الخلاف ، فمتعلّق السيرة شيء بينما المطلوب اثباته شيء آخر ، ولكن رغم ذلك استفدنا من السيرة .