39/08/19
الموضوع:- كيف نثبت امضاء السيرة - مبحث الظن.
ويرد على ما ذكره الشيخ الأصفهاني(قده):-أوّلاً:- نحن نسأله ونقول: هل اللازم أن يوافق الامام عليه السلام من كلتا الحيثيتين أو تكفي حيثية واحدة وهي مثلاً حيثية أنه عاقل ؟ فإن قلت إنه يكفي من حيثية واحدة وهي حيثية كونه عاقلاً - والظاهر أنه لا يريد هذا ولذلك أخذ يلاحظ الحيثية الثانية - فنقول إنه بناءً على هذا حتى إذا ردع الشارع من حيثية كونه شارعاً وخالف فمخالفته لا تضرّ ، لأنَّ المهم هو موافقته بما هو عاقل أما بما هو شارع فليس بمهم ، فلازم هذا أنه لو ردع بما هو شارع سوف لا يضرّ ذلك ، وهل تلتزم بذلك ؟ إنَّ هذا لا يمكن الالتزام به ، فإذن هذا الاحتمال باطل.
فإذن الاحتمال الصحيح هو أنه لا بد أن يكون موافقاً من كلتا الحيثيتين ، فإذا كان الأمر كذلك فيلزم أن نحرز أنه موافق بما هو عاقل والمفروض أنه ثابت لأنه سيد العقلاء وأوّلهم ، ويلزم أيضاً أن نحرز أنه موافق بما هو شارع ولا يكفي الشك - يعني عدم احراز الردع كما ذكر هو(قده) -.ثانياً:- إنك ذكرت إنه مادام وافق بما هو عاقل - باعتبار أنه سيد العقلاء - فلا يؤثر الشك في موافقته بما هو شارع ، فتكفي الموافقة من الحيثية الأولى وإن شككنا في الموافقة من الحيثية الثانية ، ونحن نقول:- إنه لابد وأن تعكس المطلب ، يعني من المناسب أن تقول إنه يلزم موافقته بما هو شارع ، لأنّ هذه قضايا شرعية ، فنحن نريد أن يرضى بما شارع لا بما هو عاقل ، لأنَّ هذه قضايا نريد أن نثبت شرعيتها فلابد وأن نثبت موافقته من الحيثية الشرعية ، أما من الحيثية العقلائية فإحراز موافقته وعدم احرازها ليس بمهم ، فهو بما هو عاقل لو شككت في موافقته بل حتى لو أحرزت عدم الموافقة مع ذلك هذا لا يؤثر لأنَّ المهم أني أريده بما هو شارع ، فانا أريد أن أثبت شرعية القضية فالموافقة بما هو شارع تكفيني ولا تهمني الموافقة والمخالفة من الجنبة العقلائية ، وهذا ينبغي أن يكون من الواضحات.
ثالثاً:- إنه ذكر أنَّ سيرة العقلاء إذا جرت على شيء فالشارع بما عاقل حتماً هو موافق لأنه سيد العقلاء ورئيسهم ، ونحن نقول:- إنَّ قولك بأنه موافق جزماً ليس بصحيح ، بل لعله ليس بموافق ، فإنَّ المفروض أنه رئيس العقلاء ومعنى أنه رئيس العقلاء أنَّ عقله أوسع فلعلّه التفت إلى ما لم نلتفت إليه نحن العقلاء وإلا صرنا في درجة واحدة مع الشارع ، وأنت قد افترضت أنه سيد العقلاء فلا نستطيع أن نقول إذا جرت سيرة العقلاء على شيءٍ فإنه موافق لهم حتماً ، فإنَّ هذه الحتمية غير صحيحة.
ورب قائل يقول[1] :- إذا جرت السيرة على شيء فمن سكوت الشارع وعدم ردعه لا يمكن أن نستفيد الامضاء حتى لو جزمنا بذلك ، باعتبار أنَّ العقلاء حينما يتمسّكون بالظهور كحجة أو بخبر الثقة كحجة مثلاً فهم يتمسّكون بذلك في القضايا التي ترتبط بأنفسهم ، فأنا أجعل الظهور حجة في القضايا التي ترتبط بشؤوني ، أما التي ترتبط بشؤون غيري كيف أجعله حجة على أحكام وشؤون غيري فإنَّ هذا لا يصدر من العاقل ؟!! ، إنما الذي يصدر من العاقل هو أن يجعل الظهور حجة في أحكامة وما يرتبط به فيجعل الخبر حجة في أحكامه وفي حوزته ودائرته أما أنه يجعله حجة على أحكام غيره فلا ، فإذا كان الأمر كذلك فسكوت الشارع عن الردع لا يدل على الامضاء ، لأنَّ الأخذ بخبر الثقة مثلاً قضية ترتبط بالشخص نفسه ، فأنت في حقّ نفسك تريد أن تجعل خبر الثقة حج في أحكام نفسك والشارع لا ربط له في أن يردع أو يمضي لأنَّ هذه قضية خاصة بك وترتبط بك ولا تؤثر على الشرع ايجاباً أو سلباً فلا معنى للردع أو الامضاء ، بل أصلاً لا يتصوّر ، فسكوت الشرع حينئذٍ وعدم ردعه لا يدل على الامضاء لأنها قضية لا ترتبط به ، كما لو بنى شخص غرفة فوق سطح داره وسكت جاره عن ذلك فهل سكوت الجار هل يدل على الامضاء ؟ كلا إنَّ سكوته لا يدل على الامضاء أو غير ذلك لأنَّ هذه قضية لا ترتبط به ، وهنا أيضاً كذلك ، فالشرع حينما يسكت فسكوته وعدم ردعه لا يدل على الامضاء ، لأنَّ ما صدر من العقلاء هو قد صدر بلحاظ أحكام أنفسهم لا بلحاظ أحكام الغير - أي الشارع -.