الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث الظن.

والجواب:- نحن نسلّم أنَّ الشرع لابد وأن يكون له موقف فإنَّ الشريعة كاملة ولكن هل يتعيّن الموقف هو الامضاء ؟ كلا بل لعل الموقف الذي اتخذه الشرع هو أنَّ القضية المعاصرة أنا أردع عنها أو أمضيها وأما التي ليست معاصرة فأنا ليس لي موقف محدّد تجاهها بل يرجع فيها إلى مقتضى الأصول والقواعد ، وإذا كان الموقف الشرعي هو هذا فهو لا يتنافى مع كمال الشريعة ، فإنَّ كمال الشريعة كما يتلاءم مع الامضاء بسبب السكوت يتلاءم مع إيكال القضية التي تحدث في المستقبل إلى ما تقتضيه الأصول والقواعد ، فإنَّ الائمة عليهم السلام نصبوا لنا أصولاً وقواعد نرجع إليها ، فنرجع في حق النشر أو الطبع مثلاً إليها ، فنقول إنَّ هذا حق جديد لم يثبت أنه شرعي وممضىً فالمناسب بمقتضى الأصول والقواعد التمسك بـ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) ، فإنَّ حرمة مخالفة هذا الحق ليست بثابتة ، فأنا صاحب المطبعة لو طبع هذا الكتاب سوف يكون مشمولاً لمقتضى أصل البراءة فيمكن أن يكون الموقف هو هذا وهو بالتالي موقف شرعي تركه الامام عليه السلام لمقتضى الأصول والقواعد.

ولا تقل إنَّ هذا جهد فكري وثروة فكرية وهذا الذي يطبع يفوت هذا الجهد الفكري .

ولكن نقول:- إنَّ هذه ألفاظ بلا معنى ، فإنَّ جهدك هو لك ولك حق السبق وهذا صحيح ، وأنا لا أريد أن أسلب منك حق السبق بل أنا أتصرف في طابعتي وماكنتي وأوراقي ونسخة الكتاب الذي اشتريته وهو ملكي فأثبت لي شرعاً أنَّ لك حق المنع ، ولا مثبت لذلك فنرجع إلى الأصول القواعد ، وبالتالي صار هذا موقف شرعي ، وهذا لا يتنافى مع كمال الشريعة.

ولكن قد قلنا:- إذا لاحظ ولي المسلمين أنه سوف يحصل اخلال بنظام الطباعة والنشر وغير ذلك فهنا له حق المنع من باب العنوان الثانوي ، ولكن كلامنا فيما إذا كان شخص يريد أن يصنع هذا الشيء من دون أن يلزم محذور الاخلال بالنظام كأن يطبع كتباً معيناً خمس أو عشر نسخ فإنَّ هذا لا يلزم منه الاخلال بنظام الطباعة ، فعلى هذا الأساس لا محذور من هذه الناحية.

ونلفت النظر إلى قضية جانبية علمية:- قلنا إنَّ مقتضى الأصول والقواعد هو أن نرجع إلى أصل البراءة ، ولكن هنا يوجد اشكال في الرجوع إلى أصل البراءة امتناني ، فهو ورد مورد المنّة على العباد حيث قال الحديث ( رفع عن أمتي ) فإنه توجد قرينتان على ان الرفع امتناني فأصلاً ( رفع ) لا تستعمل إلا في الامتنان فحينما أقول لك أنا أريد أن أرفع هذا عنك يعني أن المقتضي موجود ولكني أريد أن أمتن فأرفع هذا عنك ، والقرينة الثانية كلمة ( أمتي ) ، فالحديث امتناني ومادام امتنانياً يكون تطبيقه في صالح صاحب المطبعة الذي يرد طبع الكتاب سوف يلزم منه خلف المنة بلحاظ المؤلف لأنه سوف تطبع نسخ كثيرة من كتابه وسوف يتضرر لأنه إذا طبعت النسخة كثيراً فسوف تصير كثرة عرض فيقل الثمن وسوف يلزم من ذلك تضرر المؤلف ، إذن تطبيق الحديث في صالح صاحب المطبعة يلزم منه تضرر المؤلف والمفروضان حديث الرفع امتناني فماذا نصنع ؟

ومن الواضح أنَّه إذا لم نرد أن نطبّق حديث الرفع من جهة الشخص الذي يريد طبع الكتاب فسوف يتضرّر هذا الشخص ، فبالتالي سوف يلزم خلف المنَّة بحق الطرفين ، فتطبيقه ليس بممكن فماذا نصنع ؟إنه لابد وأن نذهب إلى مدرك آخر ليس فيه مسألة المنَّة وهو قاعدة السلطنة فإنَّ قاعدة السلطنة قاعدة عقلائية ممضاة وأن كل إنسان له السلطنة على التصرّف في أمواله إلا ما خرج بالدليل وهذه القاعدة ليست واردة مورد المنَّة فيجوز حينئذٍ التمسّك بها.

