الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/07/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث الظن.

وأجاب الشيخ النائيني(قده) عما ذكره الشيخ الخراساني(قده) بما حاصله[1] :- إذا كان هناك موضوعان لحرمة التشريع الأوّل هو الشك فالشك ثابت بالوجدان ن فأنا عندي شك بالحجية وجداناً فلماذا استصحب ؟! ، فمادام عندي شك فقد ثبتت حرمة التشريع ، يعني يحرم علي نسبة هذه الأمارة مشكوكة الحجية إلى الشارع ويحرم عليَّ نسبة الأحكام الحاصلة من هذه الأمارة المشكوكة إلى الشارع ، فإنَّ هذه الحرمة ثابتة جزماً بسبب ثبوت موضوعها جزماً ، فإنَّ الشك ثابت عندي بالوجدان ، فحرمة التشريع ثابتة بالوجدان ، وبعد أن ثبتت حرمة التشريع بالوجدان ما معنى اثبات حرمة التشريع بالتعبد بالاستصحاب فإنَّ هذا اثباتٌ للشيء الوجداني من خلال التعبّد وهذا لا معنى له ؟!! ، كما لو كنت أنت واقف أمامي وأنا أريد أن أثبت حياتك بالاستصحاب فإن هذا لا معنى له ، وموردنا من هذا القبيل ، فإنَّ حرمة التشريع ثابتة بالوجدان بسبب الشك بالوجدان ، فجزماً حرمة التشريع ثابتة بالوجدان وأنت تريد أن تثبت الشيء الثابت بالوجدان بالتعبّد وهذا تحصيل للحاصل ، بل هو أردأ أنحاء تحصيل الحاصل ، لأنه اثباتٌ بالتعبّد لما هو ثابت بالوجدان.

وفيه:- إنَّ ما ذكره وإن كان وجيهاً ولكنه يتم فيما لو كانت الحرمة واحدة ، أما إذا قلنا توجد حرمتان حرمة تشريعية موضوعها الشك وحرمة ثانية للتشريع موضوعها عدم الحجية واقعاً فحينئذٍ لا يلزم تحصيل الحاصل ، إنما يلزم تحصيل الحاصل فيما إذا كانت حرمة التشريع واحدة وموضوعها يتحقق إما بالشك أو بالعدم الواقعي ، أما إذا قلنا توجد حرمتان فحينئذٍ لا يلزم محذور تحصيل الحاصل ، بل الذي يحصل بالاستصحاب هو حرمة ثانية للتشريع غير الحرمة الأولى ، ولا يخفى لطفه.

إذن ما ذكره الشيخ النائيني (قده) جيد ولكنه جيد على تقدير كون حرمة التشريع واحدة لها موضوع واحد وهو الشك أو عدم الحجية واقعاً ، فموضوعها على البدل أو الجامع بينهما - أي الجامع بين الشك وعدم الحجية واقعاً - ، أما إذا قلنا أنَّ هناك حرمتان واحدة موضوعها الشك وأخرى عدم الحجية واقعاً فلا يلزم محذور تحصيل الحاصل ، وأيَّ احتمال هو الأوجه فهل حرمة واحدة موضوعها الجامع بين الشك وعدم الحجية واقعاً أو أنه توجد حرمتان ؟ تلك قضية ثانية وهذا لابد أن يعرف من استظهار الأدلة ، ولكن كان من المناسب للشيخ النائيني(قده) أن يبيّن ذلك فيقول: ( وهذا الذي ذكرناه يتم بناءً على كون حرمة الشرع حرمة واحدة موضوعها هو الجامع بين الشك وعدم الحجية واقعاً ، وأما إذا قيل بوجود حرمتين أحداهما موضوعها الشك الأخرى موضوعها العدم الواقعي للحجية فلا يلزم هذا المحذور ) ، ثم يتمم ذلك ويقول ( والأظهر من الأدلة أنَّ الحرمة واحدة ولا معنى لثبوت حرمتين ).هذا كلّه بالنسبة إلى الاشكال الأوّل الذي أثاره الشيخ الأعظم(قده) على استصحاب عدم الحجية وأشكل عليه الخراساني(قده) بإشكالين واتضح أنَّ كلا الاشكالين قابلان للمناقشة.

