الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/08/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث الظن.

ومن جملة ذلك:- حالة الشك في وجود الحاجب عند الوضوء أو الغسل ، فإذا شككنا أنَّ حبر قلم الجاف مثلاً حاجب أو ليس بحاجب فنبني على ماذا ؟ قد يقول قائل:- يوجد عندي طريق علمي لإثبات عدم الحاجب وهو استصحاب عدم الحاجب ، فسابقاً لم يكن الحاجب موجوداً والآن حينما وجد خط قلم الجاف أشك هل وجد الحاجب أو لا فاستصحب عدمه ، نعم وجِدَ شيء وهو خطّ القلم ولكن لا أستطيع أن أقول بأنَّ الحاجب قد وجد فاستصحب عدم وجود الحاجب ، وهل نستطيع سلوك هذا الطرق وهل هو صحيح ؟

الجواب:- كلا ، فإن هذا أصل مثبت ، لأنَّ هذا الاستصحاب أقصى ما يقول لك أنه لا يوجد حاجب ، ولكن الوضوء متقوّم بوصول الماء إلى البشرة فإن الآية الكريمة قالت:- ﴿ واغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ﴾ فلابد من صدق غسل اليد والوجه، يعني لابد من وصول الماء إلى البشرة ، فالمطلوب هو وصول الماء إلى البشرة ، أما استصحاب عدم الحاجب فهو فقط يعبّدك ويقول لك إنَّ الحاجب ليس بموجود أما أنَّ الماء قد وصل إلى البشرة أو لا فهذه ملازمة عرفية وليست شرعية ، ومتى ما كانت الملازمة غير شرعية يصير المورد من الأصل المثبت.

وعلى هذا الأساس إذا لم يجرِ الاستصحاب فحينما يريد الانسان أن يتوضأ أو يغتسل فلابد أن يفحص بدنه عن الحاجب ، فهل هذا صحيح أو لا ؟والجواب:- من أحد الطرق التي سلكوها هي أنهم تمسّكوا بالسيرة حيث قالوا قد جرت سيرة المتشرعة على أنهم يتوضأون من دون الفحص عن الحاجب ، فلا حاجة إلى الفحص عنه ، وهل هذا كلام صحيح أو لا ؟ إنَّ هذا شيء آخر ، ولكن المهم هو أنَّ هذا من الموارد التي تمسّكوا فيها بالسيرة.ومن جملة ذلك:- هو أنه قد يثبت الهلال عند الغير في موسم الحج ، فهنا لابد من الوقوف معهم إذا لم يمكن إلا الوقوف معهم ، ولكن هل يلزم الاحتياط بالوقوف في اليوم الثاني أو لا ؟ إنَّ الوقوف مع الغير يكفي بلا حاجة إلى احتياط ، وقد يتمسّك لذلك بالسيرة فيقال إنه في زمان الأئمة عليهم السلام من البعيد أنه لم تحصل مخالفة في بعض الأعوام ، فجزماً توجد مخالفة ، وهل كان الأصحاب يحتاطون ؟ كلا ، إذ لو كانوا يحتاطون لانعكس ذلك على الروايات بشكلٍ واضح ، فإذن يكفي الوقوف معهم.فإذن موارد التمسّك بالسيرة كثيرة وليست قليلة ، فإذن هذا البحث مهم.

وقد يقول قائل:- إذن كانت السيرة حجة سواء سيرة عقلاء أو متشرعة صارت الأدلة بدل كونها أربعة صارت خمسة كتاب وسنة وعقل وإجماع وسيرة وهل تقبل بذلك ؟

قد يقال:- إنه لا مانع من ذلك فإنه لا توجد آية ولا رواية تحدد ذلك ، وإنما منهجة الفقه بهذا الشكل المتداول عندنا اليوم ينسب إلى المحقق الحلّي ، وكذلك قضية أنَّ مصادر التشريع أربعة هي بهذا الشكل بل فلتكن خمسة بدل أربعة فإن هذا لا مشكلة فيه.

كما أنه يوجد جواب آخر:- وهو أن نقول إنَّ السيرة ترجع إلى السنَّة ، فالسيرة ليست بما هي هي حجّة بل من حيث كاشفيتها عن موافقة المعصوم سواء كانت سيرة متشرعة أو سيرة عقلاء ، فبالتالي رجعنا إلى السنَّة ، فتدخل تحت السنَّة وليست دليلاً مستقلاً وإنما هي كاشف عن السنَّة.

ويوجد إشكال آخر على هذا التقسيم الرباعي:- وهو أنه كيف يعدّ الاجماع في مقابل السنّة ؟

وهذا الاشكال غير إشكالنا ، وهذه فائدة مستقلة لا ربط لها بموضوعنا ، وهو أنه قد عُدَّت مصادر التشريع أربعة وهي الكتاب والسنَّة والعقل ولكن لماذا عُدَّ الاجماع منها فإنَّ الاجماع إنما يكون حجّة من حيث كاشفيته عن رأي المعصوم عليه السلام فلماذا يُعدُّ من أدلة التشريع ؟ لم يبيّن المحقّق الحلي ذلك.

بقي شيء:- وهو أنه لماذا برزت ظاهرة التمسّك بالسيرة عند فقهائنا المتأخرين ، يعني ابتدأ من زمان الشيخ الأنصاري(قده) وقد بلغ أوج التمسّك بها في زماننا ، فلماذا لم تكن هذه الظاهرة موجودة ولكنها برزت في زماننا المتأخر ، فهل يمكن ذكر توجيه لهذا المطلب ؟