وهذا نظيره يذكر في مثال ثانٍ:- وهو أنه لو أراد شخص أن يحفر بالوعة في داره ولكن يلزم من ذلك تضرر الجار فما هو الحكم في مثل هذه الحالة ؟ ، فإنَّ صاحب الدار إذا لم يحفر البالوعة فسوف يتضرر ، وإذا حفرها فسوف يتضرر الجار ، وحديث الرفع لا يمكن تطبيقه لأنه امتناني وبالتالي يلزم خلف المنَّة إما على صاحب الدار أو على الجار ، ولكن قال الفقهاء نتمسّك بقاعدة السلطنة فنثبت لصاحب الدار جواز الحفر.

ولا تقل إنَّ:- حديث السلطنة لا سند له ؟

ولكن نقول:- هي قاعدة عقلائية قبل أن تكون شرعية ، فهي من القضايا البديهية العقلائية فكل إنسان مسلّط على ملكه يصنع فيه ما يشاء إلا أن يدل دليل على المنع ، كأن يشتري بماله خمراً فهذا لا يجوز ، أو يشتري أموراً أخرى محرّمة بماله فهذا قد دل الدليل على المنع عنه ، وإلا فالإنسان مسلّط على ماله.

فإذن نطبق قاعدة السلطنة في حفر البالوعة ، فإنَّ قاعدة السلطنة ليست امتنانية وإن تضرر الجار فإنه لا محذور في ذلك ، ونفس الكلام نقوله في موردنا حيث نقول إننا لا نطبق حديث الرفع وإنما نطبق قاعدة السلطنة ، وهذه نكات علمية يجدر الالتفات إليها.إذن اتضح أنَّ المعاصرة للمعصوم عليه السلام شيء لازم لإثبات الامضاء .ولكن كيف نثبت المعاصرة ؟

والجواب:- إنَّ السيرة تارة تكون ثابتة في زماننا جزماً ونشك في ثبوتها زمن المعصوم ، وأخرى نجزم بكونها ليست موجودة في زمانا ولكن نريد أن نثبت وجودها في زمن المعصوم عليه السلام من دون أن تكون ثابتة الآن.

ومثال السيرة من القبيل الأوّل:- أصالة الصحة في قراءة الغير ، فلو تقدّم شخص إلى الصلاة ولكن نحن نعرف أنه عادل ولكن لا نعلم كيف هي قراءته فهل يجوز الصلاة خلفة ؟ نعم تجوز الصلاة خلفة لأصالة الصحة في القراءة ، لأنَّ السيرة جارية على أنه متى ما تقدّم شخص للصلاة وكان عادلاً لا يقال له تعال واقرأ لنا الحمد فإنَّ هذا لا نفعله ، وهذا موجودة في زماننا ، ولذلك لا يقول الفقهاء إنه يلزم احراز صحة قراءة الامام وهذا هو المنشأ ، فالصحة ثابتة ، ولكن هذه السيرة صحيح هي موجودة في زماننا ولكن لمهم أنها ثابتة في زمن المعصوم عليه السلام حتى تصير ممضاة ، فهنا هي ثابتة في زماننا ونسأل كيف يمكن اثبات أنها حادثة في زمن الامام عليه السلام ؟

وكذلك أصالة الصحة في نفس أعمال الانسان ، كما لو تزوّج شخص بامرأة وبعد عشر سنوات شك هل قالت له ( زوجتك نفسي ) بصورة صحيحة أو لا ، وهل قال لها ( قبلت ) بصورة صحيحة فشك في الألفاظ فعلى ماذا نبني ؟ إننا نبني على الصحة .أو صدر طلاق فنبني على صحة الطلاق ، أو صدر بيع ونشك في صحته فهنا نبني على صحته اعتماداً على أصالة الصحة ، فهذه سيرة موجودة الآن ولكن نشك هل هي موجودة في زمن المعصوم أو لا.وكذلك حجية خبر الثقة وحجية الظهور ، فإنَّ هذا ثابت في زماننا جزماً ولكن من قال إنه ثابت في زمن المعصوم.

والسؤال هنا:- إنَّ هذه السيرة الثابتة في زماننا جزماً ولكن كيف نثبت أنها متحققة في زمان المعصوم عليه السلام أيضاً؟