الاشكال الثاني[2] :- ما ذكره الشيخ النائيني(قده)[3] وحاصله: إن قصدت من استصحاب عدم الحجية اثبات حرمة التشريع فهذا باطل لما ذكره الشيخ الأعظم(قده) في الاشكال الأوّل من أنَّ حرمة التشريع ثابتة بمجّرد الشك في الحجية بلا حاجة إلى استصحاب عدم الحجية ، وإن قصدت منه أنَّ هذه الأمارة المشكوكة إثبات أنها ليست منجّزة ولا معذّرة فالاستصحاب لا يجري أيضاً ، لأنك مادمت تشك في حجيتها - مثل الشهرة الفتوائية تشك في حجيتها - فمجرّد الشك يكفي لعدم كونها منجّزة ، وذلك لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان - أي البراءة العقلية - ، فأنا لا أعلم بحجيتها وبالتالي لا منجّز للأحكام التي دلّت عليها الشهرة الفتوائية وتجري بلحاظ ذلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، بل وتجري البراءة الشرعية - ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) - ، فإذن ثبتت البراءة وثبت التعذير بمجرّد الشك حيث تجري البراءتان ، وبعد ثبوت التعذير بالبراءة العقلية والبراءة الشرعية ماذا ينفعك استصحاب عدم الحجية ، فإنَّ المعذّرية حاصلة بالوجدان فما معنى لإثباتها بالاستصحاب؟!!

ثم قال:- ومن هنا نحن نمنع من جريان استصحاب البراءة حالة الصغر أو الجنون ، وهكذا نمنع من استصحاب الاشتغال إذا أتي ببعض أطراف العلم الاجمالي.

وهو أراد أن يشير إلى شيء:- وهو أنَّه هناك طريق لإثبات البراءة بأن نقول: أنا قبل البلوغ لم يكن عليَّ وجوب الدعاء عند رؤية الهلال فاستصحب البراءة من فترة ما قبل البلوغ إلى ما بعد البلوغ ، والبعض سلك هذا الطريق لإثبات البراءة غير قاعدة قبح العقاب بلا بيان وغير ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) وذلك من خلال الاستصحاب ، وإذا كان الشخص بالغاً لكنه كان مجنوناً ثم عقل بعد وشك أنَّ ذمته بريئة من جوب الدعاء عند رؤية الهلال أو لا فيستصحب البراءة حالة الجنون ، قال(قده) إنَّ هذان الاستصحابان لا يجريان ونمنع منهما ، لأنَّ البراءة ثابتة لك بالوجدان بلا حاجة إلى استصحاب ، لأنَّ مشكلتنا هي حينما يصير بالغاً فحينما صار بالغاً وشك بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال فالبراءة هي ثبتت بقاعدة قبح العقاب بلا بيان فما معنى لاستصحاب شيء ثابت بالوجدان ؟!! ، وهكذا إذا كان الشخص مجنوناً ثم صار عاقلاً فحينما صار عاقلاً وشك في وجوب الدعاء فتثبت البراءة بالوجدان بلا حاجة إلى الاستصحاب فإنَّ هذا الاستصحاب هو اثبات تعبّدي لما هو ثابت بالوجدان ، وهكذا الكلام في استصحاب التكليف في أطراف العلم الاجمالي ، فأنا يوجد عندي اجمالي بوجوب إحدى الصلاتين إما الظهر أو الجمعة وقد صليت الظهر ثم شككت في وجوب الظهر فأوّلاً كان عندي يقين بوجوب إحدى الصلاتين والآن حينما صليت واحدة منهما أشك فأستصحب بقاء الوجوب ، فهنا قال(قده): الاستصحاب باطل ، لأنَّ الذي كان يحكم بوجوب الاتيان بكلتا الصلاتين في البداية هو ( الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ) ، وهذا موجود بعد الاتيان بإحدى الصلاتين بلا حاجة إلى الاستصحاب ، فهذا الاستصحاب هو تعبّد ببقاء شيءٍ هو ثابت بالوجدان فلا يجري.


[1] أجود التقريرات، الخوئي، ج3، ص150.
[2] على استصحاب عدم الحجية.
[3] أجود التقريرات، الخوئي، ج3، ص